«ثناء النبواني»… تُؤرشف الوقائع وتُعلّق الفَزَع على الجدران
تشرين- لبنى شاكر:
العالقون على الحدود، واللاجئون في قوارب مُتهالكة، وضحايا الزلزال؛ هؤلاء وغيرهم، ممن باتت حكاياتهم جزءاً من يومياتنا، ليسوا مجرد أرقامٍ أو أخبارٍ عاجلة، فكيف نتجاوزهم؟، تقول ثناء النبواني مستغربةً تجاهل البعض من الفنانين للأحداث الفارقة وتعاطيهم باستخفاف مع الإشكاليات الكبرى، بينما تفرض هذه الكوارث، نفسها في لوحاتها، حتى يُهيّأ للمُتفرج بأنها التقطت فزع البشر، وعلّقته على الجدران، كي يبقى أثره فينا، كما شاهدناه على الشاشات، أوّل مرة.
هذا الإصرار على أرشفة الواقع الرهين للمُستجد دائماً، والإمعان في تثبيت الأشياء من حولنا، أسلوبٌ ميّز النبواني في معرضيها الفرديين في السويداء قبل أعوام، وانسحب على معرضها الثالث المُقام حالياً في صالة الشعب، غير أنه، ربما يكون أيضاً جزءاً من سيرورة تجربتها في ميدان التشكيل عموماً، فهي كما تتحدث لـ «تشرين»، لم تكن تمتلك حتى عمر 35 عاماً، أي فكرة عن بناء اللوحة، لذلك كانت تكتفي بالاطلاع والمُشاهدة إلى أن بدأت عن طريق الإنترنت بمشاركاتٍ بسيطة للمبتدئين، لاحظت خلالها قدرتها على رسم الشكل والاستفادة من الملاحظات التي تُعطى لها، فاتجهت نحو الدروس الخصوصية، وبناءً عليها، كان قرارها بتعلّم المزيد عن أبجدية الرسم، وما يتعلق بعمق اللوحة، وكان الرسم الواقعي، على حد تعبيرها، المعلّم الحقيقي والمسطرة المطلوبة لقياس الموهبة فعلاً.
استوجبت الخطوات الأولى استخدام الرصاص لإظهار الرماديات، وهو ما ساعدها لرؤية الألوان في الظلال والنور، ومن ثم كانت الألوان الزيتية اختياراً رافقها إلى معرضها هذا في 40 لوحة، تنوعت موضوعاتها، وإن جاءت كلها تُشبهها، وهو ما يعنيها أولاً، تُضيف أيضاً: «التنوع معادلٌ للبحث عن هوية، أنا أرسم منذ سبع سنوات، لكن هذا ليس كافياً لتحديد هويتي، ما زلت في مرحلة التعلًم، وهناك أشياء كثيرة لم أجربها»، في حين تتضمن قائمة الأشياء المُجرّبة مجموعة لوحات عن المرأة، وكما تصفها «اللوحة المتحركة»، تقول عنها: «المشاعر الطاغية القوية في الفرح والحزن، وفي الأمومة والانتظار تستهوي أي فنان، لذلك رسمتها في عدة حالات، من بينها البورتريه، وما يحتاجه من انتباه وحرفية، يظهران في العناية بالتفاصيل، حيث يكون المتفرج قادراً على التفاعل معها».
في جزءٍ خاصٍ بمحافظة النبواني، السويداء، استعادة لآثار منطقة القنوات، العائدة إلى 1800 سنة، وقنطرة المدينة، أشهر علاماتها المميزة، مع صورٍ من الريف، إلى جانب الاهتمام بالحجر البازلتي الأسود المعروف، تشرح الفنانة: «في هذا الحجر تجتمع كل الألوان، وهو ما يلفت مُحبي الرسم، وليس من السهل كما يظن البعض، إعطاء الإحساس والملمس الخاص به على اللوحة، احتجت وقتاً للوصول إلى الخامة التي أُريد»، وفي البيئة ذاتها، قدّمت النبواني ثلاث لوحات عن الدجاج والديكة، بخليطٍ لوني باهر، تقول عنه: «اختياري هنا يسمح بحرية اليد والفرشاة، بمعنى أنه بعد رسم التكوين، يُمكنك الحذف والإضافة بالشكل الذي تشائين، تبعاً لتمازج الألوان الموجود في كتلة «شاهدتُ صورة لقتالٍ بين الديكة، ذكرتني بالصراعات التي يختبرها البشر على الدوام، بين الخير والشر، العقل والقلب، الصح والخطأ، ورغبت في رسمها».
عن دمشق القديمة، رسمتْ الحارات والأزقة، اتكاءً على مشاعر الحب التي يشعر بها زوار الشام دائماً، كما تقول، وفي رأيها، أن آلاف اللوحات عن باب توما مثلاً، تعني آلاف الشخصيات والبصمات، والجميل في رسم الدمشقيات هو الجزئيات التي تحتاج حرفيةً، كذلك احتلت «الطبيعة الصامتة» مساحة واسعة من المعرض، بوصفها موضوعاً شائقاً عند النبواني، تعود إليها عندما تشعر بفقدان الشغف، إضافة إلى ميزتها لمن يرغب في تعلًم الرسم، تُوضح الفنانة: «في الطبيعة الصامتة تجتمع عدة عناصر مع بعضها كالخشب والزجاج والقماش، ما يعني تنويعاً في الخامات، بالريشة ذاتها، مع تباين الأقرب والأبعد، وهذا يحتاج جهداً، ويُوفّر خبرة مع الوقت، وكما يتردد باستمرار، من يُتقن هذا النوع الفني، سيتمكن من إتقان الخامات الأخرى بسهولة، رغم الملل الذي يشعر به المبتدئ».
لا تجد النبواني مشكلةً في حالة التعالي تجاه اللوحة الواقعية، مقابل الانحياز للتجريد، بل، وتتفهم وجهات النظر جميعها، تقول: «مدارس الرسم متنوعة وجميلة، لكلٍّ منها تأثيرها، لست ضد أيٍّ منها، التجريد خلاصة تجربة، يتجه إليه الفنان بعد تراكم الخبرات في اللون والتكوين، رغبة في التعبير بالرمز أو السريالية، لكن الواقعية مرحلة لا بد من المرور فيها، ليصل نحو التجريد بشكل صحيح، اللوحة متعة بصرية، علاقة لونية تخلق حالة من البهجة، لذلك أنا أفضّلها، لأنني أريد لوحة تُشبهني، بمثل وضوحي وبساطتي في التعامل مع من حولي».