فرصة للتواصل وحل الإشكاليات وتنمية قدرات الطفل المجتمعية.. خبراء: وجبة الغداء ليست للطعام فقط
تشرين- إلهام عثمان:
من منا لا يسعد برفقة أفراد أسرته وأصدقائه، ما يشعره بأهمية الأسرة وعمق وصدق المشاعر برفقتهم, ولا سيما إن كان ذلك اللقاء يجمعهم على وجبة خلال النهار كوجبة الغداء, تلك الرقعة الصغيرة الدافئة التي تجتمع عليها الأسرة كل يوم هي أجمل الأوقات الذي يقضونه معاً, إلا أن بعض الأشخاص حُرم من تلك المتعة العائلية، إما بسبب عمله الطويل خارج المنزل أو تغرّبه عن عائلته, فيتناول وجباته وحيداً ما يشعره بالاكتئاب والوحدة, وأهم ما يميّز تلك الوجبة هي تعزيز الروابط الأسرية, ولا سيما في المجتمع الشرقي، والذي يعتبر وجبة الغداء تقليداً ذا قيمة كبيرة, فالطعام عنصر رئيسي من أجل توحيد العائلة وتقويتها اجتماعياً, فهي ليست مجرد روتين أو طقس يمارس يومياً، بل هي مناسبة لتواصل الأفراد وتبادل الأخبار اليومية والمشاعر وترسيخ الروابط العائلية والاجتماعية من خلال تبادل أطراف الحديث, وقد يكون الغداء الوحيد الذي يتواجد فيه جميع أفراد الأسرة في اليوم بسبب انشغال أفرادها بأعمالهم أو دراستهم أو التزامهم بشيء ما، وهذا يجعله فرصة لإظهار الدعم والمشاركة المتبادلة.
عجلوني: الأم تنقل رسالة إلى أفراد أسرتها بأنهم محببون ومهمون من خلال تقديم وجبة شهية ومتوازنة تغذيهم جسدياً وعاطفياً وسلوكياً
رهف الدغمش فتاة في عمر الورد 14 عاماً, عاملة في مشغل خياطة, وأكدت لـ”تشرين” أن أجمل الأوقات التي تقضيها خلال النهار, هي الفرصة التي تتناول فيها وجبتها مع والدتها المريضة, فتقول: تعد أمي وجبة بسيطة لكن مكوناتها تعج بالحب والحنان إلا أنني أشعر بأنها ألذ الوجبات على الإطلاق.
أما أبو عماد – رجل في 56 من العمر- فوضح أنه لا يستطيع تناول وجبة الغداء مع أفراد عائلته بسبب طبيعة عمله خارج المنزل طوال النهار, إلا أن يوم الجمعة هو يوم مميز له ولعائلته كونه يجتمع بهم على طاولة واحدة ويصف ذلك اليوم بأنه يوم كأنه العيد الذي ننتظره.
العمران: تنمي عند الطفل الانتماء للأسرة والالتزام بوقت الوجبة ويجعل الطفل مسؤولاً ويشعر أنه مثل الكبار
دور ربة المنزل
تلعب ربة المنزل دور الملك في تحريك بيادق أسرتها على رقعة منزلها لما لدورها من أهمية كبيرة جداً في تمكين وتعزيز تلك الروابط, فهي المسؤولة عن تحضير الطعام وجعل الطاولة مرحبة وجميلة، حسب ما أكده الخبير الاجتماعي د.سائد عجلوني اختصاصي في التربية والإرشاد الأسري في تصريحه لـ”تشرين” فهي تنقل رسالة إلى أفراد أسرتها بأنهم محببون ومهمون من خلال تقديم وجبة شهية ومتوازنة تغذيهم جسدياً وعاطفياً وسلوكياً, من جهة أخرى هي فرصة لأفراد العائلة لتقديم الإطراء والتقدير لربة المنزل لمجهودها ومهاراتها في إعداد الطعام, ولا سيما أن الإطراء يعمل على تعزز دور ربة المنزل كأم وزوجة ويعزز ارتباطها بأفراد الأسرة, وفق رأي عجلوني، فإن الإطراء في وجبة الغداء يعمل على تعزيز قيم التواصل العائلي واستقرار الأسرة وسعادتها, ويشدد هنا على استغلال هذه اللحظات الثمينة مع العائلة.
اكتساب المهارات عند الأطفال
من جهتها أكدت الاختصاصية النفسية نسرين العمران أن كثيراً من الأشخاص يجهلون أهمية اجتماع الأسرة على المائدة ولو مرة يومياً في أي وجبة, حيث ينعكس على التربية وتنمية مهارات الطفل واكتساب الخبرات والحب المتبادل واحترام الكبار, كما أن تبادل أطراف الحديث بين الأب والأم والأولاد في وقت معين, ينمي عند الطفل الانتماء للأسرة والالتزام بوقت الوجبة ويجعل الطفل مسؤولاً ويشعر أنه مثل الكبار, وهذا في حد ذاته تربية سليمة وفق رأيها وبالتالي يلتزم الأطفال بآداب الجلوس وهنا تكون الفرصة عظيمة في جعله يكتسب المهارات والسلوك الصحيح بطريقة عفوية, أضف إلى ذلك أنهم يتعلمون عادات الغذاء الصحي وطريقة تناول الطعام فيقلدون الأهل.
من جهته شدد عجلوني أن عملية تبادل أطراف الحديث تنمي ثقة الطفل بنفسه من خلال طرحه أسئلته أو أفكاره أو مشاكله الصغيرة، وتقديم الأهل النصح والإرشاد له وبما يناسب عمره, والاستماع لحديث الأب والأم يحسن المهارات اللغوية ويتعلم كلمات جديدة فيزيد رصيده اللغوي وخاصة إذا كان هناك أفراد جدد تم استضافتهم على المائدة.
ويشدد هنا على ضرورة الاستماع للطفل، فتعبير الطفل عن رأيه يجعله يشعر أنه ذو أهمية ما يعزز ثقته بنفسه ويجعله غير عنيد أو عدواني لأنه غير مهمل.
صلة الرحم
ذلك الوقت المخصص الذي نقضيه مع العائلة له مفعول سحري رائع حسب وصف صمادي، فمن خلاله تنصهر أي مشاحنات مترسبة بين الزوجين أو الأولاد خلال اليوم.
دائماً ما نرى أن الوالدين وخاصة الأب هو قدوة وقبلة الطفل إذا تحدث الأب عن ضرورة زيارة الأقارب وفوائد صلة الرحم، وخاصة الجد والجدة، كما يمكن أن يدرك الطفل من خلال موقف ما ضرورة حفظ النعمة وعدم رميها بالقمامة.