المسرحُ في عصر «السوشيال ميديا»… ماذا ننتظرُ من عالمٍ كامل صعد إلى الخشبة يريدُ التمثيلَ؟!
تشرين- هدى قدور:
الحديث عن هموم المسرح في هذا العصر، يبدو فصاماً عن الواقع، فأبو الفنون في زمن «السوشيال ميديا» والتبدلات السريعة في الاتصالات والاختناقات التي يتعرض لها الكثير من الفنون، لا يملك الكثير من الخيارات لخوض هذه المواجهة، خاصة في ظل واقعه الصعب من ضعف الميزانيات وقلة الحماس وندرة الأعمال الفريدة.
في السابق كان البعض يشكو من هجرة الفنانين لخشبة المسرح باتجاه التلفزيون، لكن الشاشة الصغيرة نفسها اليوم تعاني من شاشة أصغر منها لكنها أكثر اتساعاً وتأثيراً، فكيف الحال بفنون أخرى اكتسحها الذكاء الاصطناعي، وهدد مبدعيها بابتكارات لا تخطر على بال أحد؟.
ستتحسر البشرية كثيراً على أيام زمان، خاصة عندما يفوت الأوان، ويغيب الشغف وربما تموت الفنون بسبب الاعتداء على فطرة الإنسان وتشويه ذائقته وتخليه الطوعي عن الهاجس لمصلحة البلادة والبلاهة التي تورثها التكنولوجيا التي فضلت الحرفية على الإبداع.
إنقاذ المسرح في هذه الظروف يعدّ عملاً شبه مستحيل، فالدائرة تدور على بقية الفنون التي تتراجع لمصلحة فنون جديدة تتصل بمهارة التعامل مع الآلة ولا علاقة لها بجوهر العملية الإبداعية التي يجسدها المسرح عندما يقدم على الخشبة شخصيات من لحم ودم. ترى هل سيترجل الذكاء الاصطناعي من أنظمة التشغيل الحديثة ليعتلي الخشبة كي يثبت أنه أكثر مهارة في المونودراما وأدوار الكوميديا والتراجيديا؟ وهل يمكن جذب المتابعين المشغولين بأجهزة الموبايل والاتصال الدائم على الشبكة لمعرفة ماذا صرحت فنانات الاستعراض وآخر صرعات الأزياء؟.
هناك تبدلات بنيوية تحدث على صعيد الفنون، هذا أمر لا يختلف عليه اثنان، ورغم أن الموضوع يتصل بعملية التطور العلمي، لكن هذا التطور لا يمكن أن يكون بريئاً من الإساءة للإنسان، خاصة أن العلم كان وراء اختراع أفتك الأسلحة وأكثرها تدميراً. هل الحديث عن المسرح في هذا الوقت يعدّ نكتة مثلاً؟ أم إن مجانين الخشبة لا يمكن أن يخسروا المعركة حتى وإن قلّ عددهم، وخفتت أصواتهم، وأصبحوا أشبه بنقطة في بحر من الهراء؟.
الجمهور اليوم مشغول بمتابعة التيك توك وتويتر والإنستغرام وغيرها من المواقع، ولا وقت لديه للانتظار حتى يرفع الستار لينكشف عن عرض يبعث الطاقة السلبية بسبب جديته وتركيزه على العمق؟ ثم لماذا العمق في زمن الهشاشة وانتشار الزبد؟ في الواقع، يبدو المسرح من أكثر الخاسرين في هذا العصر، فالأعمال المسرحية العربية أصبحت نادرة، مثلما هو الحال في بقية أنحاء العالم، ومع ندرة كتاب النصوص الفريدة وتكرار التصرف بالنصوص العالمية، أصبحت القضايا المعالجة قديمة ومتخلفة عن الركب الذي تسير به وسائط التواصل الاجتماعي التي تتبنى ما خف جوهره وغلى سعره وتيسر تسويقه.. أما المسرح الذي كان يعاني الكثير قبل العصر التكنولوجي، فعليه أن ينتظر عصراً آخر تتبدل فيه المعادلة ويعود الناس إلى رشدهم بعد أن ترهقهم تقنيات الزيف.
كيف نُحيي المسرح؟ وهل من الواقعية المناداة بمسرح جديد يواكب العصر؟ هل أصبح أبو الفنون طاعناً في السن إلى هذه الدرجة؟ ماذا ننتظر من عالم كامل صعد إلى الخشبة يريد التمثيل؟.