هل نعيش في عشوائية ثقافية؟
تشرين- بديع منير صنيج:
أعتقد أن ما تشهده الحركة الثقافية في سورية عموماً، هو ليس انخفاضاً في النتاج الثقافي، فنحن هنا لا نتحدث عن الكَمّ فقط، لأنه لو أحصينا ما يتم على الساحة الثقافية سنوياً، لشهدنا مئات الكتب الصادرة حديثاً، وعشرات المسرحيات، ومثلها من الأفلام السينمائية الطويلة، وكذلك مئات معارض الفن التشكيلي، ومثلها من الحفلات الموسيقية، لكن ما تعاني منه الحركة الثقافية قبل الحرب وخلالها يعود في جوهره إلى عدم وضوح استراتيجية ثقافية ، على صعيد فعاليات المجتمع المدني، وتالياً عدم إمكانية البناء التراكمي على ما تم إنجازه سابقاً وذلك في غياب رؤية واضحة ومشروع يتم البناء التراكمي عليه.
طبعاً ازداد الأمر سوءاً في ظل الحرب، حيث باتت الثقافة بالنسبة للمعنيين بها سقط متاع بكل أسف، وفي أدنى درجات الاهتمام والرعاية، على الرغم من أننا لو عُدْنا إلى الأسباب الرئيسة للحرب لوجدنا أنها ثقافية بنسبة كبيرة ومتعلِّقة بالوعي المجتمعي، لكن ما يحصل بالعموم هو أن التقييم غالباً ما يكون على أُسُس واهية، بمعنى أنه يُنظر إلى إنجازات حتى أصغر مدير في أصغر مركز ثقافي ضمن أي بلدة نائية، على أساس مجموع الفعاليات التي قدَّمها في مركزه، من دون مراعاة موضوع القيمة الحقيقية، وإمكانية أن يتحوَّل ذاك الكمّ إلى نوع، على كل الصعد الموسيقية والأدبية والمسرحية والتشكيلية..
والحل الأمثل لهذه الهمروجات الثقافية، فهو إيجاد بدائل لمن يمكن تسميتهم أنصاف المثقفين، بحيث يمتلكون الوعي الكافي والقدرة على التخطيط وبناء آليات تنفيذ واضحة المعالم لتنفيذ خططهم على المديين القصير والطويل، وأن تتم الاستعانة بلجان فاعلة للتقييم والتقويم للاستفادة من خبراتها في التمييز بين الجيد والرديء، مع صلاحيات تمكِّنها من رفض نشر الكتب التي لا تضيف شيئاً إلى المكتبة العربية، وعدم السماح بإنتاج أفلام “هات إيدك والحقني” وبالمُنفِّذين ذاتهم، أو إنجاز عروض مسرحية من فئة “الليرة ونص”، وأيضاً عدم الركون إلى التكرارات المُمِضَّة للحفلات الموسيقية ذات البرامج المتشابهة والأسماء المُوَحَّدة، وهكذا يُصبح النتاج الثقافي نوعياً، ويعرف من يُريد الدخول فيه أن هناك من سيُحاكِمُه بمعايير علمية إبداعية دقيقة، من دون مهادنة وما إلى هنالك مما يُسيء إلى الثقافة عموماً.
بالتأكيد هذا الموضوع لا ينطبق على المشروعات الثقافية الرسمية بل على غير الرسمية أيضاً، التي من واجبها أن تحقق اختراقات إبداعية على الذهنية ، ومن دون الالتفات إلى المحظورات المعششة فيها، بحيث تشكل مساهمة حقيقية ومُغايرة في نكهتها، إذ من المعيب في حقِّها أن تدور في فلك الثقافة وتسير على خطاها ذاتها، وهذه المغايرة والاختلاف يحققان فرزاً إضافياً للغث من السمين، بفعل المنافسة المطلوبة في الجودة، وفي هذه الحالة فقط نصبح أمام تيارين ثقافيين يسعى كل منهما لإثبات ذاته وتحقيق سمعته الحسنة، بعيداً عن العشوائية الثقافية التي تُدَمِّر أكثر مما تبني.