عصبية الأطفال ظاهرة مربكة للأسر.. واختصاصيون يرجعونها إلى التوتر والقلق
تشرين – إلهام عثمان:
كائنات لطيفة وجودها يضفي على حياتنا شيئاً من السعادة والحيوية, إنهم أطفالنا فاكهة الدنيا، وكي تكون هذه الفاكهة صالحة يجب أن تنشأ في تربة ومناخ مناسبين نفسياً, لذا.. نجد الطفل متلوناً في مزاجه, يبكي تارة ويضحك أخرى ويشعر بالغضب والعصبية.
أم وسيم ربة منزل، بينت لـ”تشرين” أنها أم لستة أطفال وهي تجد صعوبة في التعامل مع أصغرهم وهو بعمر 3 سنوات حيث يبدي تعلقاً شديداً بها لدرجة أنها لا تستطيع تركه وحده خوفاً من بكائه لدرجة كبيرة والتي أدت إلى حدوث “فتق” لديه، وفي أحد الأيام لجأت لإحدى الجارات لإيجاد حل كونها كانت تعاني من المشكلة نفسها، فنصحتها بوضعه في غرفة وإغلاق الباب حتى ينتهي من البكاء, وحسب قولها: إنه تحسن بعدها، فلم يعد يصرخ كما كان.
وفي الحالة الثانية أوضح أحمد عز الدين مدرس ثانوي عمره ٤٣ عاماً لـ”تشرين” أنه منفصل ووالد لطفلين, وأنه يقوم بدور الأم والأب ويدلل طفليه بشدة لتعويضهما النقص أي “حنان الأم”, يضيف: إلا أنني في بعض الأحيان أمسك بالعصا من منتصفها في تعاملي معهما حتى لا أندم فيما بعد.
العصبية من الأشياء الشائعة
العصبية والتوتر من الأشياء الشائعة بين الأطفال في المراحل المبكرة, حسب رأي الدكتور جلال شربا اختصاصي في علم النفس، في تصريحه الخاص لـ”تشرين” والذي أكد من خلاله: أن الأطفال مثل الكبار تماماً لا يجيدون التعبير عن مشاعرهم الغاضبة بطريقة سليمة, إلا بالأفعال العصبية وفقاً لبعض الدراسات النفسية، فنوبات الغضب أحياناً تصل حدتها لدى بعض الصغار، ما يضع الأهل لاسيما الأمهات الجدد في قلق وتوتر في كيفية التعامل مع سلوك صغارهم وهو سلوك طبيعي لدرجة ما, لكن.. قد يحتاج تدخل مختص إذا أصبح عدوانياً، وخاصة في حال نوبات الغضب الشديدة.
اختصاصي نفسي: الجو العائلي هو الأساس.. والطفل يقلد بشدة
ولفت شربا إلى أنه من الطبيعي أن يكون لكل سبب مسبب، وهنا تكمن المشكلة إذ يعدّ “الجو العائلي” المسبب الرئيسي في ردود أفعال الصغار الإيجابية والسلبية, لذلك كان لابد من توافر أهم العناصر في تشكيل شخصيته هما “الأم والأب”، فهما الحجر الأساس في تكوين الخلية الأسرية، والجو الإيجابي الذي يسوده الحب والعطاء والدفء الأسري والاحترام والحب سينعكس إيجاباً على الطفل, ويولد لديه نوعاً من التقبل والاحترام “للذات والآخرين” فينشأ إنساناً متزناً نفسياً, على عكس الجو الأسري المشحون بالمناكفات والعلاقات المتوترة المبنية على عدم الاحترام, فيما بينها فستنعكس حتماً بالشكل السلبي عليه.
مقلد محترف
ويعود شربا ليؤكد أن “علاقة الوالدين ببعضهما” هي الأساس, فيجب أن تبنى على الاحترام والتقدير خاصة أمام الطفل, فهو”مقلد محترف” لأفعالهما وتصرفاتهما, إذ تكون هذه المرحلة بمنزلة إسفنجة بشرية تمتص ما حولها من ردود الأفعال, كما للإخوة دور أيضاً في تطبع الطفل وتقمص حركاتهم وخاصة الأخ الأكبر.
ديمومة الغضب
وأكد شربا أن الجو الذي يترعرع فيه الطفل منذ نعومة أظافره إلى أن يصبح في سن المراهقة كان “ذاته”, سواء كان جواً مملوءاً بالتوتر والخلاف والتربية الغلط والتعامل بشكل خاطئ مع الطفل, في معالجة بعض أموره وتطبيق العنف الجسدي أو النفسي على الطفل، فإن ذلك سيجعل العصبية مستمرة لوقت “طويل جداً”, والعكس صحيح.. ويعود ليضيف شربا: إن الشعور بالعجز والعداوة عند الصغار يتولد من “الحرمان العاطفي”.
اختصاصي في علم الاجتماع: الصراخ وسيلة للضغط ولفت الانتباه
وسيلة ضغط
قد يلجأ بعض الأطفال لاستخدام العصبية والصراخ, كوسيلة “لإجبار” الأهل لتلبية طلباته، وفق رأي الدكتور محمد مصطفى اختصاصي في علم الاجتماع, فيؤكد على استخدام الطفل البكاء والصراخ لفترة طويلة أو متقطعة حتى يرضخوا لمتطلباته, أو للفت الانتباه له لينال جزءاً من الحب والاهتمام بسبب الغيرة من أحد الإخوة.
محظورات
عدم الإسراف في تدليل و”تغنيج” الطفل كما يسمى بالعامية, هذا ما نوه إليه شربا، مبيناً أن الطفل الذي اعتاد أن يستجيب أهله لرغباته, باستخدام وسائل ضغطه بغية التخلص من صراخه وبسرعة ومن دون نقاشه, سيجعل منه شخصاً أنانياً غير مسؤول وكذلك عصبي, وفي حال حاول الأهل عدم تحقيق ما يرجو من طلبات ورغبات سيؤدي به الحال إلى “العناد” والعصبية لأنه اعتاد منهم عدم رفض أي شيء يطلبه، وهنا تطفو المشكلة والتي يصعب معالجتها لأنه “اعتاد عدم الرفض” منهم.
العلاج
يكون العلاج من خلال مراقبة سلوكنا نحن كأشخاص مسؤولين كوالدين.. ليتعلم ويقتدي بشكل سليم، حسب رؤية شربا، ومن ثم تعليم الطفل بوضع خطوط لحريته و شخصيته، فعند حرية الغير تسقط حريتنا.. فالحرية يجب أن تكون بالحدود الممكنة والمألوفة والسليمة وعدم التعدي على حدود الغير, كي لا يصبح الطفل غير مبالٍ وغير مهتم وغير مسؤول عن تصرفاته وبالتالي لا يحترم الكبير ولا الصغير ولا العادات ولا التقاليد ولا القانون.
ويعود شربا ليؤكد على تعويد الطفل على مناقشة طلباته وسلوكه ونشاطاته خلال النهار, وأن نجعله يتحدث بسلاسة ونسمع وجهة نظره, وأن نعلمه كيف يتخذ القرارات السليمة فلا يصبح اتكالياً أو فاشلاً لا يستطيع حتى التفكير بأصغر الأمور، فيقع ضحية الخطر في حياته مستقبلاً, والابتعاد عن الضرب والتحقير من والديه أو إخوته وخاصة أمام الآخرين، فيشعر الطفل عندها بالذل وعدم الثقة بالنفس, وعدم الأمان وعدم احترام الذات, ويجب أن نشعره بأنه محبوب وذو أهمية كبيرة فنشبع حاجاته النفسية والعاطفية.