قد تختلف معه في الرأي ..المفكّر السوريّ «ابراهيم فاضل» بمحاضرة لجمعية المسنّين في سلمية
تشرين – نصار الجرف:
قد تختلف معه في الرأي، لكنك لابد من أن تحترمه لكثرة ما ستدهشك أفكاره وتحليلاته وكثرة شواغله.. فمن عوالم الإلكترونات الأصفر إلى عوالم الفلك الأكبر، ومن جذور الفكر الإنساني، إلى استشراف المستقبل، ومن إشراقات الفكر الصوفي إلى عقلانية المنطق، ومن فلسفة تبحث عن الحقيقة، عبر رحلة (الذات الكلية المحررة من أناه) بلقاءات فكرية فلسفية، تمتدُّ بعمقها من تلاقي جذور الفكر الأوروبي، فتتلقفها حيناً، وتجادلها أحياناً، ومن الغوص في أصول الفلسفة العربية وجذورها، ومن قوانين رياضية، تبحث عن البعد الثالث، وربما الرابع، إلى إشكالات مجموعة زوايا المثلث ومغازيها، وصولاً إلى جذور الأرقام العربية وحروفها، ومن لغة رصينة، روائية قصصية جميلة، إلى شعر إشراقي ينهد نحو فكر خلاق ونوعية إنسانية، ومن ميتافيزيقياه الخاصة إلى علومه الطبيعية والزراعية الواقعية، ومن حواسه الخمس والثلاثين غير الاعتيادية، ومن مقامه العالي في رحاب الدماغ الكلي، يطلُّ الدكتور ابراهيم فاضل..
بهذه المقدمة الطويلة قدّمه باحثٌ آخر – نزار كحلة – مدير الجلسة الحوارية التي قدمها أستاذ الفلسفة محمد سليمان حسن، في جمعية المسنين في سلمية – حماة ضمن برنامجها الثقافي، بعنوان «الفيلسوف السوري ابراهيم فاضل» ، إذ استهل المحاضر حسن محاضرته بلمحة موجزة عن حياة الدكتور ابراهيم فاضل، الذي ولد في سلمية، وحصل على الإجازة في الآداب قسم الفلسفة، ومن ثم نال شهادة الدكتوراه الفخرية من جامعة « الإبداع الدولي» على مجمل أعماله الفكرية.
عمد المحاضر حسن إلى تقسيم محاضرته إلى ثلاثة أبواب، الباب الأول تناول فيه حياة ومؤلفات فاضل، والتي قسمها بدورها إلى ثلاثة مجالات: مجال الفلسفة، ومجال التاريخ، ومجال اللغة، معدداً مؤلفاته في كلّ من هذه المجالات، لينتقل بعدها إلى الباب الثاني من محاضرته، إذ تطرق فيها إلى منهجية الفيلسوف فاضل الفكرية والبحثية ، قال فيها:«إن فاضل عرّف الفلسفة بأنها العلم بالكليات ، في مجموع أجزائه حساً، وفي هيولانية محددة المعالم إدراكاً، وفي (كليانية) مجردة فعلاً أو فكراً.
والعلم بالكليات هو إقامة البحث الفلسفي خارج إطار التحديد المعرفي القائم بذاته، بمعنى أن الفلسفة كفكر خارج التصنيف الإثني العرقي، أو الفكري الأيديولوجي أو اللغوي المعرفي.. ويتابع حسن، إن فاضل، يخوض في بحثه الفلسفي من هذه الكليانية، التي لا يرى فيها إلا خير الإنسان في كل زمان ومكان.
فهو – أي فاضل- ينطلق في مجمل أعماله الفكرية والفلسفية من مقولة الفكرة المجردة، فكرة الباحث عن الحقيقة، ومنهجية تقف عند حدود العقل وتخومه، يقدّم الفكرة ويطرحها للنقاش، يقدمها في صيغتها العامة، ويبحث لها عن مقرات وجودها في عقول الفلاسفة، وتواريخ فلسفاتهم على العموم، يقدم ويؤخر، يأخذ اللغة أساساً أحياناً، والتاريخ بوصفه زمناً أحياناً، ويربط بين الجميع من كل فلسفات العالم، من دون تحيز أو مواربة، بل مقاربة ومداخلة.
وهو في منهجيته، لا يدخل حلبة الفكر والفلسفة من باب صراع الحضارات، بل يراها في عقول من له غاية لوسيلة، وبالنسبة له، الفلسفة لا تبحث في صراع الحضارات، بل تبحث في تداخل الحضارات وتكاملها وتراثها الزمني، فيما قدمت وما قدم لها، وما أخذت وما أعطت، فهي تأخذ لتعطي، تعطي الإنسان، كل إنسان، فلا فلسفة من دون كليانية إنسانية، ولا فلسفة من دون خير للبشرية.
في الباب الثالث من المحاضرة، تناول المحاضر حسن فلسفة فاضل التي انطلق فيها من منطلق مؤلفاته، إذ ينطلق فاضل في كتابه «الفلسفة تبحث» من مقولات مهمة، تقوم على تحديد المصطلح وتعريفه (وهو الفلسفة) بأنها حالة من الوعي الأولي للإنسان وإدراكه كنه وجوده، وأنه كتلة مادية وحرية مستقلة عن الوجود المحيط به، باعتراف وجوده بالموجودات، ثم عدّد المراحل التي مرت بها الفلسفة بدءاً من فلسفة ما قبل اليونان ونهاية إلى التصوف الإسلامي.
وذكر أن فاضل يرى أن الفلسفة تبحث في الوجود بكليته، وبحالته الغائية حساً، الواقعة معرفة، والبحث في الأنثروبولوجيا، باعتبارها بحثاً في تاريخ وجود الإنسان، وعلاقته بمحيطه، وهي بحث في الأخلاق، باعتبارها ناظماً للنفس والمجتمع، وبحث في العقل، باعتباره منطقاً صورياً، حسب أرسطو، ووصفياً، حسب ماركس، وديالكتيكانياً، حسب هيغل.. كما تناول المحاضر قراءة لعدة مؤلفات أخرى لفاضل لا يتسع المجال لاستعراضها، وهي (لقاءات الفلاسفة، مذهب عادل العوا، توما الأكويني).
يذكر أن المحاضر محمد سليمان حسن حاصل على دبلوم دراسات عليا قسم الفلسفة، وعمل أميناً لتحرير مجلة المعرفة، ومديراً لدار نشر إنانا، وله العديد من المؤلفات والمجلدات والمخطوطات.