اللهجة السوريّة تتصدّر منصتي «نتفلكس» و«ديزني».. مقوّمات فنيّة عالية قادت الصوت السوري نحو العالميّة
تشرين- ميسون شباني:
هم نجوم مجهولون، لكن بأصواتهم لفتوا الأنظار بإحساسهم العالي وقدرتهم على التلّون لتوصيل الفكرة، ومنذ الثمانينيات من القرن الماضي بات فن (الدوبلاج) أحد الفنون التي انتشرت في الوطن العربي وخاصة عبر الكارتون، ورسم السوريون بأصواتهم بصمتهم الخاصة عبر مسلسلات الكارتون المتنوعة.
وبمرور الوقت تطور الأمر إلى الأعمال المعربة، وبدأت ملامح الدوبلاج الدرامي السوري تظهر وتتبلور عبر الشاشات العربية، وكانت اللهجة السورية جزءاً أساسياً منها ومازالت حتى يومنا هذا متربعة على عرش الأعمال الدرامية المدبلجة، وكان لها سحرها الخاص عند سماعها، إذ تميز الممثلون السوريون الذين عملوا في الدوبلاج باستثمار أصواتهم وجعلها مناسبة للشخصية الدرامية، وكأن الشخصية التي تظهر على الشاشة تحمل إحساس الصوت ذاته.
هذه المقومات الفنية العالية قادت الصوت السوري نحو العالمية فبعد أن اختارت منصة (نيتفليكس) العالمية اللهجة السورية كلهجة مُعتمدة على منصتها، انضمت إليها مؤخراً شركة (ديزني) العالمية المتخصصة في صناعة الكارتون.
ماركة مسجلة عالمياً
عن أهمية هذا الإنجاز في اعتماد اللهجة السورية عبر المنصات العالمية يقول الفنان حسام الشاه إنه لا يمكن أن ننكر أهمية وصول اللهجة السورية كلهجة معتمدة للأعمال المدبلجة الموجهة للمشاهد العربي إلى أهم المنصات العالمية، بعد أن باتت هذه اللهجة ماركة مسجلة اعتاد سماعها تقريباً جيلان من المشاهدين الناطقين بالعربية في أنحاء العالم، وهي تكرّس الحضور السوري حول العالم ولو من زاوية حادة، لذا علينا استثمار هذا التكريس إيجاباً وفتح زوايا الحضور ضمن المعطيات الإيجابية التي نستشعر تلاحقها لما فيه خير وفائدة للبلاد وأبنائها.
ويضيف الفنان الشاه أن اعتماد اللهجة السورية لم يعد خياراً لمنصات الميديا في العالم بل هو شرط أساس لمخاطبة الجمهور الناطق بالعربية من منطلق تجاري بحت. فالمنصة أو جهة العرض يهمها أولاً انتشارها بين الناس وزيادة أعداد المشتركين والمشاهدين لها، وإذا استذكرنا عدد السكان المتكاثر للناطقين بالعربية حول العالم الذين يفهمون بل ويفضلون سماع اللهجة السورية في المنتج الدرامي سنجد أن المنصة مهما علا شأنها ستنحو نحو جمهورها ورغباته لتحقيق الربحية المنشودة.
مادة احترافية
ويستكمل الشّاه حديثه: ربما يظن البعض أن ذلك جرى مصادفة، لكن هنا علينا الإضاءة والتركيز على أهمية موهبة الفنان والفني السوري الذي يقدم مادته بمنتهى الاحترافية التي استطاعت أن تسيطر على بقية منافسيها في المنطقة، ما استدعى العديد من المستثمرين للدخول في هذا القطاع الذي كان يعمل فيه عدد قليل من الشركات قبل 2006 لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة. والآن نحن أمام عدد يتجاوز الضعفين من الشركات التي تقدم خدمات الدوبلاج لكبرى المنصات والمحطات العربية والعالمية. وتحاول اقتراح طرق شتى لتجنب مفاعيل العقوبات الاقتصادية الظالمة على بلادنا التي تؤثر وبلا شك في أي عملية إنتاجية، سواء كانت فنية أو غيره.
وعن انعكاس هذا الموضوع على الفنان السوري يقول الشّاه إنه من حق أي سوري أن يفخر بمنجز أبناء بلده.. ومن حق الفنان السوري المثقف أن يبتهج بنتائج عمله. ولا مجال للشك أن هذه الأخبار السارة تعطي دفعة معنوية عالية للعاملين في هذا القطاع من فنانين وفنيين وإداريين ليتابعوا تقديم ما لديهم في عملهم، ويوسعوا دائرة التنافس فيما بينهم للوصول إلى الجودة الأكمل والتمايز الإبداعي الأفضل، فكما يقال المحافظة على الصدارة أصعب من الوصول إليها، لذلك يجب على كل من يعمل في المهنة من أول خطوة وهي الترجمة وانتهاءً بفنيّي المكساج، تطوير أدواتهم (والأغلبية يفعلون) لتحقيق الشروط الفنية الاحترافية التي تطلبها هذه المنصات العالمية العريقة.
تفوّق سوري
وعن طبيعة الأعمال التي ستقدم باللهجة سورية أشار الشاه إلى أن الأعمال المدبلجة تتنوع بين أعمال الإنيميشن الموجهة للأطفال مروراً بدبلجة السلاسل والبرامج الوثائقية والتي أثبت الفنان والمذيع السوري علو كعبه في أداء اللغة العربية الفصحى فيها على أقرانه العرب، وليس انتهاءً بدوبلاج الأعمال الدرامية المتنوعة الجنسيات والفئات الدرامية. اليوم يمكننا القول وبالفم الملآن إننا نمتلك في بلادنا وسائل إنتاج متكاملة يمكنها تقديم دوبلاج عربي سوري احترافي لجميع إنتاجات العالم في الميديا، على مختلف أصنافها وطرق عرضها.
لمصلحة الفن السوري
من جهته، عبر الفنان إياس أبو غزالة عن سعادته بهذا المنجز وقال: الخبر مفرح لنا كفنانين سوريين، وجاء نتيجة جهد وتعب وثمرة نجاح قطفناها نظراً لأهمية هاتين المنصتين عالمياً، وأريد أن أن أنوه بأمر- كي لانبخس حق كل الزملاء الفنانين والفنيين والشركات السورية حقهم- هذا النجاح لم يأت عن عبث وليس سببه فقط أن اللهجة محببة، بل أتى نتيجة جهد وتعب الفنانين ونتيجة اجتهاد كبير منهم، وعندما نقوم بدبلجة الأعمال كنا نعمل على إحساس الممثل ورفع إحساسه أكثر من المادة الأصلية التي نقوم بالاشتغال عليها، وهذا يحسب للفنان السوري وللفنانين ولكل العاملين في بهذه المهنة.
مطالبة بالصوت السوري
ويضيف الفنان أبو غزالة أن سبب اختيار اللهجة السورية على هاتين المنصتين رغم العقوبات لكونه لم يكن لديهم خيار إلا اعتماد الشيء المطلوب والمحبوب على مستوى الوطن العربي، وكانت هناك محاولات سابقة لاستبدال الدوبلاج السوري بدوبلاج مصري خليجي وعربي، ولكن المعلن كان يطالب بالصوت السوري خاصة أن المحطات المهمة تعرف نسب المتابعة والمشاهدة لأي عمل، وكله محسوب ومدروس، وهذا نصرٌ لنا أن نكون عبر هذه المنصات، خاصة أن هذا الإنجاز قدم دفعاً معنوياً فقط بسبب موضوع العقوبات على سورية، هناك تحفظ من فكرة العمل داخل سورية إلى الآن، وعندما يُقدم شيء لهذه المنصات أغلبيته يكون خارج سورية لكن بأصوات سورية أو أناس يقلدون اللهجة السورية، وربما يكونون غير فنانين، ولكن العمل لهذه المنصات داخل الأراضي السورية محدود، وهناك محاولات خجولة، ونأمل في القادم الأحلى رفع العقوبات عن سورية.
مصالح المنصات
ويستكمل أبو غزالة أن أصحاب المنصات يبحثون عن مصالحهم الخاصة، وخلال سنوات الحرب التي عشناها راهنت بعض الفضائيات العربية على عدم قدرتنا على تقديم منتج فني سوري داخل البلد وعدم قدرتنا على اشتغال أي عمل فني سواء في الدوبلاج أو الدراما وغيرها من الفنون، ولكن كان الرد بإصرار قوي واضح على العمل من قبل الفنانين والفنيين، وهذا ما أذهل المحطات العارضة لمنتجنا أنه تم تقديمه على أكمل وجه وفي موعده من دون تأخير.
«صوتنا فن»
وتطّرق الفنان أبو غزالة للحديث عن تجمع «صوتنا فن» الذي قام بتأسيسه عام 2016 بوجود عدد من الزملاء الذين ساعدوه في إحياء الفكرة وتطبيقها على أرض الواقع وتم تقديمها لنقابة الفنانين عندما كان الفنان الراحل زهير رمضان نقيباً للفنانين الذي دعم هذا المقترح وقدم كل الإمكانات اللازمة إيماناً مني ومن النقابة بأن الدوبلاج في سورية يستحق الرعاية والاهتمام ووجود جهة ترعاه بمشكلاته ومشكلات الشركات مع الممثلين، وإلى يومنا هذا وفي ظل النقيب الحالي الفنان محسن غازي بقي الدعم مستمراً إيماناً منا بأهمية تجمع «صوتنا فن» وأهمية الدوبلاج السوري ونحن الأوائل على الوطن العربي في الدوبلاج، ونحن لم نعد الأوائل في الدراما السورية وكل الدرامات تنافسنا بكل أنواعها، ولكن في الدوبلاج نحن الأوائل، وليس الموضوع لهجة فقط، لكن الفنان السوري أعطى روحه وإحساسه لما قدمه.