التسعير وفق العرض والطلب “لعبة” أتقنها التجار والسماسرة ودفع ثمنها المستهلك والمزارع والمربي!

تشرين- ثناء عليان- أيهم إبراهيم:

من باب الإنصاف والعدالة، لا يمكن تحميل وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك المسؤولية الكاملة لما يحدث في الأسواق، فتوفير السلع والمواد الغذائية وضبط أسعارها مرتبطان بعوامل اقتصادية عدّة، وتحتاج لبيئة عمل مستقرة، والأمر برمّته مرهون بتضافر وتعاون عدد كبير من الوزارات والمؤسسات الحكومية المختلفة، التي كان من المفترض مع بداية الأزمة الراهنة السعي والعمل لتشكيل هيئة حكومية خاصة بالتسعير يناط بها تسعير السلع والمواد الغذائية في الأسواق على أساس دراسة وحساب تكاليف الإنتاج، ومن ثم إضافة هوامش الربح المحدّدة للحلقات التجارية.
التأخر للأسف في اتباع هذا النهج نجم عنه “خضّات” سعرية مخيفة دفع ثمنها المواطن مالياً ومعنوياً، ولعل ما “زاد الطين بِلّة” استمرار تحكّم سياسة العرض والطلب في أسعار الكثير من السلع والمواد الغذائية في الأسواق كالخضار والفواكه والبيض والدجاج، التي كسرت ظهر المواطن والمزارع والمربي على حدّ سواء، وكانت “حصان طروادة” للتاجر والسمسار اللذين لا يعرفان سوى الربح والربح الفاحش !

التجارة الداخلية: قانون العرض والطلب معتمد في تسعير بعض السلع الغذائية

الغريب أن وزارة التجارة الداخلية، قامت مؤخراً بإصدار قرار، ألغت بموجبه نسبة 15% التي كان يسلّمها التجار والمستوردون للمؤسسة السورية للتجارة، والأهم الطلب من المعنيين في الوزارة دراسة الآثار الإيجابية والسلبية للقرار أثناء فترة التطبيق.
مؤشر يدلّ بالتأكيد على اهتمام الوزارة وجّديتها بدراسة القرارات وتأثيرها في واقع الأسعار في الأسواق.
وهنا نسأل: ألم يكن أحرى بالوزارة من باب أن تصل متأخراً خير من ألا تصل التوجيه لإعادة النظر بسياسة العرض والطلب وآثارها السلبية، ولاسيما أن هذه السياسة تتحمّل المسؤولية المباشرة للارتفاع المخيف في أسعار السلع والمواد الغذائية في الأسواق، ومنها على سبيل المثال البيض والفروج ..؟
العرض والطلب آليّة للتسعير
مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في طرطوس نديم علوش، أكد لـ “تشرين” خضوع بعض المنتجات والسلع الغذائية في الأسواق في آلية تسعيرها لقانون العرض والطلب، ومنها الخضار والفواكه والبيض والفروج، حيث يتم اعتماد الأسعار بعد إضافة هوامش الأرباح النظامية لكافة حلقات الوساطة التجارية بعد المنتج .
فتح باب المنافسة
فيما يخص قانون العرض والطلب يرى الدكتور ذو الفقار عبود، المحاضر في كلية الاقتصاد بجامعة تشرين، أن السعر التوازني في السوق يجب أن يترك لمعادلة العرض والطلب، بشرط توفير المواد من قبل الحكومة وعدم تحديد عدد المستوردين، وترك باب المنافسة مفتوحاً للجميع.
وعن دور المرسوم رقم 8 الخاص بحماية المستهلك وضبط الأسواق، في ظل الخلل الحاصل في آليات التسعير وقانون العرض و الطلب تساءل عبود: كيف لمراقب تموين يتقاضى أجراً لا يكفيه ثلاثة أيام أن يتغاضى عن مخالفات قد تصل لعشرات ملايين الليرات؟ وما الذي يضمن عدم حصوله على رشوة من التاجر المخالف؟ كما أن ترك قرار سجن التاجر المخالف صاحب الفعالية الاقتصادية بيد وبقلم مراقب حماية المستهلك، هو ضرب من اللامعقول، والأفضل أن يكون مع دورية التموين مندوب من غرف التجارة والصناعة، وهذا بدوره سوف يشعّب من المسؤوليات.
منفصلة عن الواقع
التسعير للسلع محاولة لفرض سعر توازني أعلى للسلع الأساسية -بحسب عبود-، لكن على أرض الواقع نرى أن هذه المحاولات على الأغلب تأتي منفصلة عن الواقع، لأن أي تسعير إداري لأي سلعة لا تملكها الحكومة أو لا تسيطر على إنتاجها أو على موادها الأولية ومدخلاتها الإنتاجية، سيكون مربكاً للسوق ولمنتجيها ومسوّقيها وموزّعيها، وخاصة في ظروف عدم اليقين، وعلى الأخص في ظروف التضخّم الجامح، الحاصل حالياً والتذبذب في أسعار الصرف، كما هو الأمر حالياً على أرض الواقع.
تكاليف مستورة
وأضاف عبود: ما تقرره الجهات الحكومية اليوم من أسعار قد لا يكون متناسباً مع تكاليف الإنتاج، ولاسيما أن هناك تكاليف غير مفصح عنها أو تكاليف مستورة، لم تلحظها لجان التسعير، وخاصة التكاليف الإضافية، بسبب نقص حوامل الطاقة، وبالتالي تأمينها من السوق الموازي بأسعار مرتفعة، وهذا ما يزيد تكاليف الإنتاج بنسبة قد تصل إلى 30%، كما أن تكاليف ما تم تسعيره من سلع اليوم قد لا تكون هي نفسها غداً أو بعد غد أو بعد أسبوع، ولا يمكن للجان التسعير أن تعيد النظر بهذه الأسعار إلا بعد أسبوعين أو أكثر.

عبود: ترك السعر التوازني لمعادلة العرض والطلب ضروري لكن بشروط

تأرجح الظروف والمعطيات فوضى السوق وتحديد الأجور، وتفاوت القدرة على تأمين مستلزمات الإنتاج ووسائط الشحن وتذبذب كلف المصاريف الظاهر منها والمستتر –بحسب عبود- تؤدي إلى تذبذب العرض الذي يعني حتماً تذبذب التكلفة وتذبذب الأسعار، وبالتالي فإن العيب ليس في آلية التسعير ولا في معادلات احتساب التكلفة أو في وضع قوانين الأسعار الإدارية الرسمية، بل في تأرجح ظروف ومعطيات الواقع على الأرض داخلياً وخارجياً، ولاسيما في ظل بيئة سياسية واقتصادية إقليمية ودولية قاسية ومعقدة وحصار غربي واقتصادي وسياسي وظروف أمنية معقدة.

قبضة حديدية
ويضيف عبود : لماذا الإصرار على الأسلوب الخشن في تطبيق القانون؟ فاستخدام القبضة الحديدية لا ينقذ الاقتصاد ولا تطوره ولا يحسّن من معيشة المواطنين، والأسعار تنخفض عندما تصدر قرارات تشجّع على المنافسة وتشجّع على العمل والتداول، وتوسّع قاعدة المنتجين والمستوردين والتجار أفقياً.

نظريات تشكُّل السعر
فيما يخص تشكُّل السعر السائد للسلعة في السوق، أشار الدكتور رامي زيدان المحاضر في كلية الاقتصاد بجامعة الأندلس إلى ظهور نظريات اقتصادية عدة ضمن هذا الإطار، منها نظرية تكاليف الإنتاج، ونظرية المنفعة، ونظرية المنفعة الحدّية، ونظرية القيمة في العمل، بالإضافة إلى نظرية العرض والطلب، ونظريات أخرى متعددة،وجميع تلك النظريات لها دور بشكل أو بآخر في تشكُّل سعر السلعة في الظروف الطبيعية للاقتصاد، حيث لا يوجد دور مطلق لنظرية واحدة فقط من دون غيرها، إلا في حالات نادرة جداً كالأزمات الحادّة والحروب.

زيدان: لا دور مطلق لنظرية واحدة للتسعير إلا في حالات الحرب والأزمات الحاّدة

علاقة عكسية
وبالنسبة لنظرية العرض والطلب، تقوم الفكرة الأساسية لها –بحسب زيدان- على مبدأ مفاده: أنه عندما يكون الطلب على السلعة أكبر من عرضها، فإن ذلك يؤدي إلى ارتفاع السعر، والعكس صحيح، عندما يكون العرض أكبر من الطلب، فإن ذلك يؤدي إلى انخفاض السعر، إلا أن هذه النظرية تعرّضت إلى نقد جوهري، فالسعر يتأثّر بفعل العلاقة بين العرض والطلب في السوق، لذلك يمكن القول من جانبٍ آخر :إن العرض والطلب يتأثران حكماً بمستوى السعر السائد في السوق.
فمن الملاحظ عملياً أن ارتفاع سعر سلعة يؤدي إلى انخفاض الطلب عليها (بفرض ثبات العوامل الأخرى)، والعكس صحيح، انخفاض السعر يؤدي إلى ارتفاع الطلب مع ثبات العوامل الأخرى، وهو ما يُعرَف بقانون الطلب، حيث العلاقة بين السعر والطلب عكسية، لذلك لا يمكن القول: إن سعر مادة الفروج على سبيل المثال، يخضع فقط لنظرية التكاليف، أو نظرية العرض والطلب فقط، أو نظرية المنفعة فقط، إنما لجميع تلك النظريات دوراً بنسب مختلفة في تشكُّل السعر.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
ناقش مذكرة تتضمن توجهات السياسة الاقتصادية للمرحلة المقبلة.. مجلس الوزراء يوافق على إحداث شعبة الانضباط المدرسي ضمن المعاهد الرياضية "ملزمة التعيين" وزارة الدفاع: قواتنا المسلحة تستهدف آليات وعربات للإرهابيين وتدمرها وتقضي على من فيها باتجاه ريف إدلب الجنوبي مشاركة سورية في البطولة العالمية للمناظرات المدرسية بصربيا القاضي مراد: إعادة الانتخابات في عدد من المراكز في درعا وحماة واللاذقية «لوجود مخالفات» غموض مشبوه يشحن الأميركيين بمزيد من الغضب والتشكيك والاتهامات.. هل بات ترامب أقرب إلى البيت الأبيض أم إن الأيام المقبلة سيكون لها قول آخر؟ حملة تموينية لضبط إنتاج الخبز في الحسكة.. المؤسسات المعنية في الحسكة تنتفض بوجه الأفران العامة والخاصة منحة جيولوجية ومسار تصاعدي.. بوادر لانتقال صناعة الأحجار الكريمة من شرق آسيا إلى دول الخليج «الصحة» تطلق الأحد القادم حملة متابعة الأطفال المتسرّبين وتعزيز اللقاح الروتيني دمّر الأجور تماماً.. التضخم لص صامت يسلب عيش حياة كريمة لأولئك الذين لم تواكب رواتبهم هذه الارتفاعات إرساء القواعد لنظام اقتصادي يهدف إلى تحقيق الحرية الاقتصادية.. أكاديمي يشجع على العودة نحو «اقتصاد السوق الاجتماعي» لتحقيق التوازن بين البعد الاجتماعي والاقتصادي