ماذا تعني عبارة «حضرة المحترم» في اللغة العربية
تشرين- د. رحيم هادي الشمخي:
في اللغة صراع دائم بين المستقرِّ في المصادر اللغوية والمستعر في الاستعمال، ولعل عبارة «حضرة المحترم» مما يساعد كثيراً في إضاءة ذلك الصراع، وهي من الرواسم المستخدمة في مخاطبة الأشخاص والدالة على وجود مسافة بين المخاطِب والمخاطَب، أو على توقير خاص للمخاطَب، لكن لو أمعنّا النظر في أصلها وفي المعنى الذي تُستخدم فيه اليوم لوجدنا ولصادفنا طرفة لطيفة هي أن اللغويين كثيراً ما يثبتون في مؤلفاتهم غير ما يستخدمونه في لغتهم الخاصة، وفي ذلك صورة واضحة لتغليب المستعمل على المدوّن، فاللغوي لا يثبت في مواد مدوّنته إلى ما شهد نص قديم على صحته، ولا يكاد يتجاوز في ذلك عصر الاستشهاد، أي ما بعد بداية القرن الهجري الثاني بقليل، وإن اعتمد بعضهم كـ(الزمخشري) شواهد من القرن الهجري الرابع، لكن اللغوي نفسه قد يشرح مواد مدونته بما يخرج عنها، وكأنه يحاول التفريق بين لغته وأسلوب عصره من جهة، وبين لغة الجاهلية والقرون الهجرية الأولى من جهة أخرى، وربما لم يجد شواهد إلا في لغة معاصريه.
فـ(الزبيدي) مثلاً؛ حين حاول أن يشرح في (تاج العروس) تطور معنى «حضرة» أشار إلى أنها في الأصل مصدر بمعنى «الحضور»، ولكن الناس تجاوزوا في استعمالها فصارت تدلّ على مكان «الحضور»، ثم على كل كبير يحضر عنده الناس، لكنه خلافاً لما توجبه قواعد الاستشهاد لم يرجع إلى النصوص القديمة، بل ضرب المثل بكلام معاصريه في القرن الثامن عشر الميلادي أو بسابقهم قليلاً، ومن تلك الأمثلة «الحضرة العالية تأمر بكذا»، وهو نفسه استخدم كلمة «حضرة»، والحقيقة أن الكلمة لم تستخدم في القديم إلا بمعنى الحضور أو بمعنى المجلس أو المجمع، ولاسيما في قصور ذوي الشأن كالخليفة والأمير والوزير، فضلاً عن استعمالها بمعنى الحاضرة، وأما صفة «محترم» فمعروف أنهم يستعملونها في الغالب بعد ما يضاف إلى كلمة «حضرة» أي زيادة في التوقير، ومعناها عندهم الجليل القدر، ولعل أقدم نص استعمل فيه هو بيت الشاعر العباسي «محمد بن حزم الباهلي ت215هـ» وهو:
تَهِرُّ عَلى الجَليسِ بِلا اِحتِرامٍ
لِتَحشِمَهُ إِذا حَضَرَ الطَعامُ