آفاق واعدة لاستثمار النباتات الطبيَّة باستخدام التقانات الحيوية.. هل تؤسس لتعاون بحثي مثمر مع القطاع الخاص؟
تشرين- أيمن فلحوط:
لم تكن ورشة آفاق استثمار النباتات الطبية باستخدام التقانات الحيوية، التي دعت لها الهيئة العامة للتقانة الحيوية في مقرها بمحيط كلية الهندسة الزراعية بجامعة دمشق، مجرد ورشة عادية، في ضوء الحاجة الماسة، والمعاناة التي فرضها الحصار الجائر على الوطن، لتأمين المادة الخام لشركات الأدوية، ومن هنا كانت الدعوة، لإقامتها، بمشاركة العديد من الفعاليات من القطاعين العام والخاص المعنيين بالصناعة الدوائية، حسبما أشار مدير الهيئة الدكتور نزار عيسى لـ”تشرين”.
11 مشاركاً من جهات متعددة
عناوين عدة كانت محور الورشة، بدأت برؤية الهيئة لاستخدام التقانات الحيوية للنباتات الطبية للدكتور يوسف العموري، وفوائد الخلطات العشبية الطبية للدكتور محمد مزاوي، والأدوية النباتية للدكتورة رانيا عبود، والصناعة الوطنية للنباتات الطبية من سورية إلى العالم للأستاذ محمد داوود، والأعشاب الطبية للدكتورة نور، ومستحضرات مساحيق النباتات الطبية للدكتورة لآمال فلوح، والمستخلصات والزيوت الطبيعية للدكتور علاء غزي، وأمثلة الشروط المناسبة لتحضير كالوس الحلبة كمتمم غذائي للدكتورة عبير راجح، وإنتاج النباتات الطبية باستخدام زراعة الأنسجة للمهندسة فيروز إبراهيم، واستخدام التقانات الحيوية في تعزيز إنتاج الغلوكوزيدات القلبية من الديجتالس الأرجواني للدكتور محمد العقاب، ودراسة المحتوى الفينولي والفعالية المضادة للأكسدة والمضادة للبكتريا للنبات Helichrysum orenorium للدكتور جلال فندي.
التشاركية والتشبيك
مدير عام الهيئة العامة للتقانة الحيوية الدكتور نزار عيسى، بيّن أهمية الورشة في تعزيز التشاركية والتشبيك، مع الجهات البحثية والشركات الدوائية، وخلق أجواء تفاعلية مع الهيئة، التي تعتمد استخدام التقانات الحديثة في مجال النباتات الطبية، وتهدف لتوفير المادة الخام الدوائية بكميات ملبّية لاحتياجات الشركات على مدار العام، وبتكلفة أقل مقارنة مع المستوردة، وتكون سليمة وصحية، وليس لها أي آثار جانبية، لكوننا نقوم بكل الفحوصات اللازمة والضرورية، في حين لا يمكن التأكد من سلامة المادة الخام المستوردة.
د.عيسى: هدفنا توفير المادة الخام الدوائية بكميات ملبّية لاحتياجات الشركات على مدار العام وبتكلفة أقل مقارنة مع المستوردة
أضاف د. عيسى: يوفر قسم التقانات الحيوية في الهيئة، فرصة تأمين المادة في مخابرنا من دون زراعتها، فنوفر الأراضي الزراعية لاستغلالها بزراعة المحاصيل التي تحقق الأمن الغذائي كالقمح.
وسنعمل على ربط المراكز والهيئات البحثية مع المجتمع، بإشراك القطاع الخاص في بحوث الهيئة، ما يحقق نقلة نوعية، من حيث جودة البحوث، وإضفاء قيمة مضافة للمنتجات، التي تعنى بالمادة الدوائية النباتية.
وأضاف: حرصنا في الورشة على اختيار البحوث المشاركة، انطلاقاً من حاجة المعامل إلى استخدام التقانات الحيوية، في توفير المادة الدوائية التي تدخل بالمنتجات التي تنتجها هذه الشركات الدوائية، وكل البحوث التي شاركت هي بحوث متعلقة بأصناف دوائية نباتية، وهي بحاجة إلى تقانات حديثة لإضفاء قيمة مضافة تكسبها جودة إضافية، تكون معدة للتصدير بشكل آمن ومن دون أي أثار جانبية، ولديها الإمكانية مستقبلاً للمنافسة في الأسواق.
كل منا يكمل الآخر
رأى د. جمعة الزهوري عميد كلية الصيدلة الأسبق، والذي ترأس معظم جلسات الورشة أن أهميتها تنطلق من ربط الجامعة بالمجتمع، في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها الوطن والحصار الجائر عليه. هذا الربط يمكن أن يتحقق ما بين جامعة دمشق، وهيئة التقانة الحيوية، ومصانع الأدوية المحلية، وستكون الفائدة مشتركة، فكل منهما يكمل الآخر، والجامعة تقدم الجانب العلمي، والحلول لأي مشكلة تصادف معامل الأدوية، ولدى الهيئة العامة للتقانة الحيوية بحوث ستفضي إلى تصنيع مواد تماثل المادة الدوائية الفعالة، والتي إذا تمت تنقيتها بشكل جيد، واعتمدت من وزارة الصحة، ستوفر الكثير من القطع الأجنبي على البلد، كما تؤمن المواد اللازمة للعاملين في القطاع الدوائي بتكلفة زهيدة جداً، إذا ما قيست بعلمية الاستيراد لها من الخارج.
د. الزهوري: تفعيل التعاون العلمي والبحثي ما بين القطاع الخاص والمصانع وقطاع التقانة الحيوية
وأضاف: لقد لاحظنا أنه عندما نريد استخلاص مثلاً واحد كيلو غرام من الديجوكسين فنحن بحاجة إلى ألف كيلو من النبات الجاف، وهذا يتطلب مساحات واسعة جداً من الخضار، لكننا حين ننتجها في التقانة الحيوية لا يحتاج الأمر لأكثر من مختبر، يكون بشكل طابقي، ويتم إنتاجه بهذا الشكل، وأتمنى أن يعمل بالتوصيات التي خرجنا بها، والتي ركزنا فيها على تفعيل التعاون العلمي والبحثي ما بين القطاع الخاص والمصانع وقطاع التقانة الحيوية، وكأساتذة جامعة نضع أيضاً خبراتنا في تطوير العمل، وحل أي مشكلة قد تقع في تلك المعامل بقطاع الأدوية، لأن تلك المشكلة قد تؤدي لخسارات كبيرة.
وتبقى المسألة المهمة تكمن في استثمار النتائج البحثية التي تقوم بها التقانة الحيوية، ونستفيد مما تقوم به لتأمين المواد الفعالة، ما يوفر على المعامل القطع الأجنبي، وستكون الأسعار أرخص بعشرات المرات، وهناك العديد من الأبحاث المهمة التي تحقق ذلك.
التعاون البحثي
وأشارت د. راما عزيز من كلية الهندسة الزراعية لأهمية الورشة، لأن محورها في مجال النباتات الطبية، وقد عرضت مجموعة من الرؤى، من الجهات المختلفة والجهات البحثية من كليتي الصيدلة والزراعة، والهيئة العامة للتقانة الحيوية، مع شركات القطاع الخاص المهتمة بإنتاج الأدوية النباتية، وبعض المعامل التي تعنى بإنتاج “الشايات”، فكان التركيز على أهمية تلك المنتجات والنباتات الطبية، وضرورة توجيهها بالشكل الصحيح، والاستفادة ما أمكن من التوصيات والبحوث العلمية التي تنجز في الهيئات البحثية والأكاديمية، لتأمين المواد الأولية للصناعات الدوائية، فنوفر القطع الأجنبي بدلاً من استيرادها، كما نؤمن القطع الأجنبي عند تصديرها إلى الخارج.
د. عزيز: لدى كلية الهندسة الزراعية العديد من البحوث العملية من شأنها زيادة تركيز المادة الفعالة
وتم التأكيد خلال الورشة على التعاون البحثي، بحيث لا يقتصر التعاون على الاستفادة من المادة الأولية في المعامل، وإنما يكون هناك تعاون مشترك بين المعامل من جهة، والجهات البحثية من جهة أخرى، وخاصة مع ازدياد الحاجة للنباتات الطبية، والتي لا يوجد لها أي تأثيرات جانبية، إذا ما استخدمت بالشكل الصحيح، وتكاليفها بسيطة جداً، ومتوفرة في بيئتنا المحلية، ولدينا في كلية الهندسة الزراعية العديد من البحوث العملية، من شأنها زيادة تركيز المادة الفعالة في المواد، وعلى الشركات الاستعانة أو الاستفادة من نتائج أبحاثنا، لأن لدينا كمّاً كبيراً من النتائج، التي تزيد تركيز المادة الفعالة، وتوفر التكاليف الاقتصادية للمشروع، وأبواب الجامعة مفتوحة، ونتائجنا نضعها بين أيدي المهتمين، وخبرات الجامعات والهيئة تحت تصرف الجهات الخاصة، لأن هذا العمل متكامل في النهاية لربط الجامعات والمراكز البحثية بالمجتمع، بغية الارتقاء بالمنتج السوري.
ضمن الشروط المثلى
وأوضحت الدكتورة رانيا عبود أن التزام شركة أوغاريت بالامتيازات التي حصلت عليها، ولا تزال قائمة حتى الآن، من شركات ألمانية وكورية وهندية، تجعل الخلاصات لديهم تأتي جاهزة، وتالياً لا يمكن الاستفادة في ظل هذا الواقع مما قد يتاح على الصعيد المحلي، وهذا ما يحقق بحسب تعبيرها جودة تصنيعية عالية جداً، مضيفة، لكننا يمكن الاستفادة من تلك الأبحاث التي عمرها سنوات، في المواد التي لا يوجد امتياز لدى شركتنا، والتي نستوردها من الصين والهند، شريطة أن تكون المستخلصات ضمن الشروط المثلى لعملية التصنيع الدوائي النباتي، ولتحقيق الاكتفاء الذاتي.
د. العموري: تطبيق البحوث المنجزة ووضعها أمام معامل الأدوية
تطبيق البحوث المنجزة
رئيس قسم التقانات الحيوية للنباتات الطبية في الهيئة العامة للتقانة الحيوية الدكتور يوسف نور الدين العموري، تحدث أن الهدف من الورشة ربط البحث العلمي بالمجتمع، من خلال تطبيق البحوث المنجزة لدى الهيئة، ووضعها أمام معامل الأدوية، وكانت هناك نظرة جديدة خلال الورشة إلى علم النباتات الطبية أو علم العقاقير، بأن هذا العلم باستخدام التقانات الحيوية وتطبيقه، له مناحٍ أخرى يجب استثمارها والاستفادة منه، لحل كثير من المشكلات المتعلقة بهذا العلم، ومن أهمها عدم تواجد النباتات على مدار العام، وكفاية المادة النباتية، والأراضي، ووجود النباتات في البيئة السورية، وهو ما أوجدت الهيئة العامة للتقانة الحيوية الحلول له، وهناك أمثلة موجودة بكثير من النباتات، تم حل هذه المشكلات من خلال زراعتها في مزارع خلوية، وهي نباتات لا تنمو في البيئة السورية، وبعضها ذات قيمة دوائية عالية، وتم استثمارها باستخدام هذه التقانات للحصول على المواد الفعالة منها، وهذه النتائج يجب المبادرة بتطبيقها ، لتكون الأبحاث رافداً للقطاع الدوائي وداعمة له، من الناحية التطبيقية وليس فقط البحثية.
وقريباً ستكون هناك ترجمة للتقارب بين القطاع الخاص والهيئة العامة للتقانة الحيوية في مجال النباتات الطبية، واستخدام التقانات الحيوية لحل مشكلات كثير من المعامل الدوائية التي تعنى بالتصنيع الدواء النباتي.