غزّة المُكافحة

تشرين- إدريس هاني:
– لم يعد الوفاء للموضوعية مطلباً صعباً هذه الأيّام فحسب، بل لم يعد بالإمكان الوثوق بالموضوعية حين باتت خداعاً إبستيمولوجياً فحسب، بل نحن اليوم أمام تجريم للموضوعية. وفي حالة غزّة تعني الموضوعية «معاداة السامية».
– صمت المثقّف داخل الغرب، يعكس وضعية جديدة، وضعية مرعبة لغرب مكسبه الأعظم هو الكلام، هو النّقاش.
ليس هناك جديد لدى المثقف الغربي حيال ما يجري في فلسطــين المحتلة، ميشيل أونفري نفسه لم يفعل سوى أنه أكد على شيء أكدناه منذ سنوات ومنذ بدء نكبة غزة أيضاً، هو التلويح بأنها حرب حضارية، والعودة إلى هنتنغتون، لكن يبقى أنه لم يبالغ حين قال إنّ الفلسطينيين خانتهم حكومتهم.
– أمام هذا الشلل الكامل في الموقف العربي، ماذا عساها أن تفعل الجماهير، لا سيما حين تكون مرتهنة لقادة مجتمع مدني غير قادرين على تجاوز الرتابة، وعاجزين عن ابتكار وسائل متقدّمة في معركة الوعي؟ هناك فرق بين احتجاجات الأمس واحتجاجات اليوم، بطولات الأمس وبطولات اليوم، قد يكون السبب هو التربية، فمن تربّى على الهزيمة، وحُرم من تاريخ ممتلئ بالتحدّيات، لا يمكن أن يُعوّضها بخرافات وأحجيات، إنّ «استحمار» الشعوب ليس فعلاً امبريالياً فحسب أو رجعياً فحسب، بل الاستحمار اخترق الأعماق السحيقة، نظام التفاهة لم يترك قطاعاً، حذارٍ من راكبي الأمواج في الوقت بدل الضّائع، الأحرار وحدهم يعملون لوجه الله، والأحرار لهم سمت لا تُخطِئه الفراسة.
– نجتهد كي نثمّن أقل مبادرة تجاه شعب تسحقه ماكنة الحرب، لكن ليس هناك سوى ما يدعو إلى خيبات الأمل، لا أحد استعجل تركيا وهي القوة الضاربة، ليس لتمكين الفلسطـينيين من وسائل الدفاع عن النّفس، بل فقط مراجعة اتفاقية التعاون التجاري والعسكري؟ فبعد شهر من الحرب على غزة نستدعي السفير للتشاور، ومع ذلك هناك من يجعل من الحبّة قبة، ولكن حين يتعلق الأمر بمن هم في المعمعان، يجعلون من القبة حبّة، تابعوا خطب وتصريحات المعارضة في البرلمان والصحف، من يحاسب الزعيم على سرعة تدخله في سورية، وبرودته حيال غزّة؟ أين سفينة مرمرة؟ هل الأساطيل الجاثمة في المتوسط تضرب حساباً للباب العالي، أم في أي معركة كبرى مفترضة، ستنشط قاعدة أنجرليك الجوية؟ من هنا، الأفضل أن نفهم ونتفهم ولا نمضي في حروب التّأويل.
– التّحرُّش بالمقاومة في لبنان مستمرّ، لكنه ضعيف وغير مقنع، لأنه يحمل ثقوب الوعي في طياته، ومهما حاول خصومها استحقارها كما سعوا مراراً لاستخطارها – كل حسب السياق والطلب- فإنّ الذكاء الصناعي ووسائل التواصل يعطياننا صورة عن الكلمات والصورة التي تسبب التهديد بغلق الحسابات.
مع ذلك، تواجه المقاومة في لبنان تحدياً مزدوجاً: الأوّل داخلي، يتعلق بوجود قوى سياسية ترفض تدخله في الحرب، فهو جزء من الحكومات المتعاقبة، جزء من مجتمع مختلف، وهناك أحزاب تطالبه بالتخلي عن سلاح المقاومة، وهناك تيار كبير في الإقليم يدعمهم، هذا وهناك تحدّ خارجي، تعبّر عنه الأساطيل، لو تدخلت المقاومة مباشرة، لضعفت المقاومة الفلسطينية سياسياً، وخفّ العبء على نتنياهو الذي يسعى إلى خلط الأوراق والذهاب إلى الفوضى، بدعوى أنّها حرب مع الإيرانيين.
– أعود إلى المثقف العربي وما دونه في الصناعة، لا سيما في اختزال النكبة في «حماس»، كأنّها جلبت على الشعب الفلسطيني هذا الدّمار، بطريقة غير مباشرة، يمنحون الاحتلال شرعية الدفاع عن نفسه وهو احتلال، كما يلتفون على الحق التاريخي لشعب في حالة كفاح.
– المثقف العربي حائر، لكنه يسقط حيرته على الواقع، يعنون رضوان السيد مقالة له في «الشرق الأوسط»: «الأكثر حيرة: الإسرائيليون وإيران!»، ويؤكد أنّ «طوفان الأقصى» كان بقرار إيراني، الدليل على هذا الحكم هو تكراره، والهدف منه هو التقليل من قيمة وقوة الكفاح الفلسطيني.
برهان غليون بدوره، يعتبر أنّ الرابح من ترنح المشروع الصهـيوني هو طهران، يرى أنها فازت على خصومها من دون أن تطلق رصاصة واحدة، بروفيسور في علم الاجتماع السياسي يتجاهل ما هو أكبر من رصاصة: آلاف الصواريخ التي ترشق مدن فلسطــين المحتلة مصدرها صفوي، حصار وعقوبات ومناورات وحروب سيبرانية وثقافية، كل هذا لا وزن له في معادلة الصِّراع.
الدولة الصفوية جزء من تاريخ إيران، لكن ما معنى القول إنّ الصفويين هم السبب؟ هذا يشبه من يتحدّث اليوم عن تركيا العثمانية، وسورية الحمدانية ومصر المملوكية والمغرب المرابطي.. يقولون إنه علينا أن نستبعد العواطف من العلاقات الدولية، لكن عند التفاصيل نسقط في أسوأ العواطف، ما المطلوب إذاً؟ المطلوب يا عرب: انسوا إيران، وأرونا شطارتكم، وخفّفوا من البرققة البصرية وحيونة الصّوت، أوّل درس تعلّمناه من بروس لي: الطوب والخشب لا يردان الضربة، وفي هذا المقام: إخراج العينين وتفخيم الصوت لا يردّان صفعة متوقعة.

– كثيرون هم المتحدثون عن أسرار وحقائق، ويدوّخون الرأي العام بإيماءات بلهاء، ولا أحد لديه من تلك الأسرار إلاّ بمقدار ما يجود به خيال أحمق، وأنصح بعدم أخذ من يلعب لعبة الصناديق السوداء مأخذ الجدّ، إنّهم في وضعية أقصوصة «يوسف يمثّل أباه» من مقرر «اقرأ» للمرحوم أحمد بوكماخ.
– ليس هناك ألم وجرح أكثر مما نعانيه: جرح الوعي المهدور، وجرح النكبة التي أثارت مواجعنا، ومع كلّ ذلك، إنّ التّاريخ الذي ناديت به منذ سنوات، أعني تاريخ المستقبل، هو اليوم يُصنع بأيادي أبناء المقاومة النشامى، وهم وحدهم أنقذوا الموقف، لقد آمنت قبل سنين بربيع المقاومة، وحده من ينجينا من بؤس الربيع الذي كاد يجعل من القضية الفلسـطينية، قضية مؤجّلة إلى حين.
– قريبا سيدفع النتنيا..هو ثمن المغامرة، هو يدرك أنّه كان محاصراً، لكنه في الوقت نفسه استطاع أن يجد له متنفساً في صفقاته الخارجية، وخلافاً لقراءات البعض، فإنّ «طوفان الأقصى» أفشلت كل المحاولات التي سعى من خلالها نتنيا..هو للخروج من عنق الزجاجة، ما بعد الطوفان، هو نهاية سياسية لنتنيا..هو. وما يجري اليوم في دهاليز السياسة الدولية هو إيقاف الحرب والبحث عن تسوية بأقل الخسائر بالنسبة للاحتلال، حيث مهما كانت نتيجة التسوية، فإنّ «طوفان الأقصى» شكّلت منعطفاً تاريخياً: عهد الانتصارات بدل عهدي النكبة والنكسة، أعني ميلاد ثقافة جديدة وعصر جديد، لقد تمكّن أشبال القسام من تجسيد الروح المطلقة من داخل جيوب غزّة

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
ناقش مذكرة تتضمن توجهات السياسة الاقتصادية للمرحلة المقبلة.. مجلس الوزراء يوافق على إحداث شعبة الانضباط المدرسي ضمن المعاهد الرياضية "ملزمة التعيين" وزارة الدفاع: قواتنا المسلحة تستهدف آليات وعربات للإرهابيين وتدمرها وتقضي على من فيها باتجاه ريف إدلب الجنوبي مشاركة سورية في البطولة العالمية للمناظرات المدرسية بصربيا القاضي مراد: إعادة الانتخابات في عدد من المراكز في درعا وحماة واللاذقية «لوجود مخالفات» غموض مشبوه يشحن الأميركيين بمزيد من الغضب والتشكيك والاتهامات.. هل بات ترامب أقرب إلى البيت الأبيض أم إن الأيام المقبلة سيكون لها قول آخر؟ حملة تموينية لضبط إنتاج الخبز في الحسكة.. المؤسسات المعنية في الحسكة تنتفض بوجه الأفران العامة والخاصة منحة جيولوجية ومسار تصاعدي.. بوادر لانتقال صناعة الأحجار الكريمة من شرق آسيا إلى دول الخليج «الصحة» تطلق الأحد القادم حملة متابعة الأطفال المتسرّبين وتعزيز اللقاح الروتيني دمّر الأجور تماماً.. التضخم لص صامت يسلب عيش حياة كريمة لأولئك الذين لم تواكب رواتبهم هذه الارتفاعات إرساء القواعد لنظام اقتصادي يهدف إلى تحقيق الحرية الاقتصادية.. أكاديمي يشجع على العودة نحو «اقتصاد السوق الاجتماعي» لتحقيق التوازن بين البعد الاجتماعي والاقتصادي