الأديب «مفيد خنسة» في «النقد الاحتمالي في الشعر السوري المعاصر».. مقاربةٌ بين علم اللغة والمنطق والرياضيّات
تشرين- لمى بدران:
«النقد الاحتمالي في الشعر السوري المعاصر» هو عنوان كتاب للأديب مفيد خنسة ناقشته جمعيتا الشعر والنقد في اتحاد الكتّاب العرب للنظر والاهتمام بالأفكار الجديدة التي يطرحها الكتاب، وقد تبدو أكثر من جديدة أيضاً، أي قد تكون غريبة بالنسبة للكثير من الأشخاص، فمن منا يتخيّل إسقاط علم الرياضيا، بما فيه من أدوات ونظريات واحتمالات، على الشعر بلغته ومكوّناته المجازية؟
وما يريد أن يقوله – خنسة – في الكتاب هو أن النقد الاحتمالي آلة قانونية للتفكير في تناول الفن عموماً والشعر بشكلٍ خاص.. يعطينا المؤلّف خلاله كيف يمكننا أن نسحب علم الرياضيات، بما يمكننا أن نسحب منه لتطبيقه في المنطق، حيث نستفيد أيضاً من المنطق بما أوجد فيه ومنه، ليمكننا في الآن ذاته أن نسحب هذا الميدان للشعر الذي هو اللغة.. أي إننا نستطيع تطبيق الرياضيات فعلاً في اللغة، وحسب رأي الكاتب فإننا ولكوننا نستطيع تشكيل أبسط جملة لغوية بطرقٍ مختلفة وممكنة نستطيع أن نحفظ لها حقها في الإمكانية، ليأتي الناقد بدوره من الناحية العلمية لممارسة نقده الاحتمالي هذا كآلة قانونية عامة مفيدة تمثل منهجاً مدروساً.
كما تمنّى الكاتب خنسة، حسبما ذكر خلال الجلسة، أن يكون كتابه مطبوعاً في بلده واتحاده، لكن الأقدار شاءت أن يطبع في مصر، ولفت إلى أن هذا النشاط هو الأول له بعد انقطاع أكثر من عشرين عاماً عن التواصل مع المؤسسات الإعلامية والثقافية، ويعتقد خنسة أن المهم في البحث عن الإمكانات ألا نكتفي بالوجه الواحد الذي يقتل العقل، ويقتل الفكر، ويقتل الحرية.. وتحدّث عن تقاطع الأزمنة والواقع والواقعية وعن الجمل الشعرية التي تولّد معاني تحمل عدداً لا متناهياً من القضايا بسبب مخزون اللغة العربية الكبير، والذي يستطيع الإنسان بتجربته الإبداعية والفنية أن يحييها ويحررها، إذ نفى فكرة أن النقد الاحتمالي يساعد على تجلّي الصورة النقدّية.. بل هو يأخذ في الحسبان الإمكانات التي قد توجد، ويقول نستطيع تطبيق الرياضيات في اللغة بكل رحابة اللغة ورحابة الرياضيات.
كما كانت للكاتبة خديجة الحسن مشاركة خلال هذه الفعالية، وفي رأيها أن عنوان الكتاب يوحي بأن الكاتب يتناول الشعر السوري المعاصر في دراسة شاملة.. في حين إنه يتناول بعضاً من الشعراء دون غيرهم، وهم شعراء معروفون سأذكرهم هنا في المقال:
– إبراهيم عباس ياسين
– أديب حسن
– أيمن معروف
-جهاد الأحمدية
– راتب سكر
– صقر عليشي
– محمد حمدان
– منير خلف
– نزار بريك هنيدي
– وفيق خنسه
وتعتقد الحسن أن الكاتب استطاع أن يقدّم منهجه التحليلي الرياضي بسلاسة.. فكان يصدح وراء السطور صوت الشاعر المتخفي وراء أستاذ الرياضيات، لكون الشاعر والكاتب هو أستاذ رياضيات، وليس العكس، كما توقّعَتْ عند قراءة مقدمة البحث، وتبنّت بدورها ما ورد في الصفحة ١٢ من الكتاب: (إن تناقضاً جوهرياً يكمن في إقحام المنطق الرياضي في فهم الشعر، وربما يرفض البعض الأمر شكلاً ومضموناً) وختمت باقتباس من الصفحة ٣٢ من الكتاب، وعلى لسان الكاتب: (وإنني أرجو أن يكون النقد الاحتمالي إضافة حقيقية في ميدان نقد الشعر العربي الحديث ومساهمة حية لتطوير الفكر النقدي العربي).
ومن جانبه، يرى الناقد عبد الله الشاهر، وهو مشارك في أعمال هذه الندوة عن الكتاب أيضاً في أن هذا النقد الاحتمالي، يعيد الحراك النقدي إلى الواجهة مرة أخرى ويفتح باباً واسعاً للنقاش، والجديد في هذا المنهج الذي طرحه خنسة هو محاولة الربط بين علم اللغة وعلم المنطق وعلم الرياضيات… خاصة جبر الأحداث والمجموعات والاحتمالات، من خلال عدّ الجملة الخبرية أنها تشكل قضية.. لأنها تحتمل التصديق أو التكذيب، أما الجملة الإنشائية، وفق رؤية النقد الاحتمالي، فيقتصر دورها على الجانب الفني والجمالي، لأنها لا تشكل قضية، وإن السؤال الذي طرحه الشاهر ويطرح نفسه هنا من خلال النقد الاحتمالي؛ هو مدى إمكانية تحويل الأحاسيس والمشاعر إلى رموز وأرقام مشفرة، استناداً إلى نظرية الاحتمالات؟ وفيما يتعلق بإمكانية تطبيق علم المنطق على القصيدة يعتقد أنه لا توجد مقاربات بينهما، والسبب في ذلك أن النص الشعري قد لا يكون منطقياً، مجرد تهويمات مصدرها اللاوعي..، ويظن أن الكاتب رمى حجراً كبيراً في بحيرة النقد، ولننتظر ارتداداته، وما الدوائر التي سيرسمها في ساحة النقد الأدبي.. وعلينا ألا نتسرع في إصدار الحكم.
أدار الندوة مقرر جمعية الشعر جهاد الأحمدية ومقرر جمعية النقد الدكتور هيثم غرة، وحضرتها مجموعة من الأدباء والنقاد، كما داخل فيها عدد من الحضور لإثارة تساؤلات كبيرة وإضاءات مهمّة بشأن الموضوع.