باب للمجهول ينتظر شجاعة وجرأة ..العبثُ ومحنة الانتظار والعنف النفسيّ.. كلُّ هذا وأكثر في مسرحيّة «الباب» على خشبة القباني

تشرين – لمى بدران:
ماذا لو تخيّلنا يوماً أن هنالك باباً للمجهول ينتظر شجاعة وجرأة بعضنا من جهة، وخوف وتراجع آخرين من جهة أخرى.. فهل ستكون ممن يدخلون هذا الباب مخترقين ضفاف المجهول، أم ممن يخافونه ويتراجعون؟!.. هذه التساؤلات تثيرها بشدّة مسرحية (الباب) الجاري عرضها – هذه الأيام – على خشبة مسرح القباني، فهي تحاكي قضايا شباب اليوم الذين يعانون ضغوطاً ومسؤوليات أكبر منهم خلال رحلتهم التي تحمل أحلامهم المنتظرة.
تبدأ المسرحية بمزاد علني لشراء باب مواصفاته قياسيّة عالية المستوى، يشتريه أحدهم تاركاً ثلاثة أشخاص أمامه يعرضون لنا قصصهم المتنوعة بين شابٍّ يحمل رسالة من مديره لصاحب الدار – «الفيلا»، وآخر يحلم بالخوض في عالم التمثيل، لكن كلّ الأبواب مغلقة أمامه إلا ما يأمله من هذا الباب، وثمة فتاة تنتظر مساعدته المادية لها لتخليصها من همومها وسطوة مديرها وابتزازه، فتعيش الشخصيات محنة الانتظار بما فيها من إحباط وخوف وهواجس وجنون وأمل في الوقت ذاته ، كما تحدث تداخلات زمنية بين المشاهد توحي لنا بأسلوب (المسرح داخل مسرح)، وهذا ما لم يقصده تماماً حسبما ذكر لـ(تشرين) مخرج العرض المسرحي غسان الدبس، إذ صنّف أسلوبه بأنه قريب من تيارات العبث، ولفت إلى أن النص عبثي، ويتقاطع مع حياتنا العبثيّة التي بدورها تعكس المأساة التي مررنا فيها في هذا البلد الذي لا يستحق سوى الحب والجمال.
يتابع المخرج الدبس: إن حالة الانتظار العامة التي نعيشها أفرزت العديد من المشكلات، ومنها ما أظهرناه ضمن المسرحية من العنف تجاه المرأة، وتجاه أحلام الرجل أيضاً، وصعوبة تحقيق الشباب آمالهم وطموحاتهم، ونحن جعلنا النهاية مفتوحة، إذ دخلت جميع الشخصيات من الباب، واخترقت المجهول من دون أن نعرف خواتيمها ومصائرها النهائية، لتكون حسب رأيه حقاً لكل شخص بأن يختار ماهية ما وراء الباب، فقد يكون باب أمل أو خلاص أو قهر أو… إلخ وأضاف لنا ختاماً أنه وبالتأكيد لو كان له أن يفتحه شخصياً وبنظرته الفردية لبثَّ الأمل وحقق طموحات الجميع.
لعب دور (السمسار) الذي يعلن المزاد عدة مرات ضمن المسرحية الشاب حاتم أتمت، وهي التجربة الأولى له، وحملت الكثير من الاندفاع والشغف، واللافت هنا أنه ليس خريج معهد عال بل خريج صيدلة، لكنه يهوى المسرح، وعمل قليلاً في المسرح الجامعي، وخاض ورشة مع المخرج مأمون الخطيب الذي بدوره شجعه على عالم المسرح، وفي إجابة لـ(تشرين) بشأن اختياره فيما لو خُيّر بين المسرح والصيدلة ليجيب باندفاع: المسرح بصراحة.. لأني أحبه، وخشبته تعني لي الكثير لكن لن أتخلّى عن شهادتي في الصيدلة تماما، فلقد درست خمس سنوات، ونلت معدلات عالية.. أما بالنسبة للشخصية التي أداها أتمت والتي لا تمتلك خيار الخروج أو الدخول تماماً من الباب، فهو سمسار يدخل ويخرج ويعرف الحقيقة من دون أن يستطيع تقديم حل لنفسه ولا لغيره، لذلك يعدّ نفسه معلّقاً، ولا يعلم إن امتلك حرية القرار إن كان سيدخل ويواجه المجهول بشجاعة أم لا، فشعور المعلّق تائه تماماً. كما لامس دور الفتاة صاحبة المعاناة الطويلة والأحلام الكبيرة أيضاً التي جسدتّها رغد سليم خريجة المعهد العالي للفنون المسرحية، وهي أيضاً بتجربتها الأولى والتي تحمست لأداء الدور منذ قراءتها للنص، فهو – كما تذكر – يمسّها شخصياً، ويمس كل فتاة مسؤولة وشجاعة وجريئة، وفي رأيها تستطيع إيصال صوتها ورسالتها من خلاله، ألا وهي: « لا تدع الحمقى يقضون عليك، ويجب ألا نخجل من مشكلاتنا، وطرح ما نتعرض له وما وصلنا إليه»، تقول رغد لـ(تشرين): إننا في هذه الحياة، نتعرض للكثير من مواقف الابتزاز والاستغلال النفسي والعاطفي والمادي، ولسنا حجارةً صلبة لنكون دائماً أقوياء، بل نحن نحتاج لمن يسمعنا.. وتعتقد أن المسرح بالتحديد يستطيع أن نسمعه ويسمعنا لننقل هدفنا للجمهور والناس، ولو كانت ستكتب نهاية واضحة لدورها في هذه المسرحية لاختارت اللامبالاة بأي شيء قد يرسمه المجهول.. ففي رأيها لا يوجد شيء تخسره بعد الآن، وهي تتوقع الأسوأ ومواجهة مستمرة معه، وهذا بدوره قد يعكس الأثر النفسي الكبير للضغوط التي يعانها شباب اليوم.

بدوره، حدثّنا الممثل مجد مغامس عن خصوصية دوره وهو «فهمان العبيط» شاب يحلم بالتمثيل وتأدية ما يحفظه من مسرحيات لشكسبير وتشيخوف وهاملت وغيرهم.. لكنه وُجِدَ هنا ليهرّج، ويسعد الناس فقط لا غير، ثم يحاول التمرّد على واقعه العبثي الذي يجعل منه جائعاً ضائعاً لكن هذا يُعد عصياناً سيرمي به خارجاً، لذلك كان خلال المسرحية الشجاع الأول الذي اختار الدخول عبر الباب ومواجهة المجهول ومقاومة الواقع المرير، وأشار إلى أن هذا النمط الذي يقومون بتمثيله يعرض لنا المشكلات دون حلولها، وهذا قد لا يتفق تماماً مع وظيفة المسرح الأساسية التي تتمثل بتقديم الحلول لكل القضايا والإشكاليات المطروحة لكنه يترك للمشاهد حلوله الخاصة التي تختلف من شخص لآخر، ولو أعطينا لمجد القرار في كتابة نهاية لشخصيته ضمن المسرحية لفتح لها باب تحقيق طموحاتها والوصول إلى أحلامها.
بعض الغرابة في الديكور ظاهر خلف الباب، إذ تنسدل شرائط عريضة خلفه من الأعلى بشكل قد يبدو أننا في الغابة، ومن الممكن أنه يكمّل النظرة الشائعة تجاه الخوف من المجهول، كما أدخل المخرج مشاهد تصويرية لخلفيات الأحداث في النهاية من خلال تقديم رقص تعبيري بملابس سوداء، وهذا إضافة بصرية على العمل ليس بالضرورة أن تخدم المعنى، من الجدير ذكره أن المسرحية مستمرّة حتى التاسع عشر من الشهر الجاري على خشبة مسرح القباني في دمشق.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
إصابة مدنيين اثنين جراء عدوان إسرائيلي استهدف منطقة القصير بريف حمص (وثيقة وطن) تكرم الفائزين بجوائز مسابقة "هذه حكايتي" لعام 2024..  د. شعبان: هدفنا الوصول لحكايا الناس وأرشفة القصص بذاكرة تحمل وطناً بأكمله معلا يتفقد أعمال تنفيذ ملعب البانوراما في درعا ويقترح تأجيل الافتتاح بسبب تأثر المواد اللاصقة بالأمطار الوزير الخطيب: القانون رقم 30 يهدف إلى حماية بنية الاتصالات من التعديات الوزير صباغ: إمعان الاحتلال في جرائمه ضد الشعب الفلسطيني يعبر عن سياسات إرهابية متجذرة لديه سورية تترأس اجتماع الدورة السادسة للمجلس العربي للسكان والتنمية في القاهرة الجلالي يبحث مع أعضاء المجلس الأعلى للرقابة المالية صعوبات العمل ووضع حد لأي تجاوزات قد تحدث طلاب المعهد الصناعي الأول بدمشق يركّبون منظومة الطاقة الشمسية لمديرية التعليم المهني والتقني أجواء الحسكة.. عجاج فأمطار الأضرار طفيفة والمؤسسات الصحية بجهوزية تامة لمعالجة تداعيات العجاج انطلاق فعاليات أيام الثقافة السورية في حلب بمعرض للكتاب يضم ألف عنوان