الكنز الضائع وسطوة الثقافات العالمية!
تشرين- هدى قدور:
كلما نشرت صورة لمنحوتة تمثل أقدم أبجدية سورية في التاريخ، أو أقدم قصيدة شعرية، وأقدم أدوات حليّ، وأقدم مخططات هندسية، وأقدم تسريحة شعر، وأقدم قبلة.. وغير ذلك من الاكتشافات، تأكد لنا أن هناك كنزاً كبيراً في باطن الأرض، مازال الكثير منه ضائعاً للأسف. فالمكتشفات لم تنتهِ بعد وتوقف الكثير منها بسبب الأحداث، كما تسببت الاعتداءات الكبيرة التي تعرضت لها الآثار من الجماعات المسلّحة بتدمير الكثير من المعالم خلال السنوات الأخيرة. هذا الكنز الضائع يحتاج إلى نبش من جديد وإعادة إلى الضوء، خاصة أن الدلائل تقول إنّ معظم الثقافات العالمية أخذت بشكل أو آخر من الحضارة السورية في بلاد الشام والرافدين، مع إغفال حقوق الملكية الفكرية لتلك الحضارة التي تمكنت من رسم ملامح البشرية الأولى.
البلاد التي تضم أقدم المسارح في التاريخ، لابدّ أنها كانت متطورة كثيراً على صعيد كتابة النص والإخراج ومعالجة الأفكار بشكل مسرحي. كذلك الأمر بالنسبة للفن التشكيلي، فالمنطقة التي قدمت أقدم منحوتة لابدّ أنها مرت بمراحل طويلة من التطور الفني حتى وصلت إلى ما وصلت إليه في فن النحت التدمري وقبله الآشوري والبابلي وفي إيبلا وأفاميا وغيرها.
ولاشك في أن القطيعة مع ذلك التاريخ أو عدم الاتصال معه بالشكل الوافي والكافي، كان لها الدور الكبير فيما انتشر من تقليد للغرب في مختلف المدارس الفنية، لكننا إذا تحدثنا عما في أيدينا من مكتشفات وأبحاث فسنتأكد أن السبق الشامي الرافدي، ليس عملية تنظير أو انفعالات عاطفية، بل هو مدعم بالمكتشفات الملموسة التي لا يمكن أن تأتي من سراب.
لقد ظلمت هذه الريادة التاريخية بتواطؤ من بعض الدوائر العالمية التي حاولت كثيراً تغيير تدوين التاريخ، لكن في كل مرة كان يخرج اكتشاف جديد يعيد تلك القضية إلى الواجهة بشكل يؤكد الريادة التاريخية السورية رغم محاولات السلب التي مارسها المؤرخون الغربيون الذين نسبوا كل شيء إلى اليونان.
واليوم فإنّ إعادة المجد الحضاري السوري إلى الواجهة، تعد مهمة وطنية كبرى لابدّ أن يقوم بها المبدعون، والبداية لابدّ أن تكون بالاطلاع على هذا التراث الضخم الذي مازال جزء كبير منه مدفوناً تحت التراب. كما نحتاج اليوم إلى اكتشاف شخصيتنا الفنية من جديد عبر العودة إلى تلك الينابيع، والربط معها بشكل أو آخر، وهذا أجدى وأفضل من التأثر بالفنون العالمية التي تجعلنا ننجز إنتاجاً شبيهاً بما يصنعه الأوروبيون.
الكنز الحضاري الضائع ينادينا كل فترة باكتشاف عبر منحوتة أو نوتة موسيقية أو نص شعري، إنه بمنزلة الروح العصية على الموت والقادرة على النبض بالحياة مثل أسطورة الفينيق تماماً.