تعدد الجبهات يطوق الأميركي ويرهقه ويعقّد مهمة انتشال الكيان الإسرائيلي من هزيمة حتمية.. لنترقب اليومين المقبلين!

تشرين – مها سلطان:
تعدد الجبهات من جهة، وجغرافيتها التي تزنر جبهة قطاع غزة من جهة ثانية.. لا شك يُرهق الولايات المتحدة الأميركية، وبدلاً من التركيز على تقديم كل ما يلزم للكيان الإسرائيلي للخروج منتصراً من ميدان «7 تشرين الأول 2023» نرى أن أميركا تكاد لا تهدأ، وتعجز عن التوقف ولو لفترة وجيزة، لالتقاط الأنفاس.. كل ذلك في سبيل ألّا تنسحب الهزيمة الإسرائيلية عليها في نهاية المطاف.
صحيح أن هذه الجبهات المتعددة لا تدرجها واشنطن في مستوى الخطورة ذاته، إلّا أن اجتماعها معاً وتوحدها مع جبهة غزة، هو الخطر الذي تعمل واشنطن على منعه من الاقتراب منها أو من مستوى إلحاق هزيمة وجودية بالكيان الإسرائيلي..
وصحيح أن هذه الجبهات لا تُحسب بالميزان الميداني على أنها «جبهة دول» تستطيع واشنطن فتح معارك عسكرية مباشرة معها، بل هي جبهات مقاومة وطنية بقواعد شعبية ممتدة وعابرة للحدود، استطاعت امتلاك قوة التأييد الشعبي والوطني «الرسمي والإقليمي» ومعه قوة عسكرية حققت معادلات ردع، قلبت موازين المنطقة لمصلحة دولها وشعوبها.. صحيح أنها ليست بالميزان العسكري جبهات دول، إلّا أن واشنطن ترى أن مقتلها الأساسي في المنطقة بات يتركز في هذه النقطة تحديداً، لأنها تقيد مجال تحركها وردودها العسكرية في أضيق جغرافيا، وفي السياسة تعجز عن ممارسة الضغط والابتزاز الذي تستطيع من خلاله الحصول على النتائج التي تريدها.
هذه المقاومات قلبت الطاولة على أميركا والكيان الإسرائيلي، وكانت جبهة غزة أهم وأقوى ميدان اختبار عملي للجانبين «على مدى العقدين الماضيين منذ اندحار العدو الإسرائيلي عن أرض الجنوب اللبناني عام 2000».. فصائل المقاومة الوطنية سواء في لبنان أو العراق أو اليمن، بامتداداتها الإقليمية، أثبتت أنها صاحبة الكلمة الفصل في أي مواجهة عسكرية، من الآن فصاعداً، وأن زمن التبجح الأميركي الإسرائيلي بقوة عسكرية لا ترد ولا تردع، ولّى إلى غير رجعة.. بالمقابل تدرك أميركا والكيان الإسرائيلي هذه الحقيقة جيداً، وإن من دون اعتراف، وتدركان أنهما عاجزتان عن الاستدراك، في الوقت المستقطع، الذي تشهده المنطقة حالياً، ما قبل لحظة الحسم، والتي هي غير معروفة إلى أي اتجاه ستميل، حرب كبرى، أم تسويات كبرى.. كل السيناريوات قيد ما تخبئه الأيام المقبلة.
*** ***
لكن أميركا رغم ما سبق، لا تستطيع إلا أن يكون لها نوع من «الرد» إذا جاز لنا التعبير، علماً أن أي محتل لا يمتلك شرعية الرد ولا شرعية «الدفاع النفس» حسب تصريح وزير الحرب الأميركي لويد أوستن أمس وهو يعلن أمس استهداف طائرات أميركية منشآت في شرق سورية زعم أنها مستودعات تخزين أسلحة، ومناطق تمركز لعناصر تابعة للحرس الثوري الإيراني وفصائل موالية له، وهو الإعلان نفسه من أوستن قبل أسبوعين «26 تشرين الأول الماضي» عن استهداف مُماثل «ودائماً بالذريعة نفسها، إيران».. وفي كل مرة لا بدّ من تعمد تكرار السؤال نفسه، بل الاصرار عليه وعلى إبقائه حاضراً: كيف يمكن لمحتل يقتل ويدمر ويسرق وينهب أن يتلفظ بعبارة «الدفاع عن النفس» ويزعم أن له «شرعية رد» على من يرد القتل والتدمير والنهب الذي يمارسه هذا المحتل ضده.
أوستن طبعاً لم يتحدث عن تحريك أميركا لتنظيمها الداعشي ومجموعاتها الإرهابية – على خط البادية وريفي إدلب وحماة – لشن هجمات على مواقع الجيش السوري، في «رد» من النوع الذي يزعمه أوستن، ويصفه بالرادع والمباشر، على ما تتعرض له القواعد الأميركية غير الشرعية في سورية والعراق من هجمات عنيفة ومركزة ومتسعة بالعدد والجغرافيا.. طبعاً تنفيذ الهجمات تم بأحدث الأسلحة والمسيرات التي زودت بها أميركا تنظيمها الداعشي ومجموعاتها الإرهابية، ولكن هل حققت ما تسميه بالردع؟
الجواب الأكيد: لا.
لنلاحظ هنا أن الاستهداف الأول في 26 تشرين الأول الماضي كانت نتيجته أن تضاعفت الهجمات التي تستهدف القواعد الأميركية اللاشرعية، فلا يكاد يمر يوم واحد دون أن تتعرض لهجوم أو اثنين أو أكثر، وبقوة أكبر وبامتداد جغرافي أوسع «50 هجوماً منذ 17 تشرين الأول الماضي باعتراف البنتاغون» وبعد الاستهداف الثاني ستكون النتائج أكبر وأقوى، رغم كل ما تحشده أميركا من تعزيزات لتحصين قواعدها غير الشرعية في سورية «علماً أننا هنا نتحدث فقط عن الاستهدافين الأخيرين».
إيران المتهمة أميركياً، تدحض في كل مرة المزاعم الأميركية، وقد زادت هذه المرة بالرد على مسألة «الدفاع عن النفس» وعن محاولة أميركا تغطية هذه الذريعة بالمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، مؤكدة – في رسالة وجهتها إلى مجلس الأمن الدولي عبر ممثلها الدائم لدى الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني – أن هذه الذريعة هي تفسير تعسفي وغير صحيح للمادة 51 من الميثاق.

المفارقة المضحكة في تصريحات أوستن، في كلا الاستهدافين، قوله: «بناء على توجيهات الرئيس بايدن» وكأن هذا يُكسبها شرعية، أو يجعل الاستهداف «أكثر ردعاً»، «فجر اليوم الخميس تم قصف قاعدة حقل العمر شرق دير الزور بـ 15 صاروخاً مباشرة عقب تصريحات أوستن»، هذه جبهة بلا شك ترهق واشنطن بصورة متصاعدة، فكيف إذا ما تم فتح هذه الجبهة على جبهة غزة؟
إيران، وحتى هذا اليوم الخميس، ما زالت تحذر واشنطن من أن «الوقت ينفد بسرعة» أمام استمرار المذبحة الإسرائيلية ضد أهل غزة، مؤكدة على لسان وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان أن أميركا تكذب عندما تتحدث عن هدنة في غزة، وترسل للآخرين رسائل حولها. يقول عبد اللهيان في تصريحات له أمس الأول: «الأميركيون يكذبون ويديرون لعبة الوقت في الحرب ضد غزة والضفة».
واشنطن بدورها ترسل رسائل التهديد والتحذير لإيران ودول أخرى في المنطقة، في حقائب أعتى دبلوماسييها الذين يجولون في المنطقة لهندسة «ما بعد غزة» بالالتفاف على حقيقة أن الكيان الإسرائيلي وصل إلى حتمية الهزيمة مع فشل عمليته البرية.. وما تفعله واشنطن الآن هو الاحتيال والتدجيل لاحتواء الهزيمة من جهة، وتحويلها إلى انتصار من جهة ثانية، وتكريس معادلات ردع جديدة ضد دول المنطقة من جهة ثالثة.
بكل الأحوال، هناك شبه إجماع على أن جبهة غزة «والمنطقة عموماً» مقبلة على تطورات مهمة خلال اليومين المقبلين، وهي متعلقة بشكل أساسي بأمرين: إقرار هدنة في غزة، وما ستخرج به جولتا آموس هوكشتاين كبير مستشاري الرئيس الأميركي، ووليم بيرنز مدير وكالة الاستخبارات الأميركية «سي أي إيه»، في المنطقة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار