دمشق – بكين.. شراكة المواجهة واستراتيجية متكاملة تتعدى الثنائية إلى الفضاء العالمي وفي خدمة الجميع
تشرين – هبا علي أحمد:
إعلان الشراكة الاستراتيجية بين سورية والصين بكل تفاصيلها ومجالاتها، خلال لقاء قمة بين الرئيس بشار الأسد ونظيره الصيني شي جين بينغ، نقطة تحول تنقل العلاقة بين البلدين إلى أطوار أكثر تقدماً وتؤسس لمرحلة أكثر عمقاً وفاعلية وتأثيراً تنطلق أهميتها من اتجاهين:
الأول، العلاقات السورية الصينية وانعكاس الشراكة الاستراتيجية عليها في السياسة والاقتصاد على قاعدة المصلحة والمنفعة المشتركة.
زيارة الرئيس الأسد للصين حدث مفصلي على الساحة الدولية في ظل التطورات المتسارعة حيث ينفض العالم غبار الأحادية عنه ليرتدي حلّة التعددية
الثاني، انعكاس تلك الشراكة على مجمل التطورات الدولية في السياسة والاقتصاد أيضاً.
وأهمية الاتجاه الثاني تنطلق من موقع سورية والصين في خارطة الجغرافيا السياسية، ومدى تأثير كل منهما، إلى جانب شراكة المواجهة، فالصين باتت رقماً صعباً في المعادلة الدولية، وسورية رغم الحرب والإرهاب والحصار الاقتصادي الجائر، إلا أن الدولة بشعبها ومؤسساتها بقيت صامدة وهو ما غيّر من المشهد الدولي برمته لما تشكله سورية من نقطة ارتكاز وأساس للمنطقة والإقليم وللقوى الحليفة.
تأتي زيارة الرئيس الأسد إلى الصين لتشكل حدثاً مفصلياً على الساحة الدولية في ظل التطورات المتسارعة حيث ينفض العالم عنه غبار القطبية الأحادية ليرتدي حلّة التعددية القطبية، إذ تشكل الصين مع روسيا وإيران وسورية أيضاً وغيرها من الدول ركائز أساسية في العالم الجديدة وركائز قطبية، ولا سيما مع اختلاف صياغة ذلك العالم القائم على توفير شروط العدل والسلام والأمن والاستقرار والحفاظ على سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وإثارة النزعات والخلافات والقلاقل، ومن ثم تثبيت العلاقات بين مختلف الدول وترسيخها وفتح الآفاق الواسعة أمام التعاون والشراكة، وهو ما سيعيد للعالم توازنه، إذا التقطنا اللحظة.
.. ما سبق محددات لا حياد عنها، ثبتها الرئيس الأسد بقوله: هذه الزيارة مهمة بتوقيتها وظروفها حيث يتشكل اليوم عالم متعدد الأقطاب سوف يعيد للعالم التوازن والاستقرار، ومن واجبنا جميعاً التقاط هذه اللحظة من أجل مستقبل مشرق وواعد.. وأكدها الرئيس جين بينغ بقوله: بكين مستعدة لتطوير التعاون مع سورية والدفاع المشترك عن العدالة الدولية في ظل ظروف عدم الاستقرار.
النقاط العديدة التي أكدها بيان الشراكة الاستراتيجية (والتي منها معارضة الجانبين بشكل قاطع الهيمنة وسياسة القوة بأي شكل من الأشكال، بما في ذلك فرض عقوبات أحادية الجانب وإجراءات تقييدية غير مشروعة على الدول الأخرى، والدفع لإقامة نوع جديد من العلاقات الدولية، ويعملان يداً بيد على بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية) نقاط جوهرية كما هي موجهة للبلدين، موجهة لبلدان العالم قاطبة، بما يمكن عَدّه دعوة سورية صينية مشتركة للمساهمة بإرساء أسس العالم الجديد على قاعدة مشاركة الجميع وتساوي الجميع في الحقوق والواجبات.
دمشق وبكين تتطلعان إلى إعادة تقويم منهجية لـ العلاقات الدولية بمفهومها الإنساني الصحيح وإعادتها إلى مسارها الذي حُيّدت عنه
الشراكة الاستراتيجية تعني شراكة بشقيها السياسي والاقتصادي وعلى مستوى دولي بالقدر ذاته على المستوى الثنائي، إذ إن من قصر النظر أن نحصر الشراكة بين دمشق وبكين في إطارها الثنائي، فتلك الشراكة تتجاوز الثنائية إلى الفضاء العالمي السياسي والاقتصادي الواسع وبما يخدم الجميع، انطلاقاً من الإيمان السوري الصيني بأن التنمية تكون مشتركة وهذه نقطة تلاقٍ غاية في الأهمية.
.. في السياسة تشير إلى تعزيز التحالف السوري- الصيني وتكريسه إلى جانب التحالف مع الدول الصديقة الأخرى بما ينعكس على تصحيح المسار العالمي الذي سادته لعقود طويلة هيمنة القوة الإمبريالية، وبما من شأنه أن يلعب دوراً مهماً في إخماد نار الصراعات وجذوة الخلافات وإبعاد شبح الحروب، صحيح أن المسار يتطلب جهداً ووقتاً والمزيد من العمل والمواجهة، لكنه مسار حتمي ومرغوب لدى العديد من الدول، والأهم أن ساعته دقت فالمراهنة دائماً تكون على البداية والتي أعيد التأكيد عليه سورياً وصينياً ومن بكين.
أما في الاقتصاد فالحديث يتفرع جداً وأيضاً تتفرع معه الفائدة.. من هنا كان لافتاً خلال زيارة الرئيس الأسد التوقيع على ثلاث اتفاقيات في السياق الاقتصادي، كاتفاق تعاون اقتصادي بين البلدين، مذكرة تفاهم مشتركة للتبادل والتعاون في مجال التنمية الاقتصادية، مذكرة تفاهم حول السياق المشترك لخطة تعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق.. أهمية هذه الاتفاقات تنبع من كونها محاولة للالتفاف، بمعنى مواجهة، العقوبات الأمريكية غير الشرعية المفروضة على سورية أي محاولة دعم ومساندة صينية للنهوض بالاقتصاد السوري ربما تتضمن استثمارات واعدة والمساهمة في عملية إعادة الإعمار أملاً بانعكاس ذلك إيجاباً على الظروف المعيشية، هذا من جهة… ومن جهة أخرى إذا تحدثنا في سياق خطة التعاون في إطار الحزام والطريق فالفائدة جمعية من الصين إلى سورية كعقدة جغرافية وصلة وصل إلى السوق الخليجية ومن ثم أوروبا، وفي كل هذا إذا سارت الأمور إلى خواتيمها ضربة للهيمنة الأمريكية.
النهوض يحتاج إلى إنسانية ومسؤولية قانونية وأخلاقية ويحتاج إلى التفكير بمشاريع تصب في خدمة الجميع وهذا كله متوافر لدى دمشق وبكين
النهوض يحتاج إلى إنسانية ومسؤولية قانونية وأخلاقية، كما يحتاج إلى التفكير بمشاريع تصب في خدمة الجميع، وهذه العناصر متوافرة لدى كل من دمشق وبكين، لذلك كانت لافتة إشارة السيد الرئيس خلال القمة إلى_ أن الصين تقف مع القضايا العادلة للشعوب، منطلقة من المبادئ القانونية والإنسانية والأخلاقية ورغم أنها دولة كبرى ومتقدمة وقوية اقتصادياً لم تفقد إنسانيتها وهذا محور مواجهة إضافي مع الغرب المتغطرس الذي أفقد العلاقات الدولية مضمونها الإنساني وحولها إلى مادية تتجاوز الإنسان، من هنا فإن دمشق وبكين تتطلعان إلى إعادة تقويم منهجية لـ «الإنسانية الدولية» بمفهومها الصحيح وإعادتها إلى مسارها الذي حُيّدت عنه..
الصين رغم أنها دولة كبرى ومتقدمة وقوية اقتصادياً لم تفقد إنسانيتها وهذا محور مواجهة إضافي مع الغرب المتغطرس الذي أفقد العلاقات الدولية مضمونها الإنساني
والنقطة الأخرى التي يحتاجها العالم متوافرة في الصين أيضاً وهي السعي للتكامل وليس التصادم، وهو ما نوّه به السيد الرئيس في حديثه عن مبادرات الصين المهمة، مبادرة الحضارة العالمية والأمن العالمي والتنمية العالمية المتجسدة في مبادرة الحزام والطريق التي تهدف إلى تحقيق الأمن والتنمية للجميع عبر التكامل لا عبر الصدام.
ما نود قوله إن زيارة الرئيس الأسد إلى الصين ولقاء القمة مع الرئيس الصيني شي جين بينغ وما رشح عنها أسس لبداية جديدة في العلاقات الثنائية، إضافة إلى أنها فرصة لمن لم يلتقط الفرصة بعد لالتقاطها، مستفيداً من محددات يمكن أن يُؤخذ بها، الشراكة والتكامل والإنسانية، والارتكاز عليها للعمل الجمعي الحثيث الجاد والفعلي للتحول النهائي لعالم متعدد الأقطاب وكسر الهيمنة الأمريكية السياسية والاقتصادية.