يعني الأمان والقدوة والسند.. غياب الأب عن تربية أبنائه يسبب فجوة كبيرة في حياة الأسرة
تشرين – دينا عبد:
وجود الأب في حياة أبنائه يعني الأمان، وبالوقت نفسه القدوة والسند، فالأبناء يحتاجون إلى الشعور بالحماية والرعاية عما يجدونه لدى الأم لأنه الراعي الأساسي للأسرة والدرع الواقية للزوجة نفسها ثم للأبناء، الذين هم بحاجة للشعور بالاطمئنان والأمان من جانب الأب.
الباحث في القضايا التربوية والاجتماعية الدكتور حسام الشحاذة وفي رده حول أهمية دور الأب في تربية الأبناء أجاب بأن الكثيرين يعتقدون أن تربية الأبناء مسؤولية خاصة بالمرأة، ولا دخل للرجل فيها، ويهملون دور الأب المهم في حياة أبنائه، وهذا الاعتقاد خاطئ بالطبع، لأن تربية الأبناء مُهمة عظيمة وصعبة في الوقت ذاته، ويجب ألا تُلقى كاملةً على عاتق المرأة فقط، فالبناء السليم لشخصية الأبناء يحصل من تكامل دور كل من الأم والأب طوال مراحل النمو المختلفة بشكل متوازن وسليم.
باحث في القضايا التربوية والاجتماعية: كثيرون يعتقدون أنها مسؤولية خاصة بالمرأة ولا دخل للرجل فيها
غياب الأب
وحسب الدكتور الشحاذة، فإنه في حالة غياب الأب أو التقصير بدوره تجاه أبنائه بسبب الطلاق أو الوفاة أو هجر المنزل، كل هذا يسبب فجوة كبيرة في حياة الأسرة، لاسيما من النواحي النفسية والانفعالية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية، ومن ملاحظاتنا اليومية يمكن سرد كثير من الأمثلة حول تدهور نمو شخصية الأبناء نفسياً وسلوكياً وتربوياً واجتماعياً بسبب غياب الدور الرئيس للأب في حياة أبنائه، إذ يلاحظ اضمحلال شعور الأبناء بأبوته ومكانته لديهم، فكثير من المشكلات السلوكية والتربوية والاجتماعية في حياة الأم والأبناء يساهم الأب في إيجاد الحلول المناسبة لها، وحلها فعلاً، ومن الخطأ أن يصبح الأب ضيفاً على بيته، ولا يعلم شيئاً عن أمور أبنائه ومشكلاتهم، إذ إن تهميش دور الأب المعنوي وحصره في التمويل فقط، له أثره البالغ في حياة أبنائه، فلا شك بأن هذا يُسبب شرخاً في أنفسهم وعدم استقرار نمو الشخصية لديهم، لاسيما في مرحلتي الطفولة المتأخرة والشباب، وأن أي تهاون أو تفريط بدور الأب ومسؤولياته تجاه أبنائه، قد يؤدي إلى انحلال الأسرة وانحراف الأبناء، أو انخراطهم في غياهب الجنح أو ارتكابهم للجريمة، ففي مجتمعاتنا الشرقية فإن دور الأب هو الأقرب إلى تمثيل السلطة المنزلية أكثر من الأم، لأن الأم يغلب عليها عاطفة الحنان والتسامح مع الأبناء، بينما يقوم الأب بإرساء حدود السلوكيات لدى الأبناء، وتحديد الجائز أو المسموح به والممنوع ليتعلم الأبناء التمييز بينها.
الدور الأكبر للأم
وأوضح الدكتور الشحاذة أنه في مرحلة الطفولة المبكرة، يتلخص الدور الأكبر في رعاية الأطفال حديثي الولادة للأم، فهي التي ترضعهم، وتساعدهم على النمو، وتلاعبهم وتحملهم، لكن هذا لا يعني تنحي الأب جانباً وترك المسؤولية بأكملها للأم، بل يجب عليه المساهمة في أدوارها قدر الإمكان، وحمل أبنائه ومحادثتهم وملاعبتهم، فذلك يعود بالنفع عليهم، وذلك بأن يقوي العلاقة بين الأب وأبنائه منذ ولادتهم، ويجعلها علاقة مملوءة بالحب والمودة، ويجعل الأطفال ينظرون لوالدهم على أنه مصدر للحب والأمان والراحة كالأم تماماً، ويعزز النمو العقلي والبدني للأطفال، ما ينعكس إيجاباً على سلوكياتهم الخاصة عندما يكبرون.
أكثر أهمية
وأشار الدكتور الشحاذة إلى أنه في مرحلة الطفولة المتوسطة والمتأخرة يصبح دور الأب أكثر أهمية وأكثر سهولةً ومتعة أيضاً، ففي هذه المرحلة يستطيع الأب مشاركة أبنائه في أنشطتهم الخاصة، وتعليمهم العديد من الأشياء، ومساعدتهم في استكشاف الأِشياء الجديدة وتجربتها، خاصة عند انشغال الأم بالأعمال المنزلية، وهذا أيضاً يشبع فضول الأطفال للاستكشاف والتعلم برفقة والدهم بوجود أيد أمينه ترعاهم وترشدهم وتحميهم، ويحول العلاقة بين الأب وأطفاله إلى علاقة صداقة قوية وجميلة، ويعزز من ثقة الأطفال بأنفسهم وبقدرتهم على إنجاز وتعلم الكثير من الأشياء في حياتهم، وينمي نقاط القوة لديهم، ويقوي مهارة حل المشكلات لدى الأبناء، نتيجة مشاهدتهم طريقة والدهم في العثور على الحلول المتنوعة للعقبات التي تواجهه في وجودهم، كما يقوي قدرة الأطفال على بناء روابط اجتماعية وعاطفية قوية في المستقبل.
أكثر قبولاً
ونوه الدكتور الشحاذة إلى أنه في مرحلة المراهقة كثيراً ما يكون رأي الأب وتوجيهاته أكثر قبولاً لدى المراهقين من رأي أمهاتهم، وخاصة إذا بنى الأب قاعدة قوية وعلاقة متينة مبنية على المحبة والاحترام مع أبنائه منذ طفولتهم، مع وجود حزم الأب وجديته، وهذا يساعد على تقبل الأبناء لرأيه في هذه المرحلة العمرية المعقدة نوعاً ما، وهذا يساهم في تنمية الثقة بالنفس لديهم، وتعلم الأبناء من آبائهم بالقدوة الحسنة، وتعزيز شعورهم بالاستقرار والأمان، وأنهم يعيشون في أسرة متحابة ومترابطة، ويساعدهم على مقاومة الضغوط والمشكلات التي قد يمرون بها في حياتهم، ويجعلهم أقدر على الدفاع عن أنفسهم، كما أن حصول الفتيات خاصةً على الحب والحنان الكافيين من الأب يجعلهن أقوى عاطفياً، ويحميهن من الاستغلال لمجرد الحصول على بعض المشاعر من الأشخاص الخطأ.
قدوة لأبنائه
أما في مرحلة الشباب والرشد فيوضح الدكتور الشحاذة أنه يمكن تلخيص أهم الأدوار التي يمكن أن يقوم بها فيكون الأب صديقاً لأبنائه يتحدث إليهم من دون توجيهات ومن دون شروط أو أحكام، فيصبح قريباً منهم، ويعلمهم العديد من الأشياء المفيدة بشكلٍ غير مباشر، ويمكن للأب أن يعلم أبنائه العديد من الأشياء، حيث يمكنه تعليمهم مهارات استخدام الحاسوب مثلًا، أو ركوب الدراجة، أو الحساب، أو كرة القدم، وغيرها من المجالات، وكذلك يمثل الأب دائماً دور البطل الخارق في حياة أبنائه، فهو الذي يحميهم ويساعدهم على تحمل أعباء الحياة، ويقوم بالأمور التي يصعب على الأم القيام بها، ولهذه عليه أن يحافظ على صورته هذه، فيحميهم ويدافع عنهم ويعلمهم كيفية اجتناب الخطر والدفاع عن أنفسهم، كما يجب على الأب أن يكون قدوة لأبنائه، وأن يتصف بالصفات التي يُحب أن يتحلى بها أبناؤه، حتى يتعلموا منه هذه الصفات بالقدوة، ويقوموا بكل الأمور الطيبة التي يقوم بها هو قبلهم.
كما يجب على الأب أن يحاول تأمين جميع الاحتياجات المادية لأبنائه، فهو المعيل الأول لهم، لكن عليه أيضاً أن يتشارك مع الأم في تعليم أبنائهم أهمية العيش ضمن إمكانيات مادية محددة، وأن يكونوا مسؤولين ومستقلين مادياً في الوقت المناسب