” الثروة المحروقة” بدلاً من المازوت تُحرج الرسميين وتفتح شهيّة “الربح الحرام”..
تشرين- صفاء إسماعيل:
لا يزال الحطب يتربّع على عرش التدفئة، وخاصة في القرى الجبلية بريف اللاذقية، حيث لا ينفع مع البرد الشديد سوى مدفأة الحطب التي تجعل المكان الذي تتوسطه أكثر حرارة من ساعات ظهيرة آب، ولا شك أن توفّر الحطب، بعيداً عن شح المصادر النفطية والتقنين الجائر وصعوبة الحصول عليه، دفع به بكل أريحية ليتصدّر قائمة وسائل التدفئة الأكثر توفراً ودفئاً، بالرغم من أنه ليس الأكثر توفيراً على الجيب، وخاصة بالنسبة لذوي الدخل المحدود، في ظل ارتفاع سعر الطن الواحد إلى أكثر من مليون ليرة.
الخلل تنظيمي بالدرجة الأولى ومقايضة الرخيص بالثمين ستأكل الأخضر واليابس
جرياً على عادة، يستبق أهالي الريف الشتاء بعدّ العدّة لمؤونة الحطب، التي توضّب على مهل في آخر الصيف، و ما إن يدخل الشتاء مصطحباً البرد القارس، حتى تتوهّج مدافئ الحطب التي تمنح المكان دفئاً لمساحات واسعة يعجز المازوت والغاز والكهرباء عن تدفئتها، ناهيك باستخدام مدفأة الحطب لأغراض الطبخ وتسخين المياه.
الحطب للفقير والغني
الحطب هو الأنسب للشتاء من جميع الجوانب، هذا ما اتفق عليه من التقيناهم من مواطنين في قرى ريف جبلة، مدللين في حديثهم لـ”تشرين” بأن الحطب لا ينقطع خلال الشتاء، ويبقى متوفراً، ولو جرت العادة السنوية على أن تشهد أسعاره ارتفاعاً بالتوازي مع قدوم منخفض جوي شديد، ناهيك بأن الحطب يمنح الدفء، الذي يعجز المازوت وغيره من مصادر الطاقة، عن توفيره ولمساحات واسعة. كما أنه أوفر وأسهل من ناحية تأمينه وتخزينه، وإمكانية استخدام مدفأة الحطب في الطبخ وتسخين الماء، ما يوفر على الأسر استخدام الغاز المنزلي حتى لو كان هذا التوفير بسيطاً.
أرخص نوع حطب بمليون ليرة.. والطلب كبير من المحافظات الأخرى
وأشار الأهالي إلى أن المازوت، بغضّ النظر عن أنه لا يجدي مع برد القرى الجبلية الباردة، فإنه يتم توزيعه بالقطّارة، مبينين أن توزيع 50 ليتراً بموجب البطاقة الإلكترونية لا يكفي للتدفئة لأسبوع واحد فقط، فماذا عن بقية الشتاء، وخاصة في ظل ارتفاع سعر “بيدون” المازوت في السوق السوداء إلى 250 ألف ليرة، وصعوبة تأمينه؟ .
وأوضح الأهالي أن الحصول على الحطب سهل، في حال توفر المال، حيث يتم شراؤه في بداية الشتاء أو قبله، وتركه طول فصل الشتاء في المنزل، أما بقية وسائل التدفئة فهي إما عصية أو غير متوفرة كالكهرباء والغاز، ولذلك فإن الحطب هو خيار الجميع، الفقير لقيامه بقطع بعض الأغصان اليابسة من الأشجار اليابسة في بستانه أو من الحراج المجاورة له، والغنيّ الذي تشكل مدفأة الحطب طقساً ارستقراطياً له، ومبعث دفء للمنازل الكبيرة ذات الصالونات الواسعة.
وبيّن أحد الأهالي أنه يتعمّد شراء الحطب خلال الصيف، لأن سعره يكون أرخص من الشتاء، لأنه كما جرت العادة يقوم تجار الحطب برفع الأسعار مع أول منخفض بارد، مشيراً إلى أنه اشترى 2 طن حطب سرو بمبلغ 2.2 مليون ليرة، مؤكداً أن الكمية التي اشتراها لا تكفي سوى شهرين وذلك لأنه لا يمكن إطفاء المدفأة في القرى الجبلية نظراً للبرد القارس، وخاصة عندما يكون هناك أطفال صغار وكبار في السن، مضيفاً: عندما تنتهي الكمية، أشتري أي نوع من الحطب يكون سعره رخيصاً، فكل ما يمكن إشعاله يمكن شراؤه.
البدائل عاجزة عن منافسة الحطب بمنح الدفء لمساحات واسعة
تصريف للمحافظات الأخرى
أبو شادي تاجر حطب في ريف جبلة، لديه ترخيص، ولديه كل أنواع الحطب التي تتفاوت أسعارها حسب أنواع الأشجار، مدللاً بأن سعر الطن الواحد المرخّص من حطب الزنزريخ و الكينا والسرو والحور يتراوح بين 1-1.1 مليون ليرة، فيما يباع طن الزيتون والليمون بين 1.2- 1.3 مليون ليرة، مقطّع جاهز للوضع في المدفأة.
غلاء الحطب على إيقاع ارتفاع أجور النقل والعمالة وأسعار الخشب الصناعي
وأكد أبو شادي أن هناك زبائن يقصدونه لشراء الحطب منذ الصيف، وذلك لإعداد مؤونة الشتاء من الحطب، مشيراً إلى أن الطلب مستمر على الحطب طوال العام، وهناك طلب كبير للمحافظات الأخرى، وذلك لأن أغلبية سكان القرى الجبلية يعتمدون على الحطب في التدفئة.
وعزا أبو شادي ارتفاع سعر الحطب بنحو الضعف عن العام الماضي، إلى ارتفاع أجور النقل والعمال، ناهيك بارتفاع أسعار الخشب الصناعي عالمياً كالسوّيد والشوح المستوردين، متوقعاً أن ترتفع أسعار الحطب مع بداية الشتاء.
حطب الزراعة.. ليس مرغوباً
وحول الحطب الذي تقدمه مديرية الزراعة للعائلات الراغبة بالتدفئة على الحطب، أكد عدد من المواطنين أن السعر الذي تم تحديده بـ500 ألف لطن الحطب، عصيّ على ذوي الدخل المحدود، الذين بالكاد يكفي راتبهم الشهري للطعام والشراب في ظل غلاء المعيشة، فيما أشار آخرون يسكنون في الريف إلى أن العائلة الواحدة تحتاج في الشهر الواحد لطن من الحطب، وهذا يعني أنها تحتاج لأكثر من الكمية المسموح بها للشراء.
فيما بيّن مواطنون أن حطب الصنوبر الذي تبيعه مديرية الزراعة للمواطنين، ليس مرغوباً، لأنه يشتعل سريعاً ويحترق سريعاً، ما يعني أنه لا يدوم طويلاً ويحتاج إلى تزكية المدفأة بشكل دائم لتبقى مشتعلة على خلاف أنواع الأخرى من الحطب كالزيتون والحور والليمون، التي تبقى نارها متّقدة لوقت أطول بكثير من الصنوبر.
تزايد التعديات على الحراج
بدوره، بيّن مدير حراج اللاذقية المهندس جابر صقور لـ”تشرين” أن التعدّيات على الثروة الحراجية تزايدت خلال الأعوام الأخيرة، عازياً السبب وراء ذلك إلى جملة عوامل، مدللاً بتردي الوضع المعيشي وتراجع فرص العمل، وخاصة في الأرياف حيث تتركز الثروة الحراجية، وقلة مصادر الطاقة من مازوت وغاز، وارتفاع أسعارها بشكل كبير، ما دفع شريحة واسعة من الأهالي إلى اللجوء للتحطيب كبديل عن المحروقات لسد الاحتياجات المنزلية.
حطب الصنوبر الذي تبيعه مديرية الزراعة للمواطنين، ليس مرغوباً، لأنه يشتعل سريعاً ويحترق سريعاً
وحسب صقور، زيادة وتيرة التعديات على الغابات والأحراج، وامتهان البعض للتحطيب لأغراض التجارة وتهريب الأخشاب، أدت إلى صعوبات كبيرة حول حماية الحراج، بالرغم من الإجراءات المشددة المتخذة من قبل دائرة الحراج للحدّ من ظاهرة التعدّي على الغابات، مدللاً بتكثيف الجولات الميدانية التي يقوم بها عناصر الضابطة الحراجية على المواقع الحراجية، وإقامة الكمائن الليلية لملاحقة المخالفين وتسليمهم إلى الوحدات الشرطية، بالإضافة لتشكيل لجان محلية، مهمتها الحفاظ وحماية المواقع الحراجية من التحطيب الجائر، ناهيك بنشر الوعي وتقديم الإرشادات للقاطنين بجوار الغابات حول كيفية الاستفادة من منتجات الغابة بالشكل الأمثل، من خلال ندوات إرشادية تقيمها دائرة الحراج.
وأكد صقور أنه بالرغم من القيام بكل الإجراءات لقمع المخالفات، إلا أن الإمكانيات المادية والبشرية والناحية القانونية للإجراءات لم تكن كافية لوقف هذه التعديات، مشيراً إلى أن تنظيم الضبوط الحراجية وإحالتها إلى القضاء وفقاً لأحكام قانون الحراج رقم /6/ لعام 2018 وقانون الضابطة الحراجية رقم/41/لعام 2006 لم يردع المخالفين بالشكل المطلوب، وإنما فقط أدى إلى تخفيض بسيط في وتيرة المخالفات، ولفت إلى أنه تم خلال العام الماضي 2022 تنظيم 705 ضبوط حراجية وحجز 87 آلية، فيما تم تنظيم 718 ضبطاً حراجياً حتى 4 تشرين الأول الحالي، وتمت مصادرة 86 آلية.
105 أسرة حصلت على الحطب خلال هذا العام بكمية 93 طناً لغاية تاريخه
وأوضح صقور أنه يوجد 163 عنصر ضابطة حراجية في دائرة الحراج، قسم كبير منهم أصبح غير لائق للعمل في الضابطة الحراجية وتقدّم بالعمر أو لأسباب صحية وأمراض مزمنة، و هذا العدد غير كافٍ لتغطية حراج المحافظة المنتشرة بشكل واسع على مساحة المحافظة كلها، حيث تبلغ عدد المخافر الحراجية 29 مخفراً, منها ثلاثة مخافر خارج الخدمة نتيجة الظروف الأمنية في مناطق وجودها.
وأكد صقور أن القطع من المواقع الحراجية يعدّ مخالفة يعاقب عليها قانون الحراج رقم 6 لعام 2018 بالمادة 32 منه الفقرة أ والتي تنصّ على أنه “يعاقب من يرتكب جرم القطع أو القلع أو الإتلاف أو التشويه للأشجار والشجيرات في حراج الدولة بالحبس من 6 أشهر إلى سنتين وبالغرامة من خمسمئة ألف إلى مليون ليرة “، حيث تقوم عناصر الضابطة الحراجية التابعة لدائرة الحراج بتنظيم الضبط الحراجي اللازم وتقوم الوحدة القانونية بإحالته إلى القضاء.
كما بيّن أن دائرة الحراج لا تزال تبيع الحطب للتدفئة للعائلات الراغبة بالشراء، حيث تقوم فرق التربية والتنمية ضمن خطة سنوية بتجميع الأحطاب الناتجة في مراكز التجميع التابعة لدائرة الحراج في مديرية الزراعة في اللاذقية وتباع للمواطنين بما لا يتجاوز 1 طن بسعر 500 ألف ليرة، ولمرة واحدة بموجب البطاقة العائلية، مشيراً إلى أن عدد الأسر المستفيدة خلال هذا العام 105 أسر بكمية 93 طن حطب لغاية تاريخه، وعملية البيع مستمرة وفقاً للكميات المتوافرة.