«علي محمد إبراهيم» في «كأنك لستَ أنت» صوفيٌّ مترعٌ بالعرفانية وحبّ الوطن
تشرين- ثناء عليان:
«لماذا.. لا تتوب..؟.. وتغلق جدارَ خوفكَ مرتين.. وتركب الهروب.. لا أريدك أن تتوبَ.. وصفحةُ عمرك.. مشكاةٌ لجرحى.. لماذا لا تتوب.. وتشعل المجمرة!.. كأنكَ لستَ أنتَ.. أهرب من ظلّك لظلّي.. أختبئ خلف الأصابع.. وأتبع خطوة الفجر.. جرد سيفك من عشقهِ.. كي تفيقَ زنابقُ جنّي.. من شاطئ الوجود.. إلى الوجود».
هذه الشذرات للشاعر علي محمد إبراهيم مختارة من ديوانه «كأنك لست أنت»، وهو الإصدار السادس بعد ثلاثة دواوين هي: «رمال وذكريات، أنثى لظلي، وأباطيل الكلام» وكذلك مجموعتان للقصة قصيرة هما: «عين بازان، والمقبرة».
يضم ديوان «كأنك لست أنت» /35/ قصيدة من الشعر العمودي وشعر التفعيلة غلب عليها الطابع الوطنيّ والوجدانيّ والإنساني.. قدّم للديوان الشاعر منذر يحيى عيسى قراءة نقدية انطباعية في فرع طرطوس لاتحاد الكتاب العرب بيّن فيها عمق الخطّ الصوفيّ الذي يسير عليه الشاعر، والعمق الإيماني والفلسفي، مؤكداً أن كل الموضوعات التي كتبها الشاعر، وجاءت شعراً منظوماً لم يستطع أن ينجو بنفسه من هذا الملمح الصوفي، رغم طغيان سلطة المادة وتأثيرها على نمط التفكير والسلوك، بسبب امتلاكه مخزوناً من الفكر الصوفي والعرفاني، ما انعكس على سلوكه إيماناً ونقاءً وانسجاماً مع المحيط على طريقته، وقد انعكست رؤاه حتى خلال النوم وتحرر الروح أثناء ذلك من قيود الجسد، منوهاً بأن الشاعر إبراهيم يكتب الشعر الصوفي بوعيه وإرادته منطلقاً من موروثه العرفاني ومن تأثير بيئته الريفية، مبيناً أن العنوان جاء طارحاً تساؤلاً فلسفياً.. كما نوّع الشاعر بموضوعات قصائده، مؤكداً على رؤية شاملة وارتباط مع التراب والبيئة والنشأة الأولى والوفاء لها والتمسك بالوطن وتراثه ورموزه المناضلة ومعاناة الناس بعد الحرب الظالمة، فحبُّ الوطن هو ذلك الإحساسُ الخفي الذي يحركنا للتعلق به، والإحساسُ بالانتماء إليه مهما بَعُدَتْ بنا المسافات، وهو شعور فطري ينمو ويكبر مع تقدمنا في العمر وإحساسنا بأنّ لا شيءَ يُضاهي دفءَ الأرض التي خلقنا من ترابها وترعرعنا في روابيها، إذ يقول في قصيدة /غناء القوافي/:
رحلَ العمرُ فيا وجدي وشوقي
وشتاء الصيف حرّ غير دافي
يا خريفاً جاء عدواناً وغدراً
فرّق الأغراب أهلي في المنافي
ومن موضوعاته الشعرية –حسب عيسى- القضايا القومية ومعاناة المواطن العربي وفي المقدمة الشعب الفلسطيني، إذ يتناول مجزرة /قانا/ ورمزيتها ومعجزة المسيح، مشيراً إلى حتمية قيامة هذا الشعب وانتصاره مهما طال الوقت واشتدت حلكة الظلام، وفي قصيدته /قانا/ يقول:
قانا.. طفلة في العاشرة
صوتها.. لهفة أم..
قنديلها .. فرح الطفولة في الجنوب
قلبها فراشة محاصرة
كان شكلها غارقاً..
كالليل في المآقي
قانا.. حلم الحياة.. إلى الحياة
وتارات شعب من الممات إلى الممات
وميلاد المجد .. وانتصار الذاكرة
ولا يخلو الديوان من بعض القصائد التي تظهر حنين الشاعر إلى أيام الطفولة والفضاءات المفتوحة والأحلام المعرشة على شبابيك البيوت وأشجار القرية، وتوقه إلى زمن البراءة، إذ يقول في قصيدة «طفولة»:
أنا عمر في حوافي الصمت
كلغزٍ في المساء
قلبي شبّابة راعٍ
تبرعمت في خوابيه النماء
أنا.. كلّ حرفٍ في دمي نهرُ عطاء
أنا طفلٌ في توبته إباء
أنا قمحٌ وزيتونةٌ وتين
إشراق فجرٍ وقلب من ألف وباء
وللأم في نفس الشاعر وقع خاصّ لا يدانيه أو يزاحمهُ أي كائن آخر، إذ يبرز الشاعر الصورة المشرقة للأم ومكانتها العظيمة في نفسه، وفي المجتمع.