عندما يغنّي أميرُ الطرب العربيّ «هاني شاكر» أغنيةَ مهرجاناتٍ
تشرين – سامر الشغري:
عندما شعرت كوكب الشرق أم كلثوم مع مطلع ستينيات القرن الماضي، بأن جمهور الشباب أخذ ينفضّ عنها، بحثاً عن نوع أكثر حداثة من الغناء، وجدت أنه من الضروري تجديد غنائها ليلائم ثياب العصر، فاستعانت بملحن يصغرها بثلاثين عاماً وكان هذا الملحن هو بليغ حمدي.
هذه الحالة لم تظل فردية بأن ينساق المطرب ليواكب أذواق الجماهير الجديدة الوافدة، ولو كانت بعيدة عن خطه الفني الذي عرف به، ولقد وجدناها مع فنانين كثر مثل وردة الجزائرية عندما تعاونت مع الملحن صلاح الشرنوبي، وميادة الحناوي عندما غنت من كلمات الشاعر الغنائي الشاب تامر حسين.
إذاً علامَ هذه الضجة التي أثيرت حول أغنية هاني شاكر الأخيرة (الكبير)، حتى تنطّع ناقدٌ فني بمستوى طارق الشناوي ليهاجم أمير الطرب العربي، لأنه قدم أغنية من قالب «أغاني المهرجانات»، التي حاربها هاني شاكر عندما كان نقيباً للمهن الموسيقية في مصر؟!
والواقع أن هذه الأغنية التي صدرت قبل أيام، وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، هي أكبر«تكويعة» في مسار شاكر الغنائي برمته، إذ كيف لمطرب غنى: تخسري ولو كنت غالي وكتبتلي السنين يقدم لجمهوره الذي أحبه – وجله من بنات حواء من الرومانسيات – وقد تخطى السبعين، أغنيةً تقول:
«كله صدّق نفسه خلاص
والعويل اتشال عالراس
وانا شاري مخي وبتفرج
على ناس بتهري وبتهرج»
وحتى يضمن شاكر لنفسه أعلى درجات إعجاب جمهور الشباب مع أغنيته الجديدة، اختار شاعراً وملحناً صغير السن وفي عمر أولاده، ولكن سوقه ضاربة هذه الأيام كما يقال، وهو مصطفى شكري الذي قدم الكثير من الأعمال مع مغني اليوم، من محمد حماقي إلى حمادة بندق، والتي إن كانت أرقى مستوى من أغاني المهرجانات التي نجدها عند حمو بيكا وحسن شاكوش، فإن كلماتها تطفح بمفردات العصر، كإحدى أهم مميزات أغاني اليوم، بأن تكون بنت شارع بحق وتجلب مفردات التخاطب اليومية إلى العمل الغنائي، مع اللحن الإيقاعي الرتيب للسماح للمغني بأن يقول نصاً طويل الكلمات في محاكاة للراب.
ولكن هاني في هذه الأغنية لم يرد فقط خطب ود جمهور الشباب، بل سعى لأن يوصل رسالته كفنان عاصر العمالقة، وناهزت مسيرته في الغناء النصف قرن، فهو يعني نفسه بعنوان الأغنية (الكبير)، وعندما يقول (الكبير لما يغيب..الحبال هوى بتسيب) يقصد أن ساحة الغناء عندما ابتعد عنها، وانشغل بمهامه النقابية الإدارية، أصبحت لكل من هبّ ودب، وكأنه يعرض هنا بواقعة المشادة الكلامية مع مغني المهرجانات حسن شاكوش والتي أدت إلى استقالته من رئاسة نقابة المهن الموسيقية، وبأنه رغم كل ذلك سيبقى هو الكبير.
لقد أراد هاني شاكر بهذه الأغنية الرد على شاكوش وأقرانه من مغني المهرجانات في ملعبهم بطريقتهم وأسلوبهم، ولكن السؤال هل وفق في ذلك، وهل ستعجب هذه الأغنية المتحدية الساخرة جمهور هاني الرومانسي والحالم، وهل ستستطيع سحب البساط من مغني المهرجانات، وتجعل جمهورهم ينفضّ عنهم، ويلتفت لأمير الطرب وفنه؟!
بيد أن هذه الضجة التي أثيرت حول أغنية (الكبير) قد تكون مفيدة لتسويقها، ولكنها في حال نجحت قد تجعل هاني يعيد الكرّة، ويصبح الفنان الذي عادى أغاني المهرجانات ذات يوم من أنصارها ومؤيديها.
ولكن السؤال الذي حيرني لماذا عندما غنى سلطان الطرب جورج وسوف قبل سنتين أغنية (يا عالزمن) للملحن (مصطفى شكري) ومن نمط قريب من أغاني المهرجانات، لم يطله هذا الانتقاد الذي تعرض له هاني شاكر، أم أن ما يطول الأمير لا يطول السلطان؟!