حينما يتحول الصمت إلى نوع من العقاب في تربية الطفل…. اختصاصية: ابتزاز عاطفي يؤدي إلى مشاكل نفسية عميقة
تشرين- بشرى سمير:
يقول الشّاعر نزار قباني فإذا وقفتُ أمام حسنك صامتاً فالصمتُ في حَرَم الجمال جمالُ، لكن ليس دائماً، ولا في كل الحالات يكون الصمت سلوكاً جيداً، فعندما يتحول الصمت إلى نوع من العقاب في العديد من العلاقات، بما في ذلك علاقات الأم أو الأب مع الأطفال، أو فيما بينهما في علاقتهما الحياتية، غالباً ما يلجأ الوالدان الأم والأب إلى معاقبة أطفالهم في حال ارتكابهم أيّ خطأ إلى الصمت من دون توضيح السبب أو التوبيخ أو تقديم النصيحة أو تجنب مواجهته أو أي شكل من أشكال النقاش معه، أو حتى إظهار عدم المبالاة بوجود الطفل، فضلاً عن التغاضي عن الأسئلة المطروحة من قِبله وتجاهلها تماماً مع الامتناع عن إظهار الحب أو المودة مع معاملة الطفل ببرود.
مخاطر:
وتوضح الاختصاصية النفسية منى عبد الحق إلى تصرف الأهل بهذه الطريقة، هو بمثابة ابتزاز عاطفي للطفل المُمارَس ضده العقاب بالصمت، وهو عادة ما يكون وسيلة يستخدمها الشخص للسيطرة على الآخر والتلاعب به والتحكُّم فيه، لافتةً إلى أنّ هذا الأسلوب له مخاطر كبيرة إذا اُستخدم في تربية الأطفال، إذ قد يؤدي إلى مشاكل نفسية عميقة عند الطفل، لأنه لا يعرف تحديداً لماذا يتم عقابه وحرمانه وإنكار وجوده، وبالتالي قد يُصاب بأزمات في تقدير قيمته الذاتية ورؤيته لنفسه، وحتى تقديره لمقاييس الخطأ والصواب ويُعد العقاب الصامت شكلاً خبيثاً من أشكال الإساءة والابتزاز، لأنه قد يجبر الضحية أو الطفل على التصالح مع الجاني أو الأهل رغماً عنه، في محاولة لإنهاء السلوك المؤذي نفسياً، حتى لو لم يكن الطفل يعرف سبب اعتذاره من الأساس، منوّهة أنّه هناك العديد من الأسباب التي تجعل الآباء يستخدمون العلاج الصامت لأطفالهم، لكن في الغالب هو تعليم أطفالهم درساً، من دون إظهار أي عدوان جسدي أو صراخ ولتوضيح هذه النقطة، أو من تعليم الطفل الحفاظ على الحدود واحترامها، أو تعليمه احترام مايقوله الوالدان وتنفيذ أوامرهم.
سلوك غير صحي:
وتشير عبد الحق إلى أنّ العقاب بالصمت، أو رفض الدخول في محادثة مع شخص آخر، هو تكتيك معنوي لفرض السيطرة في العلاقة، وهو سلوك غير صحي بأشكاله كلها، وهناك فارق كبير بين النبذ والصمت كعقاب، وبين رغبة الشخص في الالتزام بالصمت وقضاء بعض الوقت للتفكير في الأمور لمعالجة المشكلات، ومن ثم التواصل لاحقاُ بعد أن يهدأ الجميع ويتخذ القرار المناسب.
وسيلة للدفاع:
وتبيّن عبد الحق أن هناك أوقاتاً في العلاقات بين الناضجين يكون فيها الصمت حتمياً وصحياً، بل وحتى مُنتجاً على سبيل المثال: التفكير في موضوع أو قضية كبيرة تحتاج إلى وقت لاتخاذ القرار هناك يمكن أن يلجأ الطرفان إلى الصمت من أجل التفكير ومحاكمة الأمور ، وفي بعض الحالات التي يكون فيها قد احتدم النقاش بين طرفين فيلجأ الشخص الذي يتعرض لأي نوع من أنواع الإساءة إلى الصمت كطريقة منه للدفاع عن نفسه، وذلك لمنع الموقف المؤذي من التفاقُم.
في هذه المواقف يعرف الضحية أن قول أي شيء -حتى إن كان ما يرغب فيه الطرف الآخر- لن يؤدي إلا إلى تصعيد الموقف.
وتبيّن عبد الحق أن هناك حالات يلجأ الطفل نفسه إلى إستخدام الصمت، وعدم التواصل مع أهله كدرعاً واقياً لأنه لا يعرف كيف يعبر عن مشاعره، ولكنه بهذه الطريقة يعبر في الوقت ذاته عن ضيقه وغضبه.
آثار سلبية:
فيما ترى الباحثة الاجتماعية في شؤون الأسرة الدكتورة سوسن السهلي أنّ اتباع الصمت العقابي في حل المشكلات له أثار سلبية على الطفل وعلى الأسرة عموماً، حيث يتعلم الأطفال من والديهم ومن تصرفاتهم، فلذا اختيار الأهل لأسلوب الصمت وعدم المواجهة سيعلم الأطفال عدم المواجهة في المستقبل، والهروب بالصمت، وسيستخدمون التكتيك نفسه، وهو أمر سلبي جداً لنموهم،
وفي حال إصرار أحد الطرفين سواء الأم او الأب على اتباع الصمت العقابي، فيجب على الطرف الثاني التواصل مع الطفل لكونه هو أفضل طريقة لحل أي مشكلة بين الطرفين، ويجب إخبار الطفل بالخطأ الذي ارتكبه بدلاً من الابتعاد عنه والتزام الصمت، ومساعدته على التعلم منه فالمعاملة الصامتة ستؤذيه، بدلاً من جعله يدرك ذلك.