“ثورة” لكن “ليس بأي ثمن”.. الذكاء الاصطناعي يهدد التراث الفني للإبداع
تشرين:
بعد انتشار مقاطع صوتية مزيفة على الإنترنت، العديد من الشخصيات العامة بدأت تطالب بإصدار قوانين تحمي أصواتها، بدأ الممثلون المتخصّصون في دبلجة الأصوات من تقنيات الذكاء الاصطناعي .
ويرى الأستاذ أحمد بوبس الناقد الفني، أنّ قارئي الكتب المسموعة في مختلف أنحاء العالم وفي الأعمال السينمائية والتلفزيونية يخوضون مواجهة مع الذكاء الاصطناعي الذي يهدد مستقبلهم المهني، ويرون فيه “وحشاً ضخماً” قادراً على إنشاء أصوات رقمية مطابقة للأصوات البشرية.
وأٌنشئت عشرون نقابة ومنظمة عمالية في عدد من الدول “منظمة الأصوات المتحدة” التي تقوم بحملات تحت شعار “لا تسرقوا أصواتنا” من أجل الدفع نحو إقرار تشريع يوائم بين الذكاء الاصطناعي والإبداع البشري.
وتحذر المنظمة من الاستخدام “العشوائي وغير المنظم” للذكاء الاصطناعي، ما قد يؤدي إلى القضاء على “التراث الفني للإبداع الذي لا تستطيع الآلات إنتاجه”.
ويرى بوبس حسب متابعاته أنّه في السنوات الأخيرة، لم يُبدِ العاملون في مجال الدبلجة قلقاً كبيراً عند انتشار تكنولوجيا “Text To Speech” وهي تقنية تجعل من الممكن تحويل نص مكتوب إلى كلام صادر من صوت بشري بإلقاء آلي، وهي وسيلة مستخدمة في خدمات المساعدة الصوتية مثل “سيري” و”أليكسا”.
لكن الذكاء الاصطناعي أضاف “التعلّم الآلي” الذي يسمح للبرنامج بمقارنة عينة صوتية بملايين العينات الأخرى.
وتُقدم منصات عاملة بالذكاء الاصطناعي، مثل revoicer.com (“ريفويسر دوت كوم”)، مجموعة واسعة من الخدمات الصوتية مقابل رسم شهري قدره 27 دولاراً، وهو مبلغ زهيد مقارنة مع ما يتقاضاه الأشخاص المحترفون في هذا المجال.
وتقول المنصة عبر موقعها الإلكتروني إنّ الخدمة “لا تهدف إلى استبدال الأصوات البشرية”، لكنها تقدم بديلاً فعالاً من حيث التكلفة.
وتوضح رئيسة الجمعية المكسيكية للعاملين في مجال الإلقاء الصوتي التجاري أنّ هذه التكنولوجيا الجديدة “تغذيها أصوات قدمناها على مدى أعوام”.
وتضيف “نحن نتحدث عن حق الإنسان في استخدام الصوت والترجمة الفورية من دون موافقة”.
وتواصل شركات التكنولوجيا هذه توظيف مترجمين، لكن هؤلاء يدركون أنّ خدماتهم تسهم في تغذية أرشيف صوتي ضخم.
وينادي فنانو الصوت هؤلاء بإقرار قوانين لمنع استخدام أصواتهم من دون موافقتهم، وفرض “حصص عمالة بشرية”، كما يوضح المدبلج الكولومبي دانيال سولر دي لا برادا الذي مثّل “منظمة الأصوات المتحدة” في الأمم المتحدة والمنظمة العالمية للملكية الفكرية.
في المكسيك، أحد أهم البلدان في مجال الدبلجة في أمريكا اللاتينية، جرى أيضاً تقديم مشروع قانون يهدف إلى تنظيم هذه التكنولوجيا.
في الأرجنتين، هناك قانون يحصر الدبلجة بالأشخاص المتخصصين في المجال، ما يعني استبعاد المدبلجين الآليين وفق فرناندو كوستا، الذي يكافح مع اتحاد فناني الدبلجة ضد شعار شركات الخدمات الصوتية الرقمية “توقفوا عن الاستعانة بالمدبلجين، وفروا المال”.
لكن الذكاء الاصطناعي يفتح إمكانات لا حصر لها. في المستقبل، على سبيل المثال، يمكن دبلجة الصوت الحقيقي للممثل ويل سميث بلغات عدة، مع طريقة نطق محترفة شبيهة بأداء ممثلي الصوت المحترفين، بحسب الراوي والمدبلج المكسيكي ماريو فيليو.
ويقول فيليو الذي تولى الأداء الصوتي بالإسبانية لدور قدّمه ويل سميث، ووضع صوته على شخصيات شهيرة بينها “أوبي-وان كينوبي” (حرب النجوم)، و”ويني ذي بوه”، “نحن نقاتل ضد وحش ضخم”.
ويشير إلى إمكانية عقد اتفاقات تحافظ على المكاسب التي يتوخاها الجمهور وتحفظ الوظائف، “بشرط أن نتقاضى رواتب عادلة”، مشدداً على “نقص الحماية” في هذه المهنة المستقلة.
وتُجري ماكلوفيا غونزاليس، وهي مدبلجة مكسيكية تتعاون مع علامات تجارية بارزة، حالياً مفاوضات مع شركة للذكاء الاصطناعي رفضت ذكر اسمها.
قبل الالتزام معها، تقول غونزاليس إنها تطرح الكثير من الأسئلة، لكنها تحصل فقط على إجابات جزئية تقتصر على تقديم وعود بالعائدات. ومنذ أول اتصال بين الجانبين قبل خمسة أشهر، تم التعاقد مع ممثلين صوتيين آخرين. وتؤكد غونزاليس “أريد أن أكون جزءاً من هذه الثورة، لكن ليس بأي ثمن”.
وصدر التحذير ذاته عن شركة Art Dubbing (“آرت دابينغ”) للدبلجة، بعد طلبات تلقتها للحصول على عروض أسعار من عملاء يريدون الاستعانة بأصوات بواسطة الذكاء الاصطناعي.
ويرفض مدير الشركة، المكسيكي أنور لوبيز دي لا بينيا، التضحية بالمواهب البشرية، لكنه يدرك أنّه يواجه الآن معضلة “إمّا التكيف وإما الزوال”.
وتوقّف ماريو فيليو عن إعطاء صوته للكثير من العملاء، رافضاً “الاستسلام لكل شيء”. ويقول “حان الوقت لدعم زملائي”، مبدياً قناعته بأنّ الذكاء الاصطناعي “لا يمكن” أن يحل محل البشر لأنه ببساطة “بلا روح”.