نصوص العروض الأولى كانت لأجانب البحث عن كتّاب المسرح الخشبة المقبلة على الخواء من النص المحلي!!

تشرين- علي الرّاعي:

رغم التقهقر والتجاهل الذي يلحق بالنص، ولاسيما في الأعمال التي تقوم على جهد الفريق؛ غير أنه – النص- يبقى حجر الأساس الذي ينطلق منه ذلك الإبداع الجماعي، ويكون من ثمّ الإشارة الأولى لنجاح العمل أو فشله، لكن ورغم الأهمية في تلك الدعامة الأولى غير أنّ ثمة مشكلة كانت تنتابها على مر الحالات الإبداعية، سواء في الأغنية، أو في الفيلم السينمائي، أو العرض المسرحي؛ حيث دائماً كان “النص” من الندرة في مكان.. وإن اختلفت تلك الندرة بين إبداعٍ وآخر، ولعلّ أكثر ما يتضح ذلك الالتباس في النص المسرحي..
بدأ ذلك منذ أول مظاهر الشغل المسرحي في سورية، عندما استعان مؤسس المسرح أبو خليل القباني بنص الفرنسي موليير ليكون أول العروض المسرحية على أول خشبة عربية، وكانت في دمشق..

خواء في زحمة الخشبة
اليوم ثمة من يرى أن المشهد المسرحي السوري؛ يبدو خاوياً من كتّاب نصوص على شاكلة سعد الله ونوس، أو ممدوح عدون، وعبد الفتاح قلعجي، ووليد إخلاصي، وغيرهم ممن شغل المسرح في سبعينات وستينات القرن الماضي، فما الذي حدث؟!
إشكالية الكاتب المسرحي المحلي والنص المسرحي المحلي؛ تبدو واحدة من إشكاليات عدة تحدّث عنها المسرحيون، وشغلت بال المهتمين بالشأن المسرحي ليس في هذه المرحلة من عمر المسرح السوري فحسب؛ بل وفي مراحل سابقة، مع وجود تمايز واضح في طريقة التناول والمعالجة، ففي مراحل سابقة – يقول الكاتب والناقد المسرحي جوان جان- برز سؤال عن هوية النص المسرحي السوري، وما هو النص المسرحي السوري، هل هو النص الذي كتبه كاتب يحمل الجنسية السورية فحسب؟ أم هو بالدرجة الأولى النص الذي يناقش قضايا ملحّة وراهنة تمسّ حياة الإنسان السوري لا في واقعه فقط، بل وفي ماضيه ومستقبله؟.. ويضيف رئيس تحرير مجلة الحياة المسرحية: من هنا ظهرت في مراحل سابقة نصوص محلية نهلت مادتها من التراث الشعبي السوري والعربي، وتم إسقاط أحداثها وحكاياتها على صعيد المضمون على الواقع السوري سياسياً واجتماعياً ما أعطى انطباعاً لفترة من الفترات أن الكاتب المسرحي السوري يهرب من الحاضر باتجاه الماضي ليعيد إنتاجه من جديد ضمن رؤى فكرية وجمالية متجددة، وهذا الكلام ليس بعيداً عن الواقع، بل يمكن القول إنه يدخل في صميمه، لكن ليس من باب الهروب كما ادّعى البعض، ولكن من باب القدرة على صياغة الموروث الشعبي صياغة معاصرة تحافظ من جهة على جمالية الحكاية الشعبية وألقها، ومن جهة أخرى تتوجه إلى متلقٍّ معاصر أصبح يدرك أن تقديم الحكاية ليس هدفاً بحدِّ ذاته؛ بل هو وسيلة لبلوغ هدف آخر، ولا شك أن الكثيرين من كتّابنا المسرحيين المخضرمين بنوا أمجادهم من خلال اتباع هذا الأسلوب الذي أبدعوا فيه وقدموا لنا بفضله مجموعة من أهم أعمال المسرح السوري التي ما زالت تُقدَّم حتى الآن على مسارحنا ومن قِبل فرقنا المسرحية.

البحث عن الكاتب
واليوم يتحدث كثيرون عن غياب الكاتب المسرحي السوري والنص المسرحي السوري، فإذا صحّ هذا القول كلياً أو جزئياً فلأسباب يمكن إعادتها إلى أن الفترة التي تألق فيها النص المسرحي السوري قبل أكثر من ثلاثين عاماً مختلفة بمعطياتها عن معطيات اليوم، حيث كان المسرح هو سيّد الساحة الثقافية في سورية والوطن العربي- يرى جوان- وكان صدور نص مسرحي يُشكل حدثاً ثقافياً وفكرياً يتم تناوله نقدياً وإعلامياً على نطاقٍ واسع لا لأن الساحة كانت فقيرة بالحراك الثقافي والفني والإعلامي المتعدد؛ بل لأن هذه النصوص كانت لصيقة بالإنسان وبذائقته الفنية ورؤاه الفكرية وتطلعاته الحياتية..
وبكلِّ الأحوال نستطيع القول إن هناك تجارب كتابية مهمة ولكنها محدودة العدد طالعتنا في السنوات العشرين الأخيرة شكّلت تيارات جديدة في خارطة النص المسرحي السوري، والقسم الأكبر من هذه التجارب ضلّ طريقه إلى خشبات المسارح، لأنه غرق في ذاتيته بحيث لا يصلح للعرض ولا حتى للنشر، وأما ما وجد طريقه إلى خشبات المسارح؛ فقد تميز بقدرة ملحوظة على التكيّف مع التيارات السائدة اليوم على صعيد الإخراج المسرحي الذي تغيرت طبيعته عما سلف، ومن ثمّ تغيرت متطلباته وخياراته .
ظاهرة الاقتباس المستمرة
وهنا لابأس من أن نشير إلى ما توصل إليه المؤصلون للحركة المسرحية؛ فإنّ العرض الأول الذي قدمه أبو خليل القباني على أول خشبة عربية، كان مُقتبساً عن مسرحية “البخيل” لموليير، ومن حينها إلى اليوم، وحركة الاقتباس بقيت هي السائدة في العروض المسرحية السورية، ويرجع المخرج مأمون الخطيب؛ أمر اقتباس النصوص المسرحية الغربية، أولاً: لأنّ المسرح– كما هو الأوروبي المُتعارف عليه – فنٌّ مستورد من الثقافة الغربية، وبعدها من الثقافة الروسية (كمنهج أدائي)، ولم نستطع إيجاد نصوص حقيقية تُقارب الهم الاجتماعي السوري بشكله الحقيقي، إلا فيما ندر – سعد الله ونوس على سبيل المثال- إذن؛ هل ثمة ندرة في وفرة النصوص المحلية، أما أن السبب يكمن في مكانٍ آخر، قد لا يكون إبداعياً؟ يُجيب المخرج الخطيب: نعم يوجد ندرة في وفرة النصوص المسرحية المحلية والعربية، وفي توافر الخيارات، ويرى السبب فيمن يُفترض عليه واجب الكتابة للمسرح، والذين يتجهون للكتابة في فنون أخرى، بسبب الحاجة المادية، نعم يوجد كتّاب مسرحيين في سورية؛ لكنني أراهم “كُسالى” والأمثلة كثيرة.
من جهته يذكر الفنان غسان مسعود: “لا أؤمن أن المسرح السوري عاش فترة ازدهار، هناك رجال كبار في المسرح: سعد الله ونوس، فواز الساجر.. وثمة انقلابات مسرحية مرافقة لتغيرات اجتماعية سياسية، نحن أبعدنا الجمهور البرجوازي عن المسرح، ولم نستطع الحصول على الجمهور البديل من العمال والفلاحين.”
وإذا طُرِح اليوم سؤال عن سبب عدم ظهور جيل جديد من الكتّاب المسرحيين السوريين يكملون مسيرة الجيل السابق؟ نقول: إنه لا يمكن الحكم على تجربة ما سواء كانت منفردة أو في إطار الجماعة قبل اكتمالها زمنياً ومعرفياً- يختم جوان- فإذا كنا نطلق اليوم حكماً على تجارب أجيال سابقة على صعيد الكتابة المسرحية؛ فلأن هذه التجارب اكتملت ووصلت ذروتها، فكان لها ما لها وعليها ما عليها، بينما لم تكتمل بعد تجربة الجيل الحالي من الكتّاب المسرحيين – في حال وجودها- وما علينا إلا الانتظار حتى تنقضي مرحلة الجيل الحالي من الكتّاب لنكون مؤهلين لتقييمها ومقارنتها بتجارب الأسبقين.
مواسم مُريبة
لابد للمتابع للمشهد المسرحي في سورية، وفي العشرات من مواسم عروضه؛ أن تلفت انتباهه أكثر من محنة تنتاب هذا المشهد، ليس أولها ندرة النص المحلي، وليس آخرها هجرة الممثلين الخشبة المسرحية صوب الدراما التلفزيونية.

وفي مشهد أبو الفنون اليوم؛ سنقف قليلاً عند محنة النص المسرحي المحلي، فمن تابع المواسم المسرحية الماضية؛ لابدّ أنه أنبته لأمرين: إما كانت النصوص مترجمة، أي لكتّاب أجانب، مرةً يتم لي عنقها لتناسب واقعنا المحلي، ومن ثم إيجاد بعض من تبرير لتجسيدها على خشبة المسرح السوري، أو ما يُعرف ب”تبييئ” النص الأجنبي وجعله يدخل في مناخات محلية، أو ترك النص كما في حالته الغربية، وبذلك يكون كل هذا الحجم من التغريب والعلاقة الباردة بين المتلقي والعرض المسرحي.. نذكر منها: العرض المسرحي “براسكوفيا حرة” إخراج فؤاد حسن، عن نص ل “أثول فوغارد”، الذي عُرض على خشبة مسرح الحمراء بدمشق. ويحكي عن جندي هارب من الحرب، ويعيش في زريبة خنازير لمدة طويلة، والخوف الذي يُبقيه فيها حتى النهاية، وليس آخرها كان العرض المسرحي الذي أخرجه أيمن زيدان على خشبة مسرح الحمراء بدمشق (سوبر ماركت)، مجدداً وبأكثر من موسم عروض عن نص ل”داريو فو” اظنها لثلاث مرات، ومرة رابعة من فرقة أردنية زائرة على مسرح الحمراء في دمشق.. فإذا كانت النصوص الأجنبية؛ قُريبة من واقع مجتمعاتها؛ غير أنها ليست بالضرورة أن تكون قريبة من حساسية مجتمعاتنا، رغم كل الإدعاء بالطرح الإنساني العام الذي في تفاصيل مقولات تلك النصوص، والذي يأتي كتبرير لاستيرادها.. وتكون الكارثة التغريبية عندما لا يفهم صُناع هكذا عمل مسرحي هدف ومقولات وأفكار تلك النصوص.. والأمر الثاني: أن يقوم المخرج نفسه بكتابة نصه المسرحي، الذي سيجسده على الخشبة، فقد غلبت على النصوص أيضاً حالة “المخرج – المؤلف”، مع ما يتبع ذلك من أحادية الرؤية في عمل إبداعي يقوم على جهد فريق، وليس على جهد شخصي.
من هنا يحق لنا، أن نتساءل: هل حقاً ما تؤكده ميسون علي الأستاذة في معهد الفنون المسرحية؛ هو الحقيقة المؤلمة اليوم في المسرح السوري، عندما تقول: لا يوجد اليوم كتّاب مسرحيون بالمعنى الأدبي للكلمة، عندما نتكلم عن المسرح السوري، كما كان خلال جيل الستينيات والسبعينيات أمثال: مصطفى الحلاّج، وليد إخلاصي، سعد الله ونوس، ممدوح عدوان، وغيرهم.. وهي تصف الجيل الجديد بالتبعثر والتشتت، أما المخرج مأمون الخطيب، فهو يرى مثل هؤلاء الكتّاب؛ لكنهم “كسالى” وأغلبهم يتجه للكتابة في فنون أخرى..

*استعان مؤسس المسرح أبو خليل القباني بنص الفرنسي موليير ليكون أول العروض المسرحية على أول خشبة عربية، وكانت في دمشق..

*الناقد المسرحي جوان جان: برز سؤال عن هوية النص المسرحي السوري، وما هو النص المسرحي السوري، هل هو النص الذي كتبه كاتب يحمل الجنسية السورية فحسب؟!
*المخرج مأمون الخطيب: أمر اقتباس النصوص المسرحية الغربية، أولاً: لأنّ المسرح فنٌّ مستورد من الثقافة الغربية، وبعدها من الثقافة الروسية (كمنهج أدائي)، ولم نستطع إيجاد نصوص حقيقية تُقارب الهم الاجتماعي السوري في شكله الحقيقي.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
إصابة مدنيين اثنين جراء عدوان إسرائيلي استهدف منطقة القصير بريف حمص (وثيقة وطن) تكرم الفائزين بجوائز مسابقة "هذه حكايتي" لعام 2024..  د. شعبان: هدفنا الوصول لحكايا الناس وأرشفة القصص بذاكرة تحمل وطناً بأكمله معلا يتفقد أعمال تنفيذ ملعب البانوراما في درعا ويقترح تأجيل الافتتاح بسبب تأثر المواد اللاصقة بالأمطار الوزير الخطيب: القانون رقم 30 يهدف إلى حماية بنية الاتصالات من التعديات الوزير صباغ: إمعان الاحتلال في جرائمه ضد الشعب الفلسطيني يعبر عن سياسات إرهابية متجذرة لديه سورية تترأس اجتماع الدورة السادسة للمجلس العربي للسكان والتنمية في القاهرة الجلالي يبحث مع أعضاء المجلس الأعلى للرقابة المالية صعوبات العمل ووضع حد لأي تجاوزات قد تحدث طلاب المعهد الصناعي الأول بدمشق يركّبون منظومة الطاقة الشمسية لمديرية التعليم المهني والتقني أجواء الحسكة.. عجاج فأمطار الأضرار طفيفة والمؤسسات الصحية بجهوزية تامة لمعالجة تداعيات العجاج انطلاق فعاليات أيام الثقافة السورية في حلب بمعرض للكتاب يضم ألف عنوان