الجريمة المُفرطة

تشرين- ادريس هاني :
– ثلاثون يوماً من استهداف أطفال غزّة بالنّار، كانت كافية لرسم صورة عن أقصى جريمة مفرطة، عن احتلال تجاوز قواعد الاحتلال نفسه، إن كان للاحتلال قواعد، إنّه بالفعل يرسم صورة واضحة عن عجز القوة، ذلك المفهوم الذي جعله برتراند بادي عنواناً عامّاً لعلم النفس المرضي للعلاقات الدّولية.
– تلويح من يسمى بـ«وزير التراث» إلياهو في حكومة نتنياهو بدراسة خيار استعمال القنبلة النووية ضدّ غزّة، ليس جنوناً فقط، كما جاء في توصيف عدد من المراقبين، بل هو تلويح يرقى إلى جريمة يُرتّب عليها القانون الدولي أثراً، باعتبارها منافية للقانون الإنساني الدولي، ناهيك عن الأثر المترتب عن جرائم حرب وجريمة الإبادة الجماعية، بمقتضى اتفاقيات جنيف مُضافاً إليها بروتوكول 1977 المتعلق بحماية المدنيين. وعلى الرغم من أنّها رسالة ملغومة موجهة للأطراف المعنية بالمعركة الكبرى المفترضة، إلاّ أنّها تعكس اضطراباً عميقاً وعقدة المصير الغامض للاحتلال.
– لا زال هناك جهل بفلسفة المُخاطرة التي ينهجها الاحتلال، في سياق حرب الإخضاع والقوة المفرطة، الاحتلال يبحث عن الاعتراف، وهو ينتظر استسلاماً مطلقاً من الشعب الفلسطيني، وهنا تلتقي فلسفته مع فلسفة الغرب، من حيث كلاهما يمتحي من المعين نفسه، الأطفال هم وسيلة ضغط لنزع الاعتراف.
– من بين نجوم هوليود الأبرز الذين امتلكوا الشجاعة لإدانة الاحتلال ووصفه بالإرهاب، نجوم من أصول إيطالية: آل باتشينو، روبير دي نيرو، ميل جيبسون.. يخشى اللوبي الإسخريوطي من اللّوبي الإيطالي، وإن كان فرانكو نيرو في مسلسل (21 Hours at Munich)، رضح للسردية المستوحاة من «دم إسرائيل» لسيرج غروسار.
– ليس الشّتات كما تعترف به شريحة واسعة من اليهود الرافضين لفكرة الدّولة، خطراً على هذه الجماعة التي عاشت في كنف دول كثيرة، إنّ الشّتات كان رحمة بالعالم ورحمة بجماعة لا تستطيع أن تستبد بدولة، لأنّ ذلك يثير لديها غريزة التدمير ونفي الآخر، الشتات رحمة بها ورحمة بالعالم، لقد أظهروا بما فيه الكفاية، أنّهم يرفضون حتى حلّ الدولتين، لقد تورطوا بقدر ما ورّطهم وعد بلفور.
– يذهب المؤرخ توماس فيسكوفي -في مقال له- في «لوموند ديبلوماتيك» إلى فشل حلّ الدولتين، ويرى بالإحالة إلى أميرة هاس من صحيفة «هارتس» بأن إنشاء الجيوب الفلسطينية جاء نتيجة تسوية داخل مؤسسة الاحتلال، وذلك يعني إعادة تحديد معالم الاحتلال للقضاء على الفلسطينيين سياسياً ومحوهم من الوجود.
يبدو أنّ ثمة نكبة أخرى على المسرح السياسي، يوم التقسيم، والاعتراف بالدولتين الذي كان مدخلاً لضمان اعتراف بالاحتلال، سيستكمل توسعه من خلال الحرب والاستيطان، وفرض الاستقالة على الشعب الفلسطيني.
– سبق أن كشف بيريز عن أنّ حروب الاحتلال ليس لها أفق، وذلك حين نظّر للشرق الأوسط الجديد، كمخرج لهذا الانسداد، لقد اعترف بما سماه عقم الحرب، وهو يقصد عقم الحرب الشّاملة، إذ كان في نظره أنّ العرب لن يستطيعوا هزم «إسرائيل» وهو يعني النظام العربي الرّسمي، إلاّ أنّ «إسرائيل» لن تستطيع إملاء شروط السلام على العرب، كل حرب لن تكون حاسمة، بل تفتح إمكانية حرب أخرى، يحكم بيريز على أنّ الاحتلال لن يحقق نصراً كلّياً، ومن هنا فإنّ «زمن الحرب الشاملة قد ولّى إلى غير رجعة»، أقول: هذا بالنسبة للدول العظمى فما بالك باحتلال ينطوي على بذور التفكك في بنيته التناقضية.
– إذا كان بيريز يصف المقاومة الفلسطينية يومئذ، بما في ذلك منظمة التحرير الفلسطينية، بالإرهاب، وبأنّ الحرب الشاملة مستحيلة، والنصر الكامل غير وارد، وبأنّه لا بدّ أن يوجد بديل حينما تتخلى منظمة التحرير عن خيار المقاومة، فالسيناريو اليوم ليس مُفاجئاً.
– إنّ كمية الرسائل المتبادلة تعزز وجود ما بتنا نسميه لعنة قواعد الإشتباك، تلك القواعد التي تجعل حماية المدنيين من حرب الإبادة قضية ثانوية، لا توجد فرصة أكثر مما يقع اليوم في غزّة للرّفع من إيقاع الرّدع، هناك أكثر من سيناريو مُفترض حالت دونه السياسة والحسابات ولعنة قواعد الإشتباك، إنّ الاحتلال يعيش بين خيارين: حرب شاملة يحترق معها الاحتلال، أو انتظار لحظة التفكك الأكبر، لأنّ البنية السوسيو- ثقافية والسياسية للاحتلال هشّة في الحرب والسلم.
– إنّ ما هو مهمّ في هذه المعركة، هو الثمن الباهض الذي دفعه الشعب الفلسطيني لإعادة بعث قضيته من تحت الرّماد، إنّها باتت الحدث العالمي الأبرز على الإطلاق، إنّ العالم أيضاً يشهد على وحشية الاحتلال، وما كانت تخفيه بروباغاندا الاحتلال، أظهرته الحرب، حتى الآن آلاف الأطفال قضوا تحت القصف الوحشي للاحتلال، هل هؤلاء إرهابيون؟
كاتب من المغرب

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار