هل نرضخ لـ “استعمار” الدراما التركية؟
تشرين- بديع منير صنيج:
ما يؤخذ على المسلسلات العربية المقتبسة عن الدراما التركية بشكل أساسي أن مساحة الاجتهاد في الإعداد هي ضمن حدودها الدنيا، وما نراه ليس أكثر من ترجمة حرفية للسيناريو التركي بأحداثه وشخصياته وحواراته وبناء حبكته… بحيث لا تتم “خيانة النَّص” الرئيسي، وهو في هذه الحالة مشروع جداً، وتالياً لا يتم تبييؤه بشكل صحيح، لدرجة أن الحكاية تبقى غريبة ولا تُحقِّق التعاطف المأمول من قبل المشاهدين العرب.
هذا الأمر يجعل من مسألة إنتاج مثل هكذا مسلسلات بعدد حلقاتها الكبير مجازفة كبيرة، ويزداد الأمر سوءاً إن كان المتابعون سبق لهم أن شاهدوا المسلسل مدبلجاً إلى العربية، وهذا ما حصل مع مسلسل (ستيلتو) المأخوذ عن العمل التركي “جرائم صغيرة”، وهو ما يعني أن القصة، على سذاجتها، والشخصيات الرئيسة والفرعية، ماضيها وحاضرها، غموضها ووضوحها، والخطوط الدرامية ومنعطفاتها وتوتراتها، والحبكة وتعقُّدها وانفلاتها، وكل ما له علاقة بالسيناريو كان مكشوفاً تماماً، وتالياً فإنّ عنصر التشويق في هذا المسلسل بات فاقد الأهمية، وكأن المُشاهد بعد أن تابع العمل التركي مدبلجاً، يعود لمتابعته مرة أخرى بممثلين سوريين ولبنانيين.
الموضوع يختلف قليلاً مع “الثمن” المأخوذ عن الدراما التركية “ويبقى الحب” (إنتاج 2006) إذ استطاعت السيناريست السورية المعروفة “ريم حنا” خلق توليفة درامية مقنعة، إذ أعادت صياغة الحوارات وعدَّلت العديد من الخيوط الدرامية ووضعت بصمتها الخاصة في رسم ملامح بعض الشخصيات.
هنا يقع الممثلون السوريون المشاركون في تجسيد شخصيات مثل تلك المسلسلات أمام تحدٍّ كبير، وهو عدم مقارنتهم بالممثلين الأتراك أولاً، ثم اجتهادهم في الأداء بحيث تكون لهم خصوصيتهم بعيداً عن مرض الشَّبَه القاتل بالنسبة لفن الممثل. طبعاً يساعدهم كثيراً إن كان هناك اشتغال حقيقي على تجريد النص من بيئته الأصلية وزرعه بطريقة منطقية ومقبولة في بيئة جديدة، تكون مقنعة للمشاهد العربي. ويضاف إلى ذلك إن كان ثمة رؤية إخراجية لا ترتهن هي الأخرى للشَّبه مع العمل التركي، وبدل أن تركِّز على البذخ البصري من ناحية الديكور والأزياء وجماليات المشاهد والشخصيات، فإنها تصب اهتمامها على المعنى الدرامي وتصعيد توتُّراته بحيث تُخفِّف من الثرثرة وتحاول قدر الإمكان خلق تشويق يمكِّن المشاهد من المتابعة دون ملل ولاسيما مع عدد حلقات يصل إلى التسعين حلقة في بعض الأحيان.
في هذا السياق ينجح بعض الممثلين السوريين، خاصةً مع الكاريزما التي يمتلكونها والخبرات المكتسبة لديهم من اشتغالاتهم في الدراما السورية والعربية، لكن لا يمكن لذلك أن يتم دون نص مضبوط ورؤية إخراجية احترافية، بحيث إن إبداع الممثل لا يمكن أن ينمو بشكل طبيعي في بيئة غريبة كالتركية مثلاً، ومن الضرورة بمكان للشخصيات التي يجسدها أن تنتمي إليه شخصياً، ويتفاعل معها وينفعل بها، وهكذا يستطيع أن ينقل معاناتها وفرحها وعشقها وحزنها إلى الجمهور ويحقق ارتباطاً عاطفياً معه، أما أن يتحول الممثل إلى مجرد مُقلِّد فهذا مقتل كبير له وسقطة في مسيرته المهنية.
ولعلّ الارتهان إلى متطلبات سوق الإنتاج الدرامي هو ما يدفع الممثلين السوريين إلى المشاركة في مثل أعمال كهذه، خاصةً مع الميزانيات الضخمة التي تُرصد لها، ومن حق الممثل التفكير بالمردود المادي، لكن على ألّا يتعارض مع ضرورة الإبداع التمثيلي، وعدم البقاء أسرى “دراما الثرثرة واللَّعي” والتي تُميِّز الكثير من الإنتاجات المأخوذة عن المسلسلات التركية، لكن على ما يبدو أن هناك العديد من الممثلين السوريين يغلِّبون الجانب المادي على الإبداعي، ويرهنون أشهراً من حياتهم لدراما لا تقول شيئاً، بعضهم من باب التجريب في نمط درامي مغاير، وآخرون بسبب الأموال التي تُغدق عليهم للمشاركة في مثل تلك الأعمال، وفي كلتا الحالتين الممثل مسؤول عن خياراته، وإن بقي مُرتهناً لجيبه وحساباته البنكية بعيداً عن حساباته الإبداعية فإنه سيفقد رصيده الفني ومحبة الجمهور عاجلاً أم آجلاً، والأجدى له أن يعود إلى دراماه المحلية التي صنعته وكان لها عليه أفضال كثيرة.