حراك سياسي جديد إيراني – روسي – أممي على وقع معادلات ميدانية جديدة .. لماذا لم يخرج لقاء بوتين أردوغان إلّا بالقليل من التصريحات حول سورية؟

تشرين – مها سلطان:
لأن لقاء بوتين – أردوغان الذي جرى في سوتشي أمس واستمر ساعة ونصف الساعة، لم يخرج إلا بالقليل جداً من التصريحات حول سورية بشكل عام، ومسار التقارب السوري- التركي بشكل خاص.. فإن التوقعات والتحليلات ستبقى رهينة «الجمود غير المفيد» بانتظار المحطات الجديدة من حراك سياسي جديد بدأ منذ أسبوعين تقريباً، وكان روسياً- إيرانياً، ليستمر خلال الأيام المقبلة بزيارة مرتقبة للمبعوث الأممي غير بيدرسون إلى سورية في إطار إعادة تنشيط مسار اللجنة الدستورية (مسار جنيف) بعد نقل مقر اللقاءات من جنيف السويسرية إلى العاصمة العُمانية مسقط… ثم بالاجتماع الـ160 لمجلس الجامعة العربية الذي تستضيفه القاهرة وتشارك فيه سورية لأول مرة بعد عودتها إلى مقعدها في الجامعة العربية.
وإذا ما افترضنا أن طاولة بوتين- أردوغان كانت مزدحمة بالملفات الحساسة، من العلاقات الثنائية إلى أوكرانيا وصفقة الحبوب وملف الطاقة، إلى العلاقة مع الناتو والغرب، إلى الوضع في المنطقة عموماً وعلاقات تركيا مع الجوار خصوصاً… وصولاً إلى سورية وكل ما تتضمنه من قضايا معقدة سواء لناحية التعاون الروسي التركي أو لناحية العلاقة مع سورية بالميدانين السياسي والعسكري، أو لناحية مسار الاجتماعات الرباعية التي غابت عن التصريحات وكأنها لم تكن..
إذا ما افترضنا ذلك، يغدو مفهوماً لماذا كانت التصريحات قليلة. ومع ذلك فإن ما خرج من تصريحات قليلة كان مهماً حيث أعاد الرئيس بوتين التأكيد بأن الشعب السوري هو من يقرر مستقبل بلده بعيداً عن الإملاءات الخارجية، مشيراً إلى أن روسيا تنطلق من هذه القاعدة قائلاً: من المهم أن نتشارك المواقف الأساسية لحل الأزمة السورية مثل احترام سيادة سورية واستقلالها وسلامة أراضيها.
وعدّ بوتين أن روسيا وضعت حجر الأساس في مسألة التطبيع بين سورية وتركيا (في إشارة إلى الاجتماعات الرباعية) قائلاً: قمنا بالكثير في سورية ونحن نعرف أنها مسألة حساسة بالنسبة لتركيا.
بالمقابل، لم يصرّح أردوغان حول سورية، مركزاً على الملفات الأخرى، في محاولة للقول إن سورية ليست ملفاً ذا خصوصية بين تركيا وروسيا، وليس لها الأولوية كما هي حال الملفات الأخرى، بل إن النظام التركي – وقبل لقاء بوتين أردوغان – حاول أن يعطي انطباعاً بأن الملف السوري سيكون هامشياً خلال اللقاء، بمعنى أن هذا الملف مؤجل في المرحلة الحالية (لحين أن تغير الدولة السورية مواقفها وتتخلى عن شروطها المسبقة حسب التعبيرات التركية) فيما تؤكد الدولة السورية في كل مرة أن ليس لديها شروط مسبقة، بل هي استحقاقات وطنية مكفولة لها بموجب القوانين والمواثيق الدولية.
ورغم أن الحراك السياسي الجديد (آنف الذكر) بدأ إيرانياً- روسياً من خلال الزيارة الثنائية التي أجراها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى كل من دمشق وأنقرة الأسبوع الماضي (تلاها زيارة زير الخارجية التركي حاقان فيدان إلى موسكو حيث التقى نظيره سيرغي لافروف) إلّا أن هذا الحراك لم نرّ ترجمة له على الأرض حتى الآن .. أما في الميدان العسكري فإنّ تركيا تواصل التصعيد وإرسال الرسائل المضادة بأن كل ما تتضمنه الاجتماعات واللقاءات السياسية بينها وبين روسيا وإيران لن يكون له صدى في الميدان، وفيما أعادت روسيا طرح ما يسمى «العودة إلى اتفاق أضنة 1998» تريد تركيا إرسال رسالة أساسية مفادها أن الميدان السوري تجاوز هذا الاتفاق على اعتبار أن حجم تواجدها الاحتلالي على الأرض السوري، والذي يؤمن لها ورقة قوة رابحة (كما ترى) لم يعد متناسباً مع هذا الاتفاق، ولا مع أطماعها التوسعية العدوانية، وتالياً لا بدّ من اتفاق جديد يراعي ذلك، في إشارة إلى«المنطقة الآمنة» بعمق 30 كلم، وليس 5 كلم حسب اتفاق أضنة.
كل ذلك يأتي متزامناً مع معادلات عسكرية جديدة فرضت نفسها مؤخراً على الميدان السياسي وقد تؤثر في مساراته خلال المرحلة المقبلة وفقاً لما سترسو عليه، علماً أن الحسم ربما يأخذ وقتاً أطول من المتوقع.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار