في «دائرة سيدة تان».. «ليزا سي» تروي حكايةً أخرى في المسيرة النضاليّة للنساء

تشرين- حنان علي: 

«المرأة المتعلمة امرأة لا قيمة لها» عبارةٌ لخصت حياة النساء في عهد أسرة «مينغ» الصينية المتتبعة للفلسفة الكونفوشيوسية، حين آثرت النساء العاقرات ابتياع محظيات لأزواجهن لإنجاب الذكر.. بيد أن مصيراً مشابهاً كزوجة صالحة وأم رؤوم واجهته (تان يونشيان) الابنة الأرستقراطية عبر قلب المعايير السائدة ضمن حكاية نادرة باتت مرجعاً نسوياً فريداً.

توفيت والدة يونشيان في سن مبكرة ، ليتم إرسالها للعيش مع جدين يغمرانها بالحب مقدرين ذكاءها، إذ لا يقوم العجوزان بتعليمها الأنشطة الأنثوية التقليدية فحسب، بل يقحمانها في عالم طب المرأة في زمن لم يكن يُسمح للرجال بتقديم الرعاية الصحية للنساء إلا من خلف ستار . خلال ذلك الوقت تلتقي يونشيان بفتاة من الطبقات الدنيا تدعى ميلنغ ، تدرس القبالة، المهنة المكروهة في المجتمع الصيني من جراء تعرضها للمس الدماء، وسرعان ما تهيمن موضوعات الصداقة وديناميكيات السلطة بين نساء من طبقتين اجتماعيتين متمايزتين، صداقتهن المستهجنة والصعوبات التي تمر بها الفتاتان جوهر الرواية ولبها.. تساق كلتاهما إلى زيجات مرتبة، إذ تمنع (يونشيان) من قبل حماتها من رؤية ميلنغ أو مساعدة النساء والفتيات في المنزل. فالزوجة الارستقراطية تطرز النعال المربوطة بالقدم، وتقرأ الشعر ، وتلد الأبناء، وتبقى إلى الأبد داخل جدران مجمع العائلة والحديقة المعطرة. والعادة البربرية بربط مُحكَم لأقدام الفتيات الثريات لتعديل شكل وحجم أقدامهن، تركت أقدام بطلة الرواية مشوهة معوقة، حتى إنها طبقتها مع بناتهاـ في فعل يشي بأن المرأة بقدر ما كانت رائدة، فإنها بقيت ضحية للتقاليد لتأمين مستقبل أي (زواج) جيد لبناتها.

كيف يمكن لامرأة مثل يونشيان أن تتحرر من التقاليد، وتستمر في علاج النساء والفتيات من كل مستوى من مستويات المجتمع، وكيف واجهت الصعوبات، وحققت النجاح لدرجة أن العديد من علاجاتها لاتزال تستخدم بعد قرون خمسة؟! كيف يمكن لقوة الصداقة دعم أو تعقيد هذه الجهود؟

القصة المستوحاة من حكاية الطبيبة (تان يونشيان) الواقعية، ومن نصها الطبي المكتوب تنقل القارئ إلى سلالة مينغ: من حيث المشاهد ، والعطور ، والحدائق الفاتنة ، والفساتين المعقدة، والإكسسوارات الدقيقة.. ثروة من التفاصيل توضحها كاتبة الرواية (ليزا سي) عند ربط القيم الثقافية والدينية الصينية والأمثال التي تغلف القصة بالأصالة في تجربة غامرة تماماً، تنقل القارئ إلى الصين إبان القرن الخامس عشر؛ إذ ناضلت مكونات الصداقة والنضوج وتمكين المرأة للكفاح ضد القمع الذي تواجهه الفتيات والنساء، بدءاً من ربط الأقدام إلى الزيجات المرتبة إلى الإهمال الطبي لنساء لسن سوى مواطنات من الدرجة الثانية يكابدن تحت وطأة حياة قاسية تسودها العادات والتقاليد .. التثقيف حاضر في الكتاب بموازاة التسلية، فالجوانب الطبية مبتكرة ومتقدمة، بما في ذلك الطريقة الفريدة للتطعيم ضد الجدري.. وعن نساء يدعم بعضهن بعضاً في عصر خاوٍ من الحريات أو الحقوق، ما برحت (دائرة سيدة تان) النسائية قصة آسرة و إعادة كتابة ناجحة لامرأة فريدة رائعة في عهد أسرة مينغ الصينية.

وختاماً نذكر أن عظمة الخيال التاريخي كامنة في قدرته على الانغماس في القصة لدرجة أن القارئ ، بعد الانتهاء من الكتاب، يشعر بأنه مضطر للقراءة عن الموضوع

/ الحدث / الشخصية التاريخية والبحث عن تفاصيل ممتعة عن الأبطال في حياتهم الواقعية.

(دائرة سيدة تان) النسائية رواية تاريخية للروائية والصحفية الأمريكية (ليزا سي)، الكاتبة الأكثر مبيعاً حسب نيويورك تايمز، وهي مستوحاة من قصة حقيقية لطبيبة من الصين في القرن الخامس عشر .

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
خطاب الدجل والاستعراض بحث سبل تعزيز التعاون بين وزارة الصحة والتحالف العالمي للقاحات بنسبة 5%.. تخفيض أسعار الغزول القطنية للمرة الثانية هذا العام الطيران المروحي يشارك في إخماد حريق بين الحصن والحواش بريف حمص الغربي مصادر خاصة: اللقاء بين الرئيسين الأسد وبوتين حمل توافقاً تاماً حيال توصيف المخاطر والتوقعات والاحتمالات المقبلة وزارة الثقافة تمنح جائزة الدولة التقديرية لعام 2024 لكل من الأديبة كوليت خوري والفنان أسعد فضة والكاتب عطية مسوح الإبداع البشري ليس له حدود.. دراسة تكشف أن الإبداع يبدأ في المهد تضافر جهود الوحدات الشرطية في محافظة حماة يسهم في تأمين وسائط النقل للطلاب وإيصالهم إلى مراكز امتحاناتهم الرئيس الأسد يجري زيارة عمل إلى روسيا ويلتقي الرئيس بوتين بايدن - هاريس - ترامب على صف انتخابي واحد دعماً للكيان الإسرائيلي.. نتنياهو «يُعاين» وضعه أميركياً.. الحرب على غزة مستمرة و«عودة الرهائن» مازالت ضمن الوقت المستقطع