المعلم والموسيقي سلطان كوداي.. جعل من الموسيقا المجرية حديث كل لسان
تشرين- إدريس مراد:
تميزت المجر بالموسيقا والشعر، واستلهم من موسيقاها العديد من المؤلفين الكبار في العالم وخاصة الموسيقيين الأوروبيين، ومنهم من زار هذه البلاد مثل هايدن وبيتهوفن وشوبيرت، وتأثروا بموسيقاها في بعض أعمالهم، إضافة إلى ذلك نجد أسماء أخرى ممن تأثروا بالموسيقا المجرية كبرامز الذي كتب (رقصات مجرية)، وفرانس ليست الذي كتب (رابوسديانة المجرية)، ورغم ذلك لم تجد موسيقا المجر مساحة كافية في الساحة الثقافية الموسيقية العالمية إلّا في القرن العشرين، وذلك بفضل اثنين من أبنائها هما بيلا بارتوك وسلطان كوداي وانتشرت موسيقا المجر بفضلهما في بقاع الأرض، وأصبحت حديث كل لسان إلى جانب أعمالهما المستلهمة من الموسيقا الشعبية، وتحدثت في مقال سابق عن بارتوك، وفي السطور الآتية سأسرد قليلاً عن كوداي وأهميته في عالم الموسيقا.
شخصية موسيقية مرموقة
يعدّ سلطان كوداي من الشخصيات الموسيقية المرموقة في القرن العشرين، بفضل جهوده الجبارة التي بحث من خلالها في تراث بلده، وطريقته في التربية الموسيقية التي احتذى بها العالم، ونضاله من أجل نشر الموسيقا بين الأطفال والشباب، وشارك بارتوك في تجريد الموسيقا المجرية التراثية من الشوائب وتأثيرات المحيط، وتالياً تصحيح الفكرة السائدة عن الموسيقا في بلده بأنها موسيقا غجرية.
وجال كوداي في كل قرى المجر، وغاب عن الأنظار سنوات عدة، وهو يجول بين القرويين والأماكن البعيدة لجلب الأغاني والأهازيج الخام، وتالياً جمع مئة ألف أغنية أصدرتها أكاديمية العلوم المجرية عام 1951، ليضع أمام الموسيقيين مادة أصيلة ويبنى عليها هيكلية الموسيقا المجرية القومية، وعلى أساسها وضع كوداي نظريته المعروفة في التربية الموسيقية للأطفال واليافعين، وكتب مؤلفاته التعليمية من منطق فلسفي تربوي بأسلوبه الفريد.
أعمال موسيقية مختلفة
ألّف كوداي كلّ أشكال الموسيقا، لكن تميز أكثر بأعماله الكورالية، وجلها قائمة على نصوص من الأغاني الشعبية، كما كتب خمسين عملاً كورالياً خاصة للأطفال، ومنها للأصوات الرجال والنساء، كلٌّ على حدة، ومنها مختلطة، إضافة إلى كورال بمرافقة الأوركسترا، أضخمها وأكثرها انتشاراً مؤلفه أوراتوريو (المزمور المجري) ولاسيما عند تقديمه في سويسرا عام 1926 ليكون نقطة تحول في حياته، وهو مكتوب للتينور والكورال، وعمله الكبير أيضاً بعنوان (نحمدك اللهم) يعدّ من أنجح كتاباته حيث تلوينه المجري العميق والتناوب الجميل بين المعاني الدينية والوطنية، ومن أعمال الأوبرا (هاري يانوش) وتجسد حكاية جندي يسرد فيها مغامراته الخيالية وبطولاته وهزيمته لنابليون، واستخدم كوداي فيها الآلة الموسيقية المجرية الشعبية (السمبالوم)، وهناك عمل أوبرالي آخر سماه (المغزلة) استخدم فيه موضوعات وموسيقا شعبية، ومن عالمه الأوركسترالي هناك (رقصات جالانتا) و(رقصات مارستشيك)، ألفهما بمناسبة العيد الثمانيني لفلهارمونية بودابست عام 1933، ويغلب عليهما الطابع المجري الواضح، وفي الأوركسترا الأولى ألحان مستوحاة من موسيقا الغجر، أما الثانية ففيها ألحان شعبية أصيلة جمعها بنفسه ونسج العملين ببناء موسيقي محكم من خلال الربط التسلسلي المدروس بين المقدمة والأقسام الأخرى، وهناك عمل آخر بعنوان تنويعات على اللحن الشعبي (الطاووس).
أسلوب فريد
عموماً، لقد عرف كوداي كيف يعثر على طريقة جديدة في التأليف الموسيقي، إذ اقترب وبنظرة تحليلية من موسيقا فترة الباروك، وموسيقا فترة ما قبل الكلاسيكية، ومن الموسيقا الشعبية، كما فعل مواطنه بيلا بارتوك، وعرف كيف يحتضن هذا التراث الموسيقي المعروف بكل أساليبه وطرقه، من دون الحاجة إلى اتباع طريقة تحطيم الأسلوب الإنشائي، أو حتى إلى السخرية من هذا التراث العالمي الضخم، وهو بذلك لم يضطر لصياغة قالب جديد للموسيقا، كما فعل موسيقيو القرن العشرين أثناء محاولتهم تحطيم القوالب.
مسيرة البدايات
اشتهر سلطان كوداي أو كما يكتب اسمه بعض الباحثين العرب (زولتان كودالي)، أيضاً بأهميته كعلم من أعلام التربية الموسيقية في العالم، وهو من مواليد المجر وعاش بين عامي 1882- 1967، تعلم العزف على البيانو والكمان والتشيللو في البداية من دون معلم، ثم انتقل إلى العاصمة بودابست والتحق بجامعة الفلسفة المجرية، كما التحق بالمعهد العالي للموسيقا وحصل على دبلوم في اللغات الأوروبية إضافة إلى دبلوم في الموسيقا، وهناك تعرف على بارتوك وعملا معاً على جمع الموسيقا الشعبية المجرية في جميع أنحاء البلاد، وكان قد حصل على شهادة الدكتوراه عن أطروحته (البناء الشعري للأغاني الشعبية المجرية)، وعيّن مدرساً في المعهد العالي للموسيقا في بودابست، كما عمل ناقداً موسيقياً وكتب العديد من المقالات، وألّف الكثير من الدراسات النظرية في موسيقا الشعوب، إلى جانب مؤلفات لكل أشكال الموسيقا الكورالية والأوبرالية والأوركسترالية.