«حكايا هامشيّةٌ» وتفاصيل عن تغيير اسم شارعٍ في «هامبورغ»

تشرين- لبنى شاكر:
«قُرصان الألب» قصةٌ للكاتب والناشط البيئي والسياسي التشيلي لويس سيبولبيدا 1949-2020، جاءت مع ثلاثين أخرى في المجموعة القصصية «حَكايا هامشيّة»، ترجمتها للعربية د. ريم منصور الأطرش، ضمن المشروع الوطني للترجمة في الهيئة العامة السورية للكتاب 2023، وهي على حد تعبير الكاتب تُؤكد أن الحياة قصيرةٌ وهشّة، لكن الكرامة والقيمة يمنحانها الحيويّة التي تجعلنا نتحمل فِخاخها ومصائبها، وهذا سببٌ أوّل يمنحها أحقية التناقل بين الأزمنة والأمكنة، إلى جانب الدهشة التي تسبغها خاتمتها غير المتوقعة على السيرورة ككل.
مُباشرةً، يضعنا سيبولبيدا أمام واقعٍ قائم، يفصله ستمئة عام عن زمن حكايته، فلا أحد يعرف من هو العمدة سيمون فون أوتريخت الذي أُطلق اسمه على شارعٍ في مدينة هامبورغ، سوى أنه أمر بإعدام رجلٍ تذكره فئات من الناس، لا قيمة لها أصلاً، إشارةً إلى الانتقائية التي تحكم أبسط الأشياء وأهمها في الوقت نفسه، بما في ذلك الحقائق والمصائر، والكلام هنا عن القرصان كلاوس ستورتيبيكر، رجلٌ قال لا في وجه الضرائب والسوط وحبل المشنقة، في وقتٍ كان الرفض فيه قبولاً بالموت الآتي لا محالة، تماماً كما تقول حوادث التاريخ.
عام 1392، تمرّد القرصان ضد رابطةٍ ضمّت مدناً تجارية في منطقة بحري الشمال والبلطيق (شمال أوروبا)، فرضت ضرائب عبثية، وأسعاراً تعسفية على المزارعين والحرفيين، واستولى مع مجموعته على سفينة تجوب البحار، يصعدون إلى السفن المحملة بالبضائع، ويتقاسمون الغنائم مع سكان ضفاف الألب وشواطئ البلطيق، ورغم مقاومة القرصان عشرات البحارة الألمان والسويديين والدانماركيين الذين أرادوا تسليم رأسه مقابل جائزة كبيرة، فإنه يقع أخيراً في قبضتهم، ليبدأ فصلٌ آخر، لا يقل حماسةً وتحدياً عما سبقه، بل ربما سيكون توصيفاً دقيقاً لسيرة رجلٍ من القلائل.
يتجمّع سكان هامبورغ لحضور إعدام القرصان ومئة من رفاقه، وسرعان ما يصرخ العمدة أوتريخت «الموت بقطع الرأس»، لكن القرصان يقترح صفقةً لتحسين العرض، يُريد أن يكون الأول بين مُنتظري الإعدام، ومن ثم أن يُقطع رأسه واقفاً، والأهم أن ينجو أحد رجاله من الموت، بعد كل خطوةٍ يخطوها، بمجرّد أن يُلامس رأسه الأرض، ومع أن العمدة يرى في الصفقة تبجحاً من جهة، واستحالةً من ثانية، لكنه يُوافق، وخلال دقائق تدخل قطعة فولاذ من مؤخرة عنق القرصان وتخرج من ذقنه، لكن صاحب الرأس المقطوع يمشي اثنتي عشرة خطوة، قبل أن يسقط أرضاً!.
لا يتفنن الكاتب في انتقاء مُفرداته، ولا يبحث في الحياة الخاصة للشخصيات الرئيسة، مُفضلاً الاقتصار على الجوانب التي يتجاوز أثرها الخاص إلى العام، بمعنى أن حضورها في مجرى التاريخ هو ما يعنيه فقط، أفعالها ذات النتائج المُتوالدة في سياقها الزماني والمكاني، والإنساني عامةً، فالقرصان كلاوس ستورتيبيكر أنموذجٌ للكفاح من أجل شعبه، ولاءٌ مُثبت تجاه القيم والحقوق والانتماء، تغيب عن سيرته صراعات المناصب والمكاسب وطموحات التوسّع والاستبداد، وحتى في لحظاته الأخيرة، ينحاز للحياة التي تستحق أن نُقاتل لنحمي كرامتنا فيها، ويمنحها لرفاقه بينما رأسه يتدحرج بين الأرجل، من دون تفسيرٍ منطقي لما حدث، في ذلك الوقت.
وعلى غرار البداية، تأتي النهاية مباشرةً أيضاً، كأنّ الكاتب يستقي أهميةً إضافية للقصة، مما آلت إليه تفاصيلها في حياة أجيالٍ من الأبناء والأحفاد، يقول: «عام 1999، ألقت شرطة هامبورغ القبض على عدة صبية يحاولون للمرة المئة تغيير اسم الشارع، كانوا يحملون مُلصقاتٍ زرقاء طويلة، بأحرف بيضاء، يُقرأ عليها شارع كلاوس ستورتيبيكر، وضعوها لتُغطي الصفائح المعدنية التي تحمل اسم العمدة النكرة سيمون فون أوتريخت».

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
في ذكرى تأسيس وزارة الثقافة الـ 66.. انطلاق أيام الثقافة السورية "الثقافة رسالة حياة" على سيرة إعفاء مدير عام الكابلات... حكايا فساد مريرة في قطاع «خصوصي» لا عام ولا خاص تعزيز ثقافة الشكوى وإلغاء عقوبة السجن ورفع الغرامات المالية.. أبرز مداخلات الجلسة الثانية من جلسات الحوار حول تعديل قانون حماية المستهلك في حماة شكلت لجنة لاقتراح إطار تمويلي مناسب... ورشة تمويل المشروعات متناهية الصغر ‏والصغيرة تصدر توصياتها السفير آلا: سورية تؤكد دعمها للعراق الشقيق ورفضها مزاعم كيان الاحتلال الإسرائيلي لشنّ عدوان عليه سورية تؤكد أن النهج العدائي للولايات المتحدة الأمريكية سيأخذ العالم إلى خطر اندلاع حرب نووية يدفع ثمنها الجميع مناقشة تعديل قانون الشركات في الجلسة الحوارية الثانية في حمص إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه ‏الملاحة البحرية.. بسبب سوء الأحوال الجوية صباغ يلتقي بيدرسون والمباحثات تتناول الأوضاع في المنطقة والتسهيلات المقدمة للوافدين من لبنان توصيات بتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتفعيل نافذة الاستثمار في الحوار التمويني بدرعا