سينما العصر الرقميّ وانتهاء مُتعة المشاهدَة!
تشرين- هدى قدور:
انتهى عصر الكاميرات القديمة وتقنيات التصوير التي تتطلب مهارات كثيرة، لتحلّ محلها كاميرات «الديجيتال» التي نابت عن الإنسان وخبراته في كثير من المواقع، إضافة إلى أنها ملأت الأفلام بالخدع البصرية الخالية من متعة الأداء البشري بشكله الحقيقي، إلى درجة أننا بتنا نحنّ إلى الأداء الواقعي المجبول بدم الممثلين الماهرين، وهم يؤدون أدواراً تحفر في الذاكرة، ولا يمكن نسيانها.
أتاح العصر الرقمي لأيّ كان العمل في السينما، وليست تلك المشكلة، لكن هبوط الأفكار وتدخل الآلة في الأداء، سلب السينما حيويتها، وأخرجها من دور العرض إلى شاشات الكومبيوتر والموبايل، حتى انقرضت تقريباً متعة المشاهدة في الصالات السينمائية، وغاب مشهد شباك التذاكر، والعبارة التي تقول إن الفيلم الفلاني حطم أرقام مبيع البطاقات، واليوم صار من الصعب العثور على أفلام تشبه أيام زمان بسحرها الواقعي الذي سلبتنا إياه الرقميات، وجعلتنا نشاهد أعمالاً تشبه أفلام كرتون تركز على التقنيات فقط.
المشكلة تبدو في تأثير الرقميات على الذائقة الجمالية بالنسبة للمشاهدين الجدد الذين لا تسحرهم الأفلام المتميزة في تاريخ السينما، بل يرونها بمنزلة الكلاسيكيات المملة غير المواكبة للعصر، وهم في ذلك يؤدون فروض الطاعة للآلة التي مارست عليهم نوعاً من السطوة والسيطرة بشكل يصعب الخلاص منه. ربما يرتبط هذا بعملية تعويم هائلة للفنون تحدث في هذا العصر، فهذه المشكلة لا تقتصر على السينما بل تطول المسرح وفنون الكتابة والموسيقا، ومن المتوقع أن يتفاقم الأمر في السنوات القادمة بعد دخول الذكاء الاصطناعي على الخط، إذ سيستقيل الإنسان نهائياً من مهماته الفنية، وستختلف تالياً وظيفة الفنون بناء على اختلاف عقلية المنتج، فمن المتوقع أن تتحول الأعمال الفنية إلى مجموعة روبوتات كأننا نعيش في معمل لصناعة المعلبات، إذ على المشاهد أن يرى فحسب، مثلما هو الحال في أي بضاعة استهلاكية أخرى ملزم بالتهامها أو شربها، لأنها الخيار الوحيد في السوق.
المشاهدة اليوم أصبحت فردية، ولم تعد عيون الناس تلمع في العتم، وهي تدمع أمام المشاهد المؤثرة للممثلين العالميين، حتى موسيقا الأفلام تدخلت فيها الموسيقا الإلكترونية الصاخبة وغير المألوفة، ويتهم البعض أن يدخل التمثيل رجال آليون يتم صنعهم من أجل ضبط التكاليف، وهذا أمر غير مستبعد بفضل الذكاء الاصطناعي.. لا أحد يعلم كيف يمكن توصيف المشهد الحالي للفنون، وفي مقدمتها السينما.. هل نحزن ونتحسر على أيام زمان، أم نستسلم لضريبة التطور الرقمي التي لن تكتفي بالفنون بل ستعيد صياغة كلّ شيء؟.