ملف «تشرين».. قمة بصيغة العدوان… «ناتو» يرفع راية الحرب شرقاً
تشرين- رشا عيسى:
أخفقت قمة حلف شمال الأطلسي «ناتو» التي انعقدت في ليتوانيا الأسبوع الفائت بتقديم استعراض القوة الاستثنائي الذي روج له البعض من دول «ناتو»، ولم تنجح في إظهار الوحدة والمبدأ الدفاعي الذي قام عليه الحلف، كما أن الأعضاء لم يكونوا على درجة التوافق نفسها حول قضايا جوهرية لبلدانهم، لكنهم نجحوا مجدداً بالتأكيد أن انخراطهم في توتير الأجواء العالمية مستمر، وكذلك دورهم الحربي لا يزال قائماً وأن الجبهة العدائية المفتوحة ضد روسيا والتي تقودها الولايات المتحدة، في توسع، وخاصة بعد قبول انضمام فنلندا ودخول مرتقب للسويد إلى الحلف.
لا يلوح في الأفق ما يدعو إلى الاعتقاد بأن هذه العدوانية ستنخفض مع تصريح قادة «ناتو» أن آسيا وجهتهم الجديدة بعد البلطيق والبحر الأسود، لكن بالمقابل روسيا ليست بالطرف السهل بل إن لديها طاقات كبيرة جداً تمكنها من توثيق علاقاتها التجارية والاقتصادية والسياسية.
توسع مشبوه
المحلل السياسي أحمد طارق قلعة جي بيّن لـ «تشرين» أن الولايات المتحدة لم تتوقف عن سعيها لتوسيع «ناتو» بضم المزيد من الدول سواء في إطار عضوية حقيقية أو في إطار تحالفات موازية كالدعوة إلى إنشاء شراكة أطلسية – متوسطية تضم عدداً من الدول حتى العربية منها.
قلعة جي: ليس مستغرباً سعي أميركا لتوسيع «ناتو» وخاصة باتجاه دول
تملك اقتصادات جيدة يمكن الزج بها لضمان ديمومة التمويل بعد تململ دول أوروبا من الإنفاق العسكري
ورغم أن إنشاء حلف «ناتو» كان لغايات وأهداف إقليمية فقط بعد الحرب العالمية الثانية، لكن أثناء الحرب الباردة ظهر جلياً أن لحلف «ناتو» غايات أخرى ودخلاً في المعادلة الجيوسياسية كجيش رديف للجيش الأميركي في تحقيق تلك الأهداف وأهمها محاصرة روسيا الاتحادية والصين والتهديد بالعصا الغليظة بوجه الدول التي تناقض سياسات الولايات المتحدة.
لذلك ليس مستغرباً سعي الولايات المتحدة لضم مزيد من الدول إلى الحلف خاصة تلك التي تحيط بروسيا أو تلك التي تملك اقتصاديات جيدة يمكن الزج بها في مشكلة إيجاد موارد جيدة لتمويل «ناتو» بعد تململ دول أوروبا الجنوبية من الإنفاق العسكري.
أما أوكرانيا فهي لم تتلقَ من الحلف إلّا وعوداً بالانضمام إليه، لكن بدا واضحاً أنهم لن يوافقوا على انضمامها على الأقل في ظل الحرب الدائرة مع روسيا لأن الـ«ناتو» سيُبقي على معادلة تقديم الدعم لإطالة أمد الحرب من دون الدخول مباشرة بها وهو لن يعطي الرئيس الأوكراني فولديمير زيلنيسكي ورقة تطبيق بنود ميثاق الحلف لإجبار دوله على خوض الحرب مباشرة إلى جانبه فيما لو ضمت أوكرانيا إلى الحلف. وهذا ما يفسر الامتعاض الكبير له في قمة «ناتو» الأخيرة ومطالبته بتنفيذ الضمانات الأمنية لدول مجموعة السبع.
استبعاد المواجهة المباشرة
ورأى قلعة جي أنه لن تكون هناك مواجهة أطلسية عسكرية مباشرة مع الصين أو مع روسيا. لأن الهدف هو أن تبقى الأمور في دائرة المعارك بالوكالة والضغط الاقتصادي والسياسي الذي لا يصل إلى جر الجميع لحرب عالمية رابعة نووية بامتياز، ولكن اشتعال هذه الحرب متوقف على خطأ بسيط يمكن أن يرتكب بشرط أن يملك الطرف الآخر إرادة الذهاب إلى آخر الطريق من دون عودة.
قلعة جي: لن تكون هناك حرب أطلسية مباشرة مع الصين أو روسيا..
الهدف أن تبقى الأمور في دائرة المعارك بالوكالة لكن اشتعال حرب جديدة متوقف على خطأ بسيط
وأوضح قلعة جي أنه ووفقاً للمعطيات الأمور ستبقى عند المستوى الحالي لأن لا أحد لديه القدرة على تحمل تبعات اندلاع حرب كهذه والمطلوب من أوكرانيا أن تقاتل وكالة عن الحلف وليس معه حتى آخر أوكراني.
مخطط المحاصرة
من جهتها، أكدت الباحثة المهندسة مريم جودت فيوض أنَّ انضمام فنلندا إلى حلف «ناتو» والتي تمتلك حدوداً برية شرقية مع روسيا بطول 1340 كم، قرّب الحلف من الحدود الروسية وعزز فرص عدم الاستقرار في المنطقة وتحديداً بعد الحرب في أوكرانيا والتدخل المباشر لحلف «ناتو» فيها عن طريق الدعم المباشر لأوكرانيا بالمعدات والتجهيزات العسكرية.
ورأت فيوض أن الأمور أخذت منحى تصاعدياً أكثر بعد لحاق السويد بفنلندا وإعلانها الرغبة بالانضمام إلى «ناتو» ما يلغي الحياد العسكري الذي حافظت عليه الدولتان الاسكندنافيتان لفترة طويلة ويجعلهما تصطفان في المعسكر الحربي والمعادي لروسيا.
المزيد من عدم الاستقرار
وأوضحت فيوض أن مسألة الانضمام الجديدة للسويد وفنلندا ستنعكس سلباً على الاستقرار في القارة الأوروبية أولاً، وتزيد من حالة التوتر الذي سببته الحرب الروسية الأوكرانية ثانياً، حيث تعد أكبر حرب في القارة الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية وأبرز أهدافها تقليص المساحة الإستراتيجية لروسيا، بالتزامن مع سعي حثيث من قبل كييف للانضمام إلى هذا الحلف.
الصراع القديم
وجدت فيوض أنَّ جوهر الصراع ليس جديداً، بل بدأ في الفترة الزمنية التي تلت الحرب الباردة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1999 حيث تشكلت روسيا كدولة مستقلة وبدأت في تحقيق تغييرات سياسية واقتصادية هائلة.
فيوض: زيادة الاصطفاف العالمي حدة وعسكرة عبر توسع «ناتو»
إلى حدود روسيا يجعل العالم أكثر قرباً من حرب كبرى جديدة ظاهرها عسكري وباطنها اقتصادي
وأدى هذا التغيير إلى توترات بينها وبين الولايات المتحدة، وتجلى في العديد من المجالات منها اتهام أميركا لروسيا بالتدخل في الانتخابات الأميركية، وتبادل الاتهامات بشأن الهجمات السيبرانية وغيرها، فضلاً عن وجود تحالف إستراتيجي قوي يجمع بين الصين وروسيا في مجال الاقتصاد والتجارة ويهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين وتعزيز التجارة والاستثمار المشترك، ويشمل هذا التحالف العديد من الاتفاقيات والمشاريع المشتركة في مجالات مختلفة مثل الطاقة والنقل والتكنولوجيا ما سيكون له تأثير كبير على الآليات الاقتصادية والسياسية العالمية، ما يشكل أيضاً توازناً أكبر في القوى العالمية ويعزز موقعهما الاقتصادي والسياسي.
إنّ زيادة الاصطفاف العالمي حدةً وعسكرةً عبر توسع حلف «ناتو» ليصل إلى حدود روسيا الجغرافية يزيد من حدة الانقسام و يجعل العالم أكثر قرباً من نشوب حرب عالمية جديدة ظاهرها عسكري وحقيقتها اقتصادية يقودها جشع وطمع الشركات العملاقة الأميركية والغربية والتي تهدف إلى السيطرة على مقدرات الكون بشكل كامل. إنّ انضمام فنلندا حالياً سيؤدي إلى تغيير كبير في المشهد السياسي والجيوسياسي الأوروبي وكذلك سيؤثر على الوضع الأمني العالمي.
انحياز للعدائية
بدورها، وجدت الباحثة في الشؤون السياسية الدكتورة سمر تلاوي أن حلف شمال الأطلسي انحاز منذ زمن عن أهداف نشأته وأبرزها الدفاع عن الأمن الأوروبي ليتحول جيشاً رديفاً للجيش الأميركي وأثار صراعات وأقحم نفسه في صراعات عديدة خدمة لمصالح واشنطن.
عقلية الحرب التي يُدار فيها الحلف لم تتغير منذ زمن، حيث يكرس الحلف نفسه أداة في المواجهات العسكرية وكأنه مجرد آلة حرب خدمة لواشنطن بالدرجة الأولى، أي أن مفهوم الحلف الدفاعي، وتشكيل منظومة دفاعية بات مجرد شعار وهمي، والأحداث التاريخية مليئة بالدور الأسود للناتو، ولسقوط المدنيين ضحايا لآلته الحربية.
وأكدت تلاوي أن إعلان قبول انضمام فنلندا ودخول السويد إلى الـ«ناتو» يعني أن الدول الاسكندنافية أصبحت تحت إمرة «ناتو» والأخطر أن حدود روسيا الغربية ما عدا الحدود مع أوكرانيا باتت حالياً تحت سيطرة «ناتو» ما يؤدي إلى زيادة الصراعات والانقسامات.
تلاوي: عقلية الحرب التي يُدار بها «ناتو» لم تتغير.. وما زال يكرس نفسه
أداة في خدمة الأجندات الأميركية.. والتوسع الجديد سيفاقم من حالة عدم الاستقرار الإقليمي والدولي
أما أوكرانيا فكانت الخاسر الأكبر في هذه القمة رغم محاولات إرضائها بالقليل، لكن أن تحتل مقعداً ضمن «ناتو» بات مشروطاً بإعلانها الفوز في الحرب الدائرة وهذا يبدو عسكرياً بعيد المنال.
التوسع الجديد للناتو خارج حدود شمال الأطلسي باتجاهات جديدة والتدخل في مناطق جديدة سيؤدي حتماً إلى المزيد من عدم الاستقرار الدولي والإقليمي وهذا يقودنا إلى حقيقة واضحة أن تحقيق السلام في أوروبا سيكون مستحيلاً بسبب عجز «ناتو» عن الحد من التدخل العسكري الأميركي.
وأكدت أن توغل «ناتو» شرقاً في منطقة آسيا والمحيط الهادئ يقوض السلام والاستقرار الإقليميين لأن جلب تكتلات عسكرية إلى هذه المنطقة من شأنه إذكاء الانقسام والمواجهة.
ووجدت تلاوي أننا أمام مرحلة جديدة من الحرب إن صحّ التعبير، ولكن الحرب ستكون بمعنى ضرب مصالح وتهديد الاقتصاد بشكل أو بآخر وهذا ما لن تسمح به موسكو.
اقرأ أيضاً:
ملف «تشرين».. قمة فيلنيوس.. أردوغان يعود إلى جلده ونتائج الحسابات الخاطئة ليست بعيدة