المعرّي الذي لم يجنِ على أحد!!
تشرين- د. رحيم هادي الشمخي:
قالها بيتاً من الشعر فذهبت مثلاً، وفيها لخص أبو العلاء المعري فلسفته في الحياة، التي ظل دائماً يرفضها ويدعو الآخرين إلى رفضها، من دون أن يقوى على رفض أحد أحلى مباهجها على الإطلاق.. الشعر.
فقد كان أبو العلاء المعري الذي ولد في معرة النعمان في بلاد الشام عام (362هـ – 973م) باسم أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي، شاعراً احتل مكانته المتميزة جداً في ديوان الشعر العربي وفقاً لترتيب خاص جعله لا يشبه أحداً، ولا يشبهه أحد، على الرغم من كثرة المتشبهين به فيما بعد، وربما كانت ظروف نشأة المعري الخاصة السبب في خصوصيته الشعرية والمسلكية فيما بعد، فقد أصيب المعري بمرض الجدري في سنوات طفولته الأولى، وما لبث أن فقدَ بصره، لكن هذا كله لم يمنع شاعريته من التفتح المبكر في حقول أدبية، بدت منذ بدايتها غير مطروقة تقريباً، وخاصة أنه بدأ رحلة التثقيف بداية مبكرة على يد والده الذي توفي قبل أن يبلغ الشاعر الرابعة عشرة من عمره، ما جعله يسافر إلى بغداد عاصمة الرشيد طلباً للعلم وتشوقاً لمجالسه الزاهرة – هناك آنذاك- لكنه لم يبق فيها سوى عامين قبل أن يرجع إلى موطنه للقاء أمه المريضة، التي لم يُقدّر له أن يراها.
ورغم كل المشكلات التي واجهت المعرّي إلا أنها لم تستطع إعاقة الشاعر – المثقف بما هو فوق ثقافة عصره- عن التفاعل مع قضايا العصر السياسية والاقتصادية، فكتب فيها مخلصاً لذاته المستكينة، ولنفسه المثقفة، فوثّق –شعرياً- الكثير من المعارك بين العرب والروم، وتبرّمه من رجال عصره من السياسيين.
ومن أجمل ما قاله المعرّي في شعره:
إِذا ما عَراكُم حادِثٌ فَتَحَدَّثوا
فَإِنَّ حَديثَ القَومِ يُنسي المَصائِبا
وَحيدوا عَنِ الأَشياءِ خيفَةَ غَيِّها
فَلَم تُجعَلِ اللَذاتُ إِلّا نَصائِبا
وَمازالَتِ الأَيّامُ وَهيَ غَوافِلٌ
تُسَدِّدُ سَهماً لِلمَنِيَّةِ صائِبا.