«حضارةُ الساحل السوريّ» في ثقافي طرطوس
تشرين- ثناء عليان:
«حضارة الساحل السوري» كانت عنوان الندوة التي أقامتها جمعية عاديات طرطوس في المركز الثقافي بطرطوس، شارك فيها كل من المهندس علي السوريتي ومروان حسن رئيس دائرة آثار طرطوس، وأدارت الندوة الدكتورة بتول عيسى رئيس جمعية عاديات طرطوس.
البداية كانت مع المهندس مروان حسن، إذ تحدث عن الأهمية الحضارية لمدينة طرطوس، مؤكداً أن موقع (تبة الحمام) الواقع جنوب مدينة طرطوس يعدّ أول مستوطنة بشرية مكتشفة حتى الآن في المحافظة، وتعود إلى العصر الحجري القديم، وفي أواسط الألف الثاني قبل الميلاد أصبح هناك مملكتان: الأولى مملكة أمورو وعاصمتها مدينة سيميرا (التي يرجح علماء الآثار أن أنقاضها ترقد في موقع «تل كزل» الذي يقع على نهر الأبرش جنوب طرطوس، والثانية مملكة أرواد التي كانت تملك أسطولاً بحرياً عظيماً يجوب المتوسط، وتتكون من جزيرة أرواد ومدينة عمريت على الشاطىء المقابل لها.
ولفت حسن إلى أن مفهوم الهوية والتراث يعني التماهي والتكامل، كما أن تراث الأمم يعد ركيزة أساسية من ركائز هويتها الثقافية، وعنوان اعتزازها بذاتيتها الحضارية في تاريخها وحاضرها، وذاكرتنا وبوابتنا إلى العالم، ولذلك كان لا بد من التركيز على ضرورة الاهتمام بهذا التراث وتوثيقه والعمل على حمايته واستمراره كمعبّر عن روح الشعب، ولكونه يشكل بوتقة للتنوع الثقافي وعاملاً يضمن التنمية المستدامة.
كما أكد أهمية الهوية الثقافية والحضارية للأمم في تكوين الطابع المميز للهوية الوطنية، لذلك من المهم الحفاظ على التراث الثقافي وبعده الحضاري، لأن فقدانه يعني فقدان الذاكرة، وافتقاراً اقتصادياً مهمّاً في التنمية المحلية لمناطق هذا التراث.
وقدم حسن مقترحات لحماية التراث الثقافي بشكل تشريعي وقانوني ومن خلال اتفاقيات ذات صلة حسبما نص عليه الدستور السوري وقانون الآثار، وأشار إلى بعض الاتفاقيات التي صدقت عليها الجمهورية العربية السورية مثل (اتفاقية لاهاي 1954 لحماية الممتلكات الثقافية في حال النزاع المسلح) والتي تهدف بشكل رئيس إلى حماية الممتلكات الثقافية أثناء النزاع المسلح، والدول الأطراف مسؤولة عن حماية ممتلكاتها الثقافية في وقت السلم والحرب، كما تُحرم الاتفاقية سرقة أو نهب الممتلكات الثقافية في حالة الحرب أو الاحتلال، واتفاقية حماية الممتلكات الثقافية ومنع الاتجار غير المشروع حسب اتفاقية باريس1970.
كما وقعت الجمهورية العربية السورية على اتفاقية اليونسكو لعام 1972 م المتعلقة بحماية التراث الثقافي والطبيعي، وتعد هذه الاتفاقية الدعامة الدولية المهمة لحماية التراث الثقافي والطبيعي للبشرية لكون أحد مبادئها يرتكز على التزام جميع الدول المتعاقدة بالتعاون لتأمين صون التراث الذي يتسم بطابع عالمي، والهدف من ذلك تعزيز الوعي بشأن تنوع التراث الثقافي للبشرية، ومضاعفة جهودها اللازمة لحماية التراث والمحافظة عليه، وأكد حسن أن جهود الجهات الرسمية والحكومية وحدها غير كافية على الإطلاق، اذ إن مهمة وطنية وثقافية من هذا النوع تحتاج الى التنسيق بين مختلف الجهات المعنية بما فيها المجتمع المحلي والأهلي. لذلك إن حماية التراث وصونه يبدأان من التوثيق، والتوعية والتربية، ووضع الخطط والبرامج لفهم وإدارة التراث واستثماره، فعملية حماية وصيانة الإبداع الفكري والثقافي لدى الشعوب التي سكنت سورية وعبرت عن تاريخ سورية المجيد تعدّ أمانة، لا بل مسؤولية كبيرة علينا الاهتمام بها كجزء من واجبنا الوطني لمواجهة المغرضين والمشوهين للحقائق التاريخية.
بدوره، استعرض المهندس علي السوريتي المراحل التاريخية التي عاشتها مدينة طرطوس، وما رافق ذلك من احتلالات وتدمير للمعالم الحضارية وإعادة البناء والتحصينات، لافتاً إلى أن مدينة طرطوس تزخر بالآثار والمواقع الحضارية التي لعبت دوراً في تاريخ البحر المتوسط، منها انطلقت أولى الرحلات التجارية، وقد أسست ممالك حضارية على ضفتي المتوسط، مشيراً إلى أن هناك ما يؤكد على بداية الحضارة منذ العصور الحجرية واستمرارها في جميع مراحل التاريخ حتى العصر الحالي.. واستعرض السوريتي المواقع الأثرية السورية بشكل عام والمواقع المسجلة على لائحة التراث العالمي، وتحدث عن معايير منظمة اليونيسكو، والعقبات والصعوبات التي تحول دون الترويج العالمي لمواقعنا الأثرية المهمة، وأكد أهمية توثيق و صيانة المواقع الأثرية وحمايتها بشكل قانوني.