رقّ الذكاء الاصطناعي!

كشف تحقيق استقصائي أجرته صحيفة عالمية واسعة الانتشار عن ممارسات لشركات تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي، وهي ممارسات تنتمي إلى عهود الرق والعبودية، حيث تستخدم الآلاف من العاملين الآسيويين بأجور زهيدة وظروف عمل قاسية ومعاملة جائرة، فما الذي يجري؟ وكيف يستقيم لتقنية الذكاء الاصطناعي التي أنجزت لخدمة الإنسان أن تستعبد البشر؟
‏تحتاج تقنية الذكاء الاصطناعي إلى تزويدها بالمعلومات، وهذه التغذية تستلزم تصنيف المعلومات وتنسيقها وتهيئتها بشكل يناسب عمل الذكاء الاصطناعي.. وهذه العملية تحتاج إلى آلاف بل ملايين العاملين الأذكياء والخبراء المهرة.. وتوفيراً للتكاليف اتجهت شركات الذكاء الاصطناعي لاستخدام الكوادر المؤهلة لهذه المهمة من شباب جنوب شرق آسيا، لكن المصيبة أن هذه الشركات لم تكتف باستغلال العاملين الآسيويين بإعطائهم أجوراً قليلة جداً، بل وضعتهم في ظروف عمل قاسية وضمن مسارات تشغيل تستعبدهم فيها بطريقة تذكرنا بعهود العبودية.
على سبيل المثال تقوم شركة (سكال للذكاء الاصطناعي) التي مركزها الرئيسي في سان فرانسيسكو وقيمتها 7 مليارات دولار، تقوم وحدها باستخدام أكثر من عشرة آلاف عامل في الفلبين، بينما يبلغ عدد العاملين الفلبينيين في هذا المجال لجميع الشركات مليوني عامل، وتقدم لهؤلاء العمال رواتب تقل عن الحد الأدنى للأجور في الفلبين. وتقول جماعات حقوقية: إن هذه الشركات لا تلتزم بمعايير العمل الأساسية حتى تلك المعتمدة في الفلبين، حيث تجبر هؤلاء العمال على العمل في مقاهي الإنترنت ‏أو في مستودعات قذرة حشرت فيها طاولات الكمبيوترات حشراً أو تجبرهم على العمل من منازلهم، ويتقاضى هؤلاء العمال الأذكياء أجورهم على القطعة ولا تصلهم حقوقهم إلا بعد فحص نتائج عملهم، بحيث تستطيع الشركة خصم الأجر أو تخفيضه أو حتى إلغاءه، كما يحدث في كثير من الحالات بحجة عدم جودة العمل. وقام معهد (أكسفورد للذكاء الاصطناعي) بدراسة عمل هذه الشركات وأعطاها هذا العام درجات 1 من 10 ضمن مقياس معايير العمل المعتمدة، كما أطلق (دومينيك ليجوت) عالم أخلاقيات الذكاء الاصطناعي الفلبيني على أماكن العمل هذه اسم (مصانع استعباد عمال الرقمنة)، ووصف أحد مديري هذه الشركات ما يجري بأنه (سباق نحو القاع) يدفع إليه العمال المهرة في آسيا بسبب الفقر والحاجة وشراسة ووحشية رأسمالية شركات الذكاء الاصطناعي.
إذا كانت تقنية الذكاء الاصطناعي دليلاً على قدرة العقل الإنساني على ابتكار ما يحسن الحياة، فإن رأسمالية شركات هذه التقنية الشرسة المتوحشة تحولها من وسيلة لتحسين الحياة إلى وسيلة لاستعباد العمال المهرة بوحشية.. إنها رأسمالية الاستعباد والاستغلال الوحشي والهمجية الناهبة حتى للعمال المهارة والخبراء الأذكياء في أرقى مجال من مجالات الابتكار التكنولوجي.

‏إن رأسمالية شركات الذكاء الاصطناعي بالفعل تدير (مصانع استعباد) تستعبد خبرات ومهارات فقيرة محتاجة. ورغم ذكائها ومهاراتها تضعها هذه الشركات في مسار (السباق نحو قاع) لا ينتهي.. وهذا ما يضع هذه الشركات الأمريكية الرأسمالية في موضع الاتهام الأخلاقي والإنساني والجنائي القانوني لأنها تمارس الرق الحديث المرقمن، وتستعبد أرقى المهارات والخبرات .

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار