فوات فرص وضياعات استثمارية هائلة… القطاع العام ينام على “كنوز معطّلة”.. وخبير يدفع بخيارات إنقاذية جريئة
تشرين- ليال أسعد:
تشكل المنشآت الصناعية العمود الفقري للاقتصاد الوطني في مختلف بلدان العالم وهي كذلك أيضاً في بلدنا سورية، حيث إن لها دوراً أساسياً في عمليات التصنيع والإنتاج ورفد الدخل القومي، ولذلك فإن توقفها عن العمل يعد مشكلة كبيرة للاقتصاد الوطني فضلاً عن خسارة الموجودات التي لا تقدر بثمن ما يؤثر سلباً في الفرد والمجتمع الذي ينطوي على فقدان فرص العمل وارتفاع أسعار السلع المستوردة وتراجع النمو الاقتصادي والتجاري.
شركات القطاع العام ..مازالت مستمرة خاسرة ورابحة نظريا وموجودات لا تقدر بثمن
130 شركة
يؤكّد الدكتور مطيع الريم مدير التخطيط والتعاون الدولي، وجود ١٣٠ شركة عاملة والبعض منها توقف قبل الأزمة والبعض الآخر خلال الأزمة وهناك شركات تم تدميرها بشكل كامل ومنها بشكل جزئي ومنها بالأصل كانت متوقفة، أما بالنسبة للشركات التي توقفت بشكل كامل فقد تم طرحها للاستثمار بإعلان وزارة الصناعة لكونها تحتاج إلى تكاليف استثمارية كبيرة جداً والوضع الآن لا يسمح بتمويل كل هذه التكاليف وتم طرحها للاستثمار مع القطاع الخاص مع الحفاظ بشكل أساسي على ملكية هذه الشركات للوزارة، فالمستثمر من القطاع الخاص ندخل معه بعقد شراكة استثمارية وهو يعيد تأهيل هذه الشركات على أن يستثمرها لفترة زمنية معينة ويسترد التكاليف الاستثمارية التي وضعها ثم تعود إلى إدارة الوزارة فيما يتعلق بهذه الشركات التي تم الإعلان عنها.
بعض الشركات المدمّرة جزئياً أعيد الإقلاع والعمل فيها بجهود ذاتية
ومن أجل أن نترك حرية أو إمكانية للاستثمار بشكل أمثل فسحنا المجال بأنه يمكن تغيير نشاطها، فمثلاً شركة الكبريت في باب شرقي متوقفة وطرحت للاستثمار بالنشاط نفسه أو تغيير النشاط من أجل أن يكون هناك عامل جهد للمستثمرين للاستثمار بهذه الشركات، حرصاً من الوزارة على إعادة الإقلاع بها والاستغلال الأمثل للأصول الموجودة للوزارة.
عروض استثمارية
وأكد الريم أيضاً أنه بالنسبة للشركات المدمرة جزئياً هناك بعض الشركات بجهود ذاتية أعيد الإقلاع والعمل فيها وأهم شركة هي كابلات حلب حالياً وخط التوتر المتوسط يمكن أن يعود للعمل بنهاية العام الحالي عن طريق الخطط الاستثمارية المتعاقبة تم تأهيل هذه الشركات وستكون على مستوى سورية من حيث إنتاج الكابلات والأمراس المختلفة.. أما فيما يتعلق بباقي الشركات خلال هذه العقود فتم التمكن من التوصل لأربعة عقود لإعادة تأهيل شركة الإسمنت العربية في حلب وشركة السكر في تل مسكنة وشركة خميرة شبعا، وبالنسبة لباقي الشركات هناك عروض استثمارية تدرس في اللجان المختصة في المؤسسة وفي لجنة الاستثمار في الوزارة، ومن أمثلة هذه العروض هناك عرض مقدم لبيرة بردى الموجودة في قدسيا للاستثمار، وعرض مقدم للإطارات في حماة، ويدرس في لجنة الاستثمار، وقال إنهم منفتحون على أي مستثمر يريد الاستثمار في القطاع العام مع التركيز على ثلاثة محددات أساسية: أولها الملكية تبقى للدولة، وثانياً حقوق العمال، وثالثاً عودة هذه الاستثمارات في نهاية فترة الاستثمار إلى الوزارة وبجاهزية لا تقل عن ٨٠ %.
الصناعة تسعى
ونوه الريم إلى أن الوزارة تسعى جاهدة سواء من خلال التشاركية أو الاستثمار مع القطاع الخاص سواء من خلال الموارد الذاتية الموجودة للوزارة في الخطط الاستثمارية السنوية أم من خلال طرحها على الشركاء الدوليين، مثلاً الآليات الزراعية في حلب طرحت للاستثمار مع الجانب الإيراني، وكذلك إطارات حماة وبالتالي الوزارة تبحث بكال الوسائل والسبل الممكنة والمتاحة لإعادة إقلاع هذه الشركات والمنشآت والمعامل إيماناً منها بأهمية دور القطاع العام الصناعي وأهمية وجوده وتطويره لتلبية وتغطية السوق المحلي والمساهمة في تنمية البلد.
تم التوصل لأربعة عقود لإعادة تأهيل شركة الإسمنت العربية في حلب وشركة السكر في تل مسكنة وشركة خميرة شبعا
وعبّر الدكتور مطيع الريم عن تفاؤله بأن العقود التي تم التعاقد عليها تنجز مثل الإسمنت العربية مع شركة نبض وشركة سكر مسكنة نهاية العام الحالي تدخل بالاستثمار وتبدأ بالإنتاج.
المعوقات
وأشار الريم إلى معوقات عديدة لإعادة العمل بهذه الشركات منها تقلبات سعر الصرف والوضع الاقتصادي الضاغط، فهناك صعوبات كبيرة تحد من القدرة في الوضع الراهن على المضي سريعاً بإعادة تأهيل هذه الشركات مع التأكيد على التوجيهات من وزارة الصناعة للاهتمام بكل العروض والإسراع بدراستها وإعادة تأهيل الشركات بالقدرات الذاتية.
خمسة خيارات
يشير الدكتور عابد فضلية أستاذ الاقتصاد بجامعة دمشق، إلى حجم الضياعات والفرص المهدورة جراء واقع شركات وأصول القطاع العام الصناعي، ويلفت إلى أن هناك عشرات المنشآت والمعامل الحكومية متوقفة عن العمل منذ سنوات طويلة من الحرب وازداد عددها خلال فترة الحرب لأسباب عديدة أهمها التهدم والتخريب والسرقة، ولا ننسى أن هناك أيضاً الكثير من المنشآت القائمة التي ما زالت مستمرة إلا أنها خاسرة، أما المجموعة الثالثة من المنشآت الحكومية فهي قائمة ورابحة نظرياً إلا أنها تنتج منتجات هامشية غير ضرورية ويوجد مثيلها لدى القطاع الخاص.
أضف إلى ذلك أن تكاليف إعادة تشغيل أو ترميم أو إعادة بناء تجهيز عشرات المنشآت أكان منها المتوقفة غير المتضررة أم المتضررة المتعطلة هي تكاليف هائلة وكبيرة جداً لا تستطيع الدولة تغطيتها إلا على مدى سنوات وعقود طويلة، لذا وفي إطار مشروع إصلاح القطاع العام الاقتصادي، نحن اليوم أمام عدة خيارات أولها طرح المتوقف المتضرر وغير المتضرر منها على الشراكة وفق عقود BOT أو التشاركية ( حسب قانون التشاركية لعام ٢٠١٥/PPP) مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي أو حتى مع جهات عامة محلية أو أجنبية أو كليهما، وفي هذا الإطار نقترح أن يكون الشكل القانوني لهذه التشاركية كشركة مساهمة عامة تطرح جزءاً من أسهمها على الاكتتاب العام.
محددات الصناعة: الملكية تبقى للدولة وحقوق العمال وعودة الاستثمارات في النهاية إلى الوزارة
وثانياً، حسب فضلية، يمكن تغيير طبيعة عمل وإنتاج بعضها من غير المنتجة للسلع الضرورية الاستراتيجية سواء أكان متعطلاً أم موضوعاً بالتشغيل.. فيما إذا كان هذا التغيير والنشاط الجديد أكثر جدوى اقتصادية وأكثر ضرورة لاحتياجات المجتمع ويتطلب رؤوس أموال حكومية كبيرة لتغيير نشاطه ويمكن أن تبقى بعد التغيير ملكية حكومية أو يتم طرحها للمشاركة أو التشاركية.
أما الخيار الثالث، وفق فضلية، فيكمن بالتنازل عن بعضها (من تلك المتوقفة أو المدمرة أو ذات المنتجات الهامشية إلى جهات حكومية أخرى تحتاجها لأي نشاط عام إنتاجي أو خدمي، كما يمكن رابعاً دمج بعضها مع منشآت حكومية وعامة أخرى ليبقى نشاطها كما هو أو يتم تغيير أو توسيع نشاطها بعد الدمج ويمكن أن يتم طرحها للمشاركة والتشاركية بعد عملية الدمج.
وطرح فضلية خامساً مثالاً محتملاً في مقترجه الخامس للمنشآت المتضررة المتهدمة غير الاستراتيجية بحيث يتم منحها كأرض الشريك (الخاص أو العام) فيقوم بإعادة بناء جزء منها لمصلحة الجهات العامة والحكومية كما تشاء هذه الجهات ويتم التنازل للشريك عن بقية مساحة الأرض ليبني عليها ما يشاء أو يمكن مقايضتها كأرض مع أرض أخرى أو مع عقار قائم يقدمه الشريك مقابلها.
وشدد فضلية على ضرورة البدء بعملية إصلاح القطاع العام المتعثر منذ عشرات السنين وذلك في ضوء ما ذكر أعلاه أو بأي طريقة وأشكال قانونية جديدة يمكن استحداثها وتطويرها (من غير الأشكال والصيغ المعروفة للمشاركة والتشاركية) لتكون منافسة ومرضية لجميع الأطراف وبحيث لا تكلف الدولة أي رأسمال لتحقيق الاستفادة المستدامة.