الفانوس السحري.. تغيرات خطرة في حياة الأسرة السورية بعيداً عن رصد الجهات المعنية

تشرين – إلهام عثمان:

تأثرت القرارات المستقبلية للشباب السوري بالأزمات الاقتصادية والمعيشية، ولا سيما باتخاذ القرارات المتعلقة بمستقبلهم واختياراتهم في الزواج، ما أدى إلى تأخر البعض وعزوف البعض الآخر عن تلك الخطوة المهمة والطبيعية في حياة كل منا، لنجد أنه أضحى أمراً شائعاً وغير مستغرب، نظراً للظروف الصعبة الخانقة التي تعيشها البلاد، والتي وضعتهم أمام خيارات عدة ليست بالأمثل، ولكنها ربما الحل المتاح لأحلامهم المؤجلة وأحياناً المسلوبة، وكحل إسعافي بات السفر قبلة وحلم الشباب لبعضهم إن لم نقل لمعظمهم، ليجدوا به الخيار الأنسب لتحقيق الطموحات الوردية فأصبحوا يرون السفر هو الفانوس السحري لحل جميع مشاكلهم، و لا سيما أنّ تأخر الشباب بالزواج مرتبط كل الارتباط في الوضع المادي الصعب.

لقمشها: نقدم الدعم النفسي والاجتماعي والطبي من خلال عياداتنا ومركز الدعم والخطط تتغير تبعاً للظروف

الرجل في مجتمعنا الشرقي لا يعيبه شيء، حسب رأي أم هشام والتي بيّنت أن هشام هاجر منذ عامين ليؤمن مستقبله الذي كان يقبع في الظل، وليجد فرصته في إثبات وتحقيق ما لم يستطع تحقيقه في وطنه بسبب الحرب على سورية، أما فكرة الزواج فهي من الأمور اللاحقة”، فإن كان وضعه المادي جيد استطاع الزواج متى شاء..حسب رأيها، مشددة أن الرجل في مجتمعنا الشرقي مهما تقدم في السن ليس بعائق أمامه على عكس المرأة التي تتأثر تماماً.
من جهتها أوضحت م. ق لـ”تشرين” أنها تخرجت منذ 11 عاماً، ولم تحظ بفرصة مناسبة للزواج، وبنبرة مبحوحة يملأها الحزن تقول: لقد كان جيلنا ضحية الظروف الراهنة، فلم نطول “عنب الشام ولا بلح اليمن”، وتضيف: كانت أمي تدعمنا وتؤكد لنا دائماً أن العلم سلاح للمرأة ولا بد لها أن تحمي نفسها خوفاً من غدر الزمن، وعندما تسلحنا بالعلم من أجل المستقبل فاتنا قطار الزواج، فنجد أن نسبة كبيرة من العوائل في مجتمعنا تختار الفتاة الأصغر سناً غير مباليين إن كانت متعلمة أم لا.. للأسف.
في حين أكد الشاب ياسين عموري العمر32 عاماً، صانع في سوق الحميدية، أنه لا يفكر بالزواج حالياً إلى ما شاء الله، موضحاً سبب تأجيل الفكرة بأنه يعيش في منزل جدته مع أخويه بعد وفاة أهله، وهو السند والمسؤول الوحيد في إعالة ما تبقى من عائلته، لذا فالزواج أخر اهتماماته حالياً، فهناك المهم وهناك الأهم حسب رأيه.

جمعية تنظيم الاسرة : نعمل على وضع برامج توعوية حول الآثار السلبية للتأخر في الزواج خصوصاً الأنثى من الناحية الطبية والبيولوجية

هذا التأخير في الزواج لدى كثير من الشباب السوري وهذا غيض من فيض أدى إلى زيادة نسبة العنوسة في مجتمعنا، لنجد أن فرصة الزواج أصبحت تقل يوماً بعد يوم عند الشباب والشابات” وأضحى شبح العنوسة يخيم على معظم أفراده من كلا الطرفين، فنجد أن نسبة الشابات التي أصبحت أعمارهن مناسبة للزواج فاق بكثير عدد الشباب الذين منهم من توفى بسبب الحرب ومنهم من هاجر ومنهم من أجّل فكرة الارتباط حتى يتحسن وضعه المادي “إن تحسن”، وهذا “ما زاد الطينة بِلة”.. وهنا تطفو المشكلة، فأصبح بعض من الفتيات ترضى بالظروف الحالية للشباب، وإن لم تكن كما كانت تتوقع وتتمنى، إلا أن خوفها من الوحدة في المستقبل جعلها ترضى مرغمة، في حين ترى أخريات أن الزواج يجب أن يكون مبني على اختيار وأسس صحيحة، لذا لابد من انتظار الشخص المناسب وإن لمن يأتي فهي لن تتخلى عن حلمها بالارتباط بالرجل المناسب، وأخريات لم تحظى أبداً بأي فرصة للزواج.

يعاركون طواحين الهواء
وفي ظل هذه الظروف المعقدة لابد من الاهتمام والعمل على إيجاد حلول سريعة وفعالة من قِبل المجتمع والمؤسسات المعنية، حسب رأي الخبير الاجتماعي ملهم عيسى، والذي أكد من خلال حديثه لـ”تشرين” أن الشباب “يعاركون طواحين الهواء” من حيث تأمين لقمة العيش والبحث عن الاستقرار وإيجاد فرص عمل تناسب متطلبات الحياة، لذا يجب تقديم تسهيلات للشباب المقدمين على الارتباط، ولفت أنه بقاء الوضع على حاله سيؤدي إلى حالة مأساوية، ولابد من حلول إسعافيه من قبل المعنيين والمجتمع ككل، وتشجيع الشباب السوري على الزواج وبناء علاقات زوجية صحيحة ومستقرة، بدلاً من الحلول المؤقتة وغير الشرعية التي قد يلجأ إليها بعضهم والتي تؤدي إلى هدم القيم في المجتمع.
من جهتها أوضحت ربا لقمشها مشرفة مراكز دعم وتمكين المرأة في جمعية تنظيم الاسرة السورية لـ”تشرين”، أنه لابد من تعاون الجهات الرسمية والأهلية كلها من وزارات ومصارف، لتيسير الظروف المساعدة على الزواج من خلال تقديم القروض المساعدة (قرض الزواج)، وتوفير كم مناسب من فرص العمل لاستيعاب أكبر عدد، وهنا دور أصحاب الفعاليات والمشاريع الاقتصادية الذين يمكنهم الإسهام في ذلك.

التصدي للعنوسة:
وفي إطار العمل على التصدي لظاهرة العنوسة وتشجيع الجنسين على الارتباط الزوجي، لفتت لقمشها إلى أنه يمكن العمل على وضع خطط تتضمن برامج توعوية حول الآثار السلبية للتأخر في الزواج على الجنسين وخصوصاً الأنثى من الناحية الطبية والبيولوجية من جهة، والآثار الإيجابية للارتباط الزوجي على الذات والأسرة والمجتمع من جهة أخرى.
كما نوهت إلى وجود خطط تتناول الأسرة أفرادها كافة، قالت: نحن في جمعيتنا نقدّم الدعم “النفسي والاجتماعي والطبي”، من خلال عياداتنا ومركز الدعم وهذه الخطط تتغير تبعاً للظروف المحيطة.

عيسى: الشّباب “يعاركون طواحين الهواء” في تأمين لقمة العيش والبحث عن الاستقرار وإيجاد الفرص

أما بالنسبة للروابط الأسرية فجمعيتنا تقدم جلسات توعية فردية وجماعية وأنشطة تفاعلية إضافة إلى مجموعات الدعم الأسري، والتي تهدف إلى تعزيز الروابط الأسرية وتعزيز التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة.

لا إحصائيات رسمية:
مدير الإحصاءات السكانية والاجتماعية في المكتب المركزي للإحصاء شادي مهنا أكد لـ”تشرين “، عدم وجود مسوح خاص بظاهرة زيادة العنوسة في المجتمع السوري، ويعود ذلك حسب قوله لحساسية ودقة الموضوع، وأنه ربما لاحقاً قد يتم إجراؤها.
كما توجهت تشرين إلى كل من الهيئة السورية للأسرة والسكان ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، لنتفاجأ بعدم وجود دراسات أو إحصائيات حول الأسرة السورية ومن ضمنها الانزياحات في سن الزواج، والتغيرات في تركيبة الأسرة السورية من حيث متوسط عددها، أو عمل المرأة، ونسب الطلاق وتغيرها خلال العقد الماضي..!

التصدي للطلاق:
أما عن الجهود المبذولة للتصدي لزيادة معدلات الطلاق في المجتمع السوري, فقد أكدت لقمشها أنه من خلال مراكز جمعية تنظيم الأسرة، نحاول نشر التوعية للآثار السلبية للطلاق على الأسرة، ونشرح أساليب تعزيز أواصل التفاهم في العلاقات الزوجية، من خلال فهم كل من الزوجين قداسة الرابطة الزوجية ووعي كل منهما لدوره الاجتماعي ومتطلبات هذا الدور.

دراسات:
وزارة الشؤون الاجتماعية والهيئة السورية لشؤون الأسرة بعد الحرب، تقوم برصد التغييرات حسب ما أكدته لقمشها من خلال دراسات وبحوث خاصة، ترصد فقط التغييرات التي طرأت وتطرأ على الأسرة السورية وهيكلتها في ظل الحرب وظروفها، ولكن تشدد على أن مراكز الجمعية ترصد فقط التغييرات من الناحية “الاجتماعية والنفسية والطبية”، والتي تشمل جوانب مثل عدد الأفراد، النزوح، الطلاق، تعدد الزوجات، وقلما نتناول في الدراسات الجوانب المادية من دخل ونفقات.
باختصار: تأخر الشباب عن الزواج أو إقلاعهم عن الفكرة يؤدي إلى ارتفاع نسبة العنوسة في مجتمعنا،فهذه المشكلة هي مسؤولية المجتمع ككل، وهي تحدياً اجتماعياً يتطلب اهتماماً وحلولاً جذرية من المجتمع والجهات المعنية، فنحن بحاجة إلى جهود مشتركة من خلال توفير فرص عمل للشباب بمردود مادي يجاري الوضع المعيشي، لتخفيف من هجرتهم وخاصة هجرة العقول، وأن نعمل جنباً إلى جنب على تغيير هذا الواقع، وإيجاد بيئة داعمة للشباب للزواج وبناء حياة أسرية صحيحة وألا نختبئ خلف أصابعنا.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار