في (طريقها المُنكسر).. «سمر الكلاس» تتنقّل بين مدن الموت

تشرين- راوية زاهر:
و(ينكسر الطريق) رواية للكاتبة السورية سمر الكلاس صادرة عن الهيئة السورية للكتاب، وهي من باكورة أعمالها الأدبية.. و بثلاثٍ وثلاثين لوحة درامية أغنت الكاتبة سمر الكلاس مخطوطها الروائي، ونحن نتجوّل معها على حافة لظى النيران بين وطن يحترق وجثة تتطهر حرقاً بعد الموت لتصير رماداً في عالم اغترابي عميق.
عن العنوان
و(ينكسر الطريق).. عنوان الرواية وعتبته النصية الأولى.. فالطريق طويل، وشاق محفوف بالموت والمخاطر، وكأنه قدرٌ بطريق منكسر، لم يكن في لحظة من اللحظات يسير على هدى، فدائماً تنال منه انكسارة تحيده صوب مهاوي الردى.
الرواية بدأت عبر تقنية الاسترجاع الفني، وكما هو متداول ، تقنية الخطف خلفاً، إذ بدأت الكاتبة بآخر حدث في الرواية، وهو حرق جثة زوجها، وجمعُ الرماد واحتساؤه مع كوب ماء في محاولة لاسترجاعه بعد أن قُتل في ظروف غامضة مرتبطة بالسحر الأسود وإطعام النيران..أطفالٌ يُخطفون في ظروف غريبة من أحضان آبائهم..
(لابدّ من حرق جثته لمعالجة الأمور، فهي على قناعة تامة أن البداية تكمن في النهاية).
عن الشخصيات
توزعت شخصيات الرواية بين شخصيات رئيسة وهي (سارة)، وزوجها (رضا).. فسارة : هي بطلة الرواية التي تسبح في فلكها الأحداث، كان زواجها الأول فاشلاً من فارس، صاحب شخصية معقدة، ولكنه كان وسيلة لبداية أسفارها وتنقلها بين العواصم من السعودية إلى المغرب، ليموت وحيداً في الكويت مكتشفة ذلك بعد أربعة أشهر وقد اعترف أنه منعها أن تصير أماً بسبب عقده النفسية المرتبطة بوالدته عن طريق أقراص منع الحمل التي كان يضعها لها في كوب العصير المرتبط بموعد مسائي مقدس.. لتبدأ معركتها مع المجهول والتنقل في مدن خراب « الربيع العربي»، فنالها نصيب من مأساة ليبيا وتونس والجزائر وآخرها في بلدها دمشق..ومن ثمّ هجرتها المروعة والأحداث المخيفة التي أغرقتها في عالم من الفزع والرعب حتى قذف بها الزمن إلى الهند، وكانت قد تزوجت (رضا) قبلاً، ومن ثمّ كانت رحلتها الشاقة برفقته، لتذر رماد جثته في سماء نيودلهي، وتصارع الظلال والخيالات على أحد جدارات منزلها الذي كاد يوصلها إلى حافة الجنون.. إضافةً لشخصيات ثانوية بعضها ثابت وبعضها متنامٍ، وكذلك ظهرت ضمن سرد الرواية الشخصيات المعينة، كأصدقاء كانوا سنداً لها مخلصين في كل النوائب التي ألمت بها (مريم، بهية، بشير، عبد الهادي، ايشواريا،).. أما (أنال) فكان الشخصية الهدامة التي طوت الرواية على فصل من المأساة..
تبدو الرواية مزيجاً بين الواقعية والخيال، مالت إلى أدب الرعب الذي تبلور على الظل المتمركز على الجدار، ولا يخلو من الفانتازيا، والخيال في تشويق لمواجهة الخوف، فهذا النوع من الأدب جاذب للقراء لما يحمله من أحداث متسارعة، ومن تشويق، ما يخلق حالةً من المتعة الخاصة لدى القارئ.
كما برزت سيناريوهات الأمراض النفسية في أكثر من مكان، ومنها ربط سارة مصيرها بمصير ثلاثة أطفال مشردين، وهو ما يعكس رغبتها وعقدتها النفسية تجاه الأمومة، وكذلك عقدة زوجها فارس المرتبطة بأمه وزوجها، وعقدة بهية مما حصل لها في المغرب والردّ على جريمة اغتصابها رداً سادياً يعكس مدى حقدها على أعدائها.. ولا يمكن المرور من دون الوقوف على الاضطرابات التي حملتها فصول الرواية بسبب حالات الاغتراب عن الواقع والأوطان.. فالنمط السردي المستخدم في الرواية يقوم على الأسلوب الإخباري واستخدام الفعل الماضي لسرد الأحداث بطريقة شائقة ولافتة.
عن زمن السّرد
برز زمن السرد الروائي محدداً بمقصلة (الربيع العربي) والمتنقلة أحداثه التخريبية كالنار في الهشيم في كل العواصم التي مرّ بها. فوضع الأحداث ضمن سياق أو إطار زمني معين من أهم تقنيات السرد الروائي.. وجاء تنوّع استخدام الضمائر كلعبة فنية أيضاً، فتارة يطالعنا ضمير المخاطب، وتارة ضمير الغائب.
وقد أثارت أحداث الرواية انفعالات عاطفية في نفس المتلقي لما حملته من أحداث دامية أثارث فزعه تارة، تعاطفه، وحزنه تارة أخرى.. كما اعتمد السرد على دلالات مكانية وزمانية، فربط السرد بالزمن يجعله أكثر تشويقاً، ويرتب جميع الأحداث التي يتضمنها، إذ وقعت الأحداث في السرد الروائي بشكلٍ متدرج ومتسلسل ترتيباً منطقياً من المغرب مروراً بتونس وحرق البوعزيزة جسده كمؤشر لاندلاع ربيع الخراب هناك مروراً بليبيا، ومن ثمّ سورية.
إذ بدأت على أسس أحداث مبدئية ثم طارئة وبعدها ختامية.. والرواية رغم عمق واقعيتها، فيها الكثير من أدب الخوارق والأساطير وحكايات الرعب.
عن الوصف
استخدمت الكاتبة تقنية الوصف، مخاطبة حواس القارئ من ذوق وشمّ وسمع ولمس ولون وصوت وحركة.. (يبتعد الجسدان والأيدي لا تزال متشابكة، فيفيض من عينيها ضوء تعكسه لوناً على وجهه ليلمع الفرح ابتسامة على ثغره، يتأملون لون الحب الظاهر مرة أخرى، كان الجميع مشدوهين..
بعد أن ساد صمت وتوقفت الموسيقا، كان قوياً يشعُّ وجهه نوراً، بينما هي أنثى على هيئة ملاك).

عن الحوار
تنوّع الحوار بين حوارٍ مباشر رشيق جمع الكثير من شخصيات العمل الروائي، ومونولوج داخلي يعكس اضطراباً نفسياً ارتبط بالأرواح والظّلّ والخيالات على الجدران.. وُسِم العمل بكل تفاصيل الرحيل واختلاجاته، وتبدد فيه الحلم، وكان لابدّ من الغوص في متاهات العودة التي أصابتها لعنة الظل، لتنتهي بابتسامة محملة برسالة حب وسلام مجانية من آخر شخص قابلته سارة في لبنان يرتدي قميصاً أزرق، أمسك بيدها، ثم أخذ يهتف «كلن كلن كلن.. كلن يعني كلن».

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار