215 مليار دولار التكلفة الاقتصادية للكوارث الطبيعية.. والأعاصير والفيضانات وحرائق الغابات والهزات الأرضية والزلازل تزيد الخسائر النقدية بنسبة 26.5 في المئة

تشرين – رصد:
كانت سورية من الدول التي شهدت كوارث طبيعية تمثلت بالزلزال المدمر في شهر شباط الماضي 2023 الذي تم بسببه إعلان أربع مدن في خانة المدن المنكوبة وهي حلب واللاذقية وحماة وإدلب ما كبّد الاقتصاد السوري والبنية التحتية خسائر كبيرة، إضافة إلى الخسائر والأزمات التي يعاني منها الاقتصاد بسبب الحرب.. ويمكن القول إن العالم والكثير من الدول شهدت كوارث كبيرة كان آخرها زلزال المغرب والفيضانات في ليبيا وعلى المستوى العالمي يقدر إجمالي الخسائر المالية التي لحقت بالاقتصاد العالمي نتيجة الكوارث البيئية والطبيعية التي ضربت العديد من الدول العام الماضي بما يزيد على 215 مليار دولار.
الأعاصير والفيضانات وحرائق الغابات والهزات الأرضية والزلازل كانت كفيلة بزيادة الخسائر النقدية في العام الماضي 26.5 في المئة مقارنة بنظيرتها في عام 2019 التي بلغت حينها 166 مليار دولار، وقد نجم عن ارتفاع تكلفة الكوارث الطبيعية زيادة ملحوظة في تكلفة التأمين على الأضرار، فمن 57 مليار دولار عام 2019 إلى 82 مليار دولار العام الماضي.
والتكلفة الناجمة عن تلك الكوارث لم تقف عند حدود التكلفة المادية، بل أدت أيضاً إلى خسائر ضخمة في الأرواح، حيث راح ضحيتها خلال عام واحد ما يقارب من 8200 شخص على مستوى العالم.
وعانت الولايات المتحدة بشدة من جراء الكوارث الطبيعية والضغوط الاقتصادية الناجمة عنها، ففي العام الماضي شهدت عدداً قياسياً من الأعاصير التي وصلت اليابسة، إضافة إلى موسم حرائق الغابات الأكثر نشاطاً في تاريخ أمريكا.
ووفقاً لبيانات الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، أسفرت 22 كارثة مرتبطة بالطقس والمناخ عن أضرار تقارب 100 مليار دولار، كما تركت بصمات واضحة على قطاع العقارات، وتقدر بعض الدراسات الحديثة أن 35 مليون منزل أو ما يقدر بثلث مخزون الإسكان في الولايات المتحدة بات معرضاً لخطر كبير نتيجة الكوارث الطبيعية.
ويقول لـ”وكالات” هنري دين من شركة التأمين الدولية آر إس أيه: “قفز إجمالي خسائر الاقتصاد الأمريكي العام الماضي نتيجة الكوارث الطبيعية إلى أكثر من 150 مليار دولار، مقارنة بـ51 مليار قبل عام، ومن بين أكثر عشر كوارث طبيعية عالمية ذات تكلفة مرتفعة، وقعت ست كوارث في الولايات المتحدة من بينها إعصار (لورا) الذي ضرب ولاية لويزيانا في آب الماضي، وأدى إلى خسائر قدرت بـ13 مليار دولار من بينها عشرة مليارات دولار مؤمّن عليها”.
وخلال العام الماضي كان موسم الأعاصير في منطقة شمال المحيط الأطلسي شديدة النشاط، حيث وصلت 13 عاصفة من 30 إلى حالة الإعصار، وأسفر موسم الأعاصير الذي ضرب أمريكا الشمالية عن خسائر بقيمة 43 مليار دولار، لم يكن مؤمّناً منها إلا ما قيمته 26 مليار دولار. بينما بلغت تكلفت العواصف الرعدية الشديدة التي ضربت الغرب الأوسط في الولايات المتحدة 40 مليار دولار، بزيادة تقدر بـ30 مليار دولار عن عام 2019.
الحرائق أيضاً كان لها نصيب واضح من الخسائر التي أصابت الاقتصاد الأمريكي، فقد بلغت القيمة الإجمالية لخسائر الحرائق التي اندلعت في كاليفورنيا وكولورادو وأوريغون ما يقرب من 16 مليار دولار لم يكن مؤمناً منها إلا ما قيمته 11 مليار دولار.
المشهد في القارة الآسيوية وتحديداً الصين لم يكن بعيداً عن المسار الأمريكي، فقد بلغ إجمالي خسائر القارة الآسيوية من الكوارث الطبيعية نحو 67 مليار دولار، بينما كانت تكلفة الأضرار في عام 2019 أقل 13 في المئة، ولم يتم التأمين سوى على ما قيمته 3 مليارات دولار فقط من الخسائر عام 2020، في الوقت ذاته بلغت خسائر الصين من الفيضانات فقط نحو 17 مليار دولار، لم يتم التأمين إلا على نحو 2 في المئة منها.
وبالنسبة لأوروبا كانت أرقام خسائر الكوارث الطبيعية حميدة نسبياً، مع 12 مليار دولار خسائر إجمالية، و3.6 مليارات دولار من الخسائر المؤمّن عليها.
من جهتها، تقول الدكتورة إبي فيليب أستاذة المناخ في جامعة غلاسكو: “الكوارث الطبيعية مثل الأعاصير والزلازل والجفاف والفيضانات لديها القدرة على قلب حياة السكان المحليين رأساً على عقب، وأيضا تكوين نفقات كبيرة على الحكومات والشركات والأفراد، وخلال العقد الماضي شهدنا كوارث طبيعية واسعة النطاق بوتيرة أكبر وأسرع مما قبل ومن ثم فإن تأثيرها المالي كان أكثر ضخامة”.

وتضيف، “لا شك بأن التغيرات المناخية تلعب دوراً مهماً في زيادة الكوارث الطبيعية، ولكن الزيادة السكانية غير المنظمة وعمليات البناء والإقامة في المناطق المعرضة للخطر، إضافة إلى نقص الاستثمارات الخاص للتأهب للكوارث سواء من قبل الحكومات أو الشركات أو الأفراد، وكذلك غياب الحوافز الخاصة والعامة للاستعداد للكوارث، يضاف لذلك ارتفاع تكلفة البناء بنحو 10 في المئة على الأقل إذ كانت التصاميم والمواد المستخدمة ذات طبيعة خاصة للتعامل مع الكوارث مثل الهزات الأرضية أو الرياح العاتية، كل ذلك يرفع من أعداد الضحايا والتكلفة المادية عند وقوع الكوارث”.
في الواقع فإن التكلفة الاقتصادية للكوارث الطبيعية والبيئية أكثر ارتفاعاً في البلدان الأكثر ثراء في العالم، حيث تدمر الكوارث الطبيعية البنية التحتية الأكثر تقدماً والأكثر كثافة رأسمالية بطبيعة الحال في البلدان الثرية مقارنة بلدان الفقيرة، إلا أن هشاشة الوضع الاقتصادي في البلدان النامية يجعل التأثير الاقتصادي للكوارث الطبيعية والبيئية ملموسا أكثر على مستوى المجتمع والفرد مقارنة بالبلدان الغنية وغالباً ما تكون التكاليف المباشرة للكوارث الطبيعية والبيئية أكثر وضوحاً، سواء كانت في الأضرار التي لحقت بالمباني التجارية والمنازل أو الحاجة الماسة لإصلاح الطرق وخطوط الكهرباء، لكنها تؤثر أيضاً في السكان المحليين بطرق أقل وضوحاً عبر تعطيل الأعمال التجارية أو العودة للعمل. لكن ما يتم تجاهله في الأغلب هو التأثيرات غير المباشرة لتلك الكوارث.
الخبير في مجال التأمين آر. دي. روسي يعلق قائلاً: “نتيجة التداخل الاقتصادي على المستوى الوطني أو الإقليمي أو العالمي، فإن الأفراد خارج المناطق المتضررة يتحملون تكاليف إضافية، ففي كثير من الأحيان يتعين على المستهلكين أن يدفعوا المزيد مقابل سلع معينة، فعلى سبيل المثال أدى إعصار كاترينا وريتا في الولايات المتحدة والأضرار التي أصابت مصافي تكرير النفط إلى ارتفاع أسعار البنزين 30 في المئة في المناطق التي تعتمد على إنتاج تلك المصافي خارج منطقة الكارثة”.
مع هذا تشير مجموعة من الدراسات الحديثة إلى أن التأثير الاقتصادي للكوارث الطبيعية والبيئية قد يكون في كثير من الأحيان مختلطاً، حيث تكون له العديد من الآثار الإيجابية اقتصادياً بما في ذلك تعزيز النمو، وربما تتمثل إحدى الآليات المحتملة وراء هذا التأثير الإيجابي في تعزيز إنتاجية قطاع الشركات في الاقتصاد.
تطلق الدراسات التي تتبنى هذا الموقف تعبير “التدمير الإبداعي” على القناة التي يمكن من خلالها للكوارث الطبيعية أن تعزز إنتاجية الشركات التي تنجو من الكوارث، نتيجة تحديث مخزونها الرأسمالي واعتماد تقنيات جديدة.
ويقول ألفريد سبنسر الاستشاري السابق في هيئة إدارة الكوارث الوطنية في المملكة المتحدة على فكرة “التدمير الإبداعي”: من وجهة نظر اقتصادية بحتة، وبعيداً عن التأثيرات الإنسانية والاجتماعية المدمرة للكوارث الطبيعية والبيئية، فإنه عادة ما تتعافى الشركات في المناطق المتضررة بسرعة عندما تعيد بناء ممتلكاتها وتجدد مخزونها، وقد وجدت مجموعة واسعة من الدراسات أن هناك مزيداً من الاستثمار من قبل الشركات الموجودة داخل المناطق المتضررة أكثر من تلك الموجودة في خارج تلك المناطق، كما أنه في الأغلب ما يكون لديها نمو أعلى في الأصول والعمالة مقارنة بالشركات غير المتأثرة.
ويعد ألفريد سبنسر أن الكوارث الطبيعية – من وجهة نظر اقتصادية محضة – تعمل في كثير من الأحيان كآلية انتقاء طبيعية تؤدي إلى خروج الشركات غير الفعالة من السوق، وهذا يؤدي إلى زيادة متوسط إنتاجية الشركا،. لكنه يشير إلى أنه إذا كانت الكارثة الطبيعية أو البيئية من الضخامة بحيث تخرج أيضاً الشركات ذات الكفاءة المرتفعة من السوق، فإن التأثير الاقتصادي يكون سلبياً، وهذا ما يدفع من وجهة نظره إلى القول إن التأثير الاقتصادي للكوارث قد يكون مختلطاً في كثير من الأحيان.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار