المسلسلات المعرّبة بين الإدمان والتأثير الثقافي!

تشرين- حنان علي:

ما انفكت طبيعة الجمهور العربي مولعة بحكايات وتفاصيل تتلمس قضاياه بأوجاعها وأفراحها، بعيداً عن الفلسفة والمبالغات، أما الدفء الذي تقدمه الدراما العائلية، فيبقى عنصراً آسراً متوقد الحضور عبر مسلسلات درامية سورية وعربية، لطالما تميزت بجمع أفراد العائلة حول الشاشة صغيرهم جوار الكبير، مكرّسة القيم الاجتماعية والإنسانية، ومعزّزة التواصل الأسري باذخة بما تكتنزه من أحداث وترفيه..

أما إعادة إنتاج المسلسلات التركية بنسخة عربية، فقد أمسىت ظاهرة شائعة في عالم صناعة الدراما إبان السنوات الأخيرة، مثيرةً للتساؤلات حول مدى قدرة النسخة المقتبسة على نقل بيئة وثقافة وقيم اجتماعية متمايزة ومغايرة!

وما فتئ تحويل المسلسلات إلى لغات أخرى مسانداً للتبادل الثقافي، يعرّف الجماهير بعادات وتقاليد جديدة، كما يساعد في مدّ قاعدة المشاهدين وزيادة الإيرادات لشركات الإنتاج التلفزيوني، حتى إن بعض الإنتاجات الدرامية العربية التي جمعت نجوم التمثيل من سورية ولبنان، حققت نجاحاً فاق النسخ الأصلية، أبرزها «عروس بيروت» المقتبس عن «عروس إسطنبول»، «ع الحلوة والمرة» المقتبس عن «في السراء والضراء»، و«ستيليتو» المقتبس عن «جرائم صغيرة»، «الثمن» عن «ويبقى الحب»، «كريستال» عن «حرب الورود» وآخرها مسلسل الخائن.

سطحية

تقدم قصص الحب والعلاقات المتشعبة في المسلسلات المقتبسة عن المسلسلات التركية موضوعات أقل تعقيداً، لا ننكر أهميتها في تقديم التسلية للجمهور، أو ترك رسالة بسيطة من دون الحاجة إلى التعمق في الموضوعات الأكثر إشكالاً. ومع ذلك علينا ملاحظة أن موضوعات مماثلة ما لبثت مصدراً للتشتيت عن المشكلات الحقيقية وبعيدة كل البعد عما تخالجه المواجع البشرية في ظل الأزمات اليوم.. فكان الهروب إلى الأعمال التركية المعربة، وما تحمله من جاذبية وعناصر جمالية، سبباً لا يستهان به لتقليل قدرة المتابعين الشباب أو المراهقين على التفكير العميق والتحليل النقدي، إضافة إلى الأثر الذي تتركه في قيمهم ومعتقداتهم من ناحية انفعالهم مع السلوكيات السلبية والقيم الضحلة، علاوة على ذلك، قد تساهم المشاهدة المستمرة في تقليل اهتمامهم بالقضايا الاجتماعية المهمة، وتالياً، تقليص مشاركتهم في الحوارات الهادفة والمساهمة في حل المشكلات.

تحدّيات

تفاوتت وجهات نظر المتابعين بين تمكن الدراما المعربة من صرف اهتمام المشاهدين عن الدراما المحلية، أو تأثيرها في الإيرادات أو المحتوى، وما يرافقه من تغيير للأفكار والمفاهيم، أو في تحريضها المنتجين على تحسين جودة الدراما المحلية وتقديم محتوى منافس متميز..

يرى العديد من النقاد أن التنوع في الدراما يساهم في تطويرها، ويحفز الكتّاب العرب على تقديم أفكار جديدة ومختلفة، بينما يعتقد البعض أن تعريب الدراما يؤثر في الإبداع ويقيّد المبدعين، أما أبرز المشكلات فهي انفصال تلك الأعمال عن الواقع المحلي وفق تعبير آخرين.

كما أنه ليس من اليسير تحويل مسلسل إلى لغة أخرى من غير تحديات يواجهها المترجمون وكتّاب السيناريو والمخرجون لتقديم ترجمة دقيقة وملائمة للحوارات والنصوص الأصلية، ما يتطلب فهماً عميقاً للغتين والثقافتين، والتأكد من أن القصة والسياق يناسبان الجمهور الجديد، ذلك جنباً إلى جنب مع الحفاظ على جوهر الثقافة الأصلية في العمل المعدّل، حيث يمكن الاستمتاع بتجربة فريدة وأصيلة.. أما الفروقات المتعلقة بالبيئة والملابس والديكور، فتتطلب جهداً جلياً لإعداد بيئة جديدة تناسب اللغة والثقافة المستهدفة.. كما يجب التأكد من أن النسخة المعدّلة تحترم، وتعكس القيم والمعتقدات الأخلاقية للجمهور الجديد، أو الحرص على تكييف الحبكة والشخصيات بما يتناسب معه.

جمهور

قد يفتتن المشاهدون بالتنوع الواسع في القصص والمضامين المكرسة بالنسخ العربية، أو ما يقدمه صنّاع العمل من تطوير للسيناريوهات بدلًا من الاعتماد الكلي على المقتبسات.. بينما تؤدي التوقعات المحددة عن المسلسل الأصلي، وما يرافقها من تغيير العناصر الرئيسة مثل الشخصيات أو القصة إلى عدم رضا الجمهور، أو رفضه للعناصر الحساسة ثقافياً كتمثيل بعض المشاهد الجريئة التي لا تتناسب مع المجتمعات العربية المحافظة..

 

.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
ناقش مذكرة تتضمن توجهات السياسة الاقتصادية للمرحلة المقبلة.. مجلس الوزراء يوافق على إحداث شعبة الانضباط المدرسي ضمن المعاهد الرياضية "ملزمة التعيين" وزارة الدفاع: قواتنا المسلحة تستهدف آليات وعربات للإرهابيين وتدمرها وتقضي على من فيها باتجاه ريف إدلب الجنوبي مشاركة سورية في البطولة العالمية للمناظرات المدرسية بصربيا القاضي مراد: إعادة الانتخابات في عدد من المراكز في درعا وحماة واللاذقية «لوجود مخالفات» غموض مشبوه يشحن الأميركيين بمزيد من الغضب والتشكيك والاتهامات.. هل بات ترامب أقرب إلى البيت الأبيض أم إن الأيام المقبلة سيكون لها قول آخر؟ حملة تموينية لضبط إنتاج الخبز في الحسكة.. المؤسسات المعنية في الحسكة تنتفض بوجه الأفران العامة والخاصة منحة جيولوجية ومسار تصاعدي.. بوادر لانتقال صناعة الأحجار الكريمة من شرق آسيا إلى دول الخليج «الصحة» تطلق الأحد القادم حملة متابعة الأطفال المتسرّبين وتعزيز اللقاح الروتيني دمّر الأجور تماماً.. التضخم لص صامت يسلب عيش حياة كريمة لأولئك الذين لم تواكب رواتبهم هذه الارتفاعات إرساء القواعد لنظام اقتصادي يهدف إلى تحقيق الحرية الاقتصادية.. أكاديمي يشجع على العودة نحو «اقتصاد السوق الاجتماعي» لتحقيق التوازن بين البعد الاجتماعي والاقتصادي