«ماهر بوظو»… يَتفنّن في المَشغولات الصغيرة ويُبدع في الدهان الدمشقيّ
تشرين- لبنى شاكر:
«حكايا دمشقية»؛ عنوانٌ اختاره ماهر بوظو لمشغولاته المعروضة حالياً في المركز الثقافي في (أبو رمانة)، في حرفة الدهان الدمشقي، وهو الاسم الصحيح لما يُطلق عليه خطأً العجمي، تماماً كما حصل في مصر، إذ تُستخدم كلمة الأرابيسك للتعبير عن «خراطة الخشب الناعمة / القاطرلي»، وهي تسمياتٌ وضعها المستشرقون في رأيه، والدليل كما يقول، غياب مفردة العجمي عن قاموس الصناعات الشامية لمحمد سعيد القاسمي، والعائد إلى القرن الثامن عشر، بينما يأتي شرح حرفة الدهان بأنها الزخارف والنقوش بالألوان على الأسقف والجدران، إضافةً إلى أن العائلات الشامية تُكنّى بمهنتها، ومن ضمنها عائلة الدهان التي كانت تشتغل بالزخارف، وساهم عددٌ من أبنائها في ترميم الجامع الأموي بعد حريقه عام 1893.
إصرار بوظو على استخدام الاسم الصحيح للحرفة، يُوازي براعته في إظهار جمالياتها ودقة تفاصيلها التي عُرفت بها منذ آلاف السنين، ولاسيما أنه تعلّم على يد واحدٍ من المميزين في مجاله، يقول لـ «تشرين»: «والدي كان يعمل في الموبيليا، ومن خلاله تعرفت على شيخ كار حرفة الدهان، محمد نهاد جزماتي، عام 1989، ولأنني أمتلك الموهبة والرغبة، وصلت إلى مراحل متقدمة في الحرفة، وخلال ثلاث سنوات كنت مسؤولاً عن ورشته بالكامل»..
وفي مراحل لاحقة، أصبح بوظو أيضاً مميزاً ومعروفاً في ميدان الدهان الدمشقي، وانتشرت منتوجاته في عدة دول.
يُشير الحرفي إلى تبدلاتٍ جوهريةٍ عايشتها الحرفة، ففي السابق كانت تُعنى بالبيوت القديمة ذات الأسقف والجدران العالية، حيث يُمكن رؤيتها تُزين القاعات بالكامل، مع ما تحويه من مفروشات، لكن تقلّص المساحة، لم يعد يسمح بالتجميل، فاقتصر حضور الدهان الدمشقي على ركنٍ صغيرٍ في إحدى الغرف، وأحياناً في كرسيين وطاولة، وعند البعض في جزءٍ مُحدد من السقف والجدار، ومن ثم ومع ارتفاع تكاليف العمل، كان لا بد من التوجه، نحو القطع الصغيرة «علب الضيافة، المجوهرات، براويز المرايا، الصمديات»، وفي السياق ذاته، أدخل بوظو مواد جديدة، منها مادة البليكسي في العلب صغيرة ومتوسطة الحجم، ومزج القيشاني مع الدهان في قطعة واحدة، وهو ما أثار اهتمام مُحبي التراث، كما أضاف المزيد من الأشكال الخشبية في البراويز المشغولة بالحفر والصدف مع الدهان، واستفاد أيضاً من عوالم التشكيل، والخط الذي أصبح بطبيعة الحال جزءاً رئيساً في الدهان.
ومع أن الحرفة سايرت الظروف في الشكل، لكنها حافظت على طريقة العمل القائمة على الخشب وتنزيل المادة النافرة (جبصين، أسبيداج، غراء أحمر)، يُضيف بوظو: «هذه العجينة مستخدمة من نحو 1400 سنة من دون أي تغييرات، وهي تعطي منتجاتنا الهوية والخصوصية، لأنها تصبح روحاً واحدة مع الخشب، وتعيش مئات السنين كما في قصر العظم مثلاً وغيره من البيوت والأماكن الأثرية، وإذا ما لاحظنا فالزخارف النباتية والهندسية موجودة منذ القدم، في مختلف الأماكن، وتالياً السر يكمن في المكونات وطريقة الشغل عليها، وفي المستقبل سنرى المزيد من القطع والإبداعات، حتى تبقى الحرفة حيّة ومعاصرة، على ألا تخرج عن القاعدة الرئيسة في الرسم المتعلقة بالاتجاهات والمركز والمنحنيات، مع مكوّن الدهان بالطبع».
يدعو بوظو المعنيين لدعم من بقي من الحرفيين التراثيين، إذ إن معظمهم غادر البلاد أو اتجه إلى مهن أخرى، مع الغلاء والصعوبات، ويرى أن المساهمة في تخفيف الأعباء عن الحرفي ستنعكس على الجميع، ولاسيما أن المنتجات التراثية لطالما كانت وجهاً سورياً جميلاً، معروفاً في العالم كله، يقول: « أعداد الحرفيين محدودة جداً، وبعض الحرف التراثية، على وشك الاختفاء، أعرف هذا بوصفي عضواً في مجلس إدارة الجمعية الحرفية في ريف دمشق، نحن نحتاج المساعدة كي نتمكن من الاستمرار، تحديداً فيما يتعلق بالمشاركات الخارجية، والتي تتطلب منا تكاليف باهظة في الشحن والسفر ذهاباً وإياباً، أتمنى أن نجد اهتماماً حقيقياً، وأن تتوفر أسعار خاصة مدعومة للحرفي التراثي، تسمح لنا بالمتابعة وللمستهلك بالشراء».
يُحاول بوظو تعليم الحرفة لأبنائه، ولمن يرغب في تعلمها، واللافت على حد تعبيره، اهتمام الشابات والسيدات، لكنه غير قادر على تحمُّل الأعباء المادية اللازمة، وهو ما ينسحب على الراغبين في التعلّم عنده أيضاً، لهذا يدعو جامعة دمشق والمهتمين لتمويل دورات تعليمية وورشات للطلاب، تُتيح لهم التعرّف على حرفة إبداعية عريقة، في الوقت نفسه الذي يسعون فيه للحصول على شهادة أكاديمية.