غياب محطات المعالجة عن ساحة السويداء أبقى مشروعات الصرف الصحي خطوة منقوصة
تشرين – طلال الكفيري:
رغم أن معظم قرى وبلدات السويداء، لا تخلو من شبكات للصرف الصحي، إلّا أن واقعها البيئي ليس على ما يرام، لكون النهاية الحتمية لهذه الشبكات، المنفذ منها والذي مازال قيد التنفيذ، هو الأودية المغذية للسدود والأراضي الزراعية.
طبعاً هذا الواقع البيئي المؤلم العاصف بـ70 بالمئة من مدن وقرى المحافظة مردّه إلى خلوها من محطات معالجة، ما أدى إلى إغراق عشرات الدونمات من الأراضي الزراعية بالمياه الآسنة، ناهيك بتحول الأودية إلى مصبّات دائمة للصرف الصحي.
الضّرر يطول البشر والشجر
الأضرار البيئية والأخطار الصحيّة للمياه الملوثة فرضت نفسها، ولا تزال، على أهالي قرى ومدن “السويداء والثعلة ونمرة وشهبا ورساس وسهوة الخضر إلخ” كواقع مسلّم به منذ أكثر من 15 عاماً، نتيجة لانعدام الخطوة المكمّلة لمشروعات الصرف الصحي، ألا وهي محطات المعالجة، والتي من دونها تبقى هذه المشروعات كمن ينفخ في قربة مثقوبة، فالتلوّث البيئي، وللأسف، كان على مدى تلك السنوات ومازال، العنوان الأبرز الذي ألحق ضرراً بالشجر، وخطراً بالبشر نتيجة لاستنشاقهم الروائح الكريهة الناجمة عن المياه الملوثة، وتعرضهم للسع الحشرات الضارة الناقلة للأمراض المعدية.
الأودية تستغيث
اكتساب المياه الملوثة غير المعالجة صفة الديمومة أدى، وحسب من التقتهم “تشرين” من الأهالي، إلى تحوّل الأودية، كوادي الثعلة واللوا والزيدي، لمصبّات دائمة لمياه الصرف الصحي، لكونها باتت المستقبل الدائم للمياه المنحدرة بغزارة من خطوط الصرف الصحي المنتهية ضمن حرم هذه الأودية، لينتهي بها المطاف فيما بعد إلى الأراضي الزراعية نتيجة فيضانها في أغلب الأحيان،
ملايين الليرات هُدرت على محطات لم تستثمر لتاريخه..!
وخاصة في فصل الشتاء، ما يؤدي إلى تلويث التربة الزراعية وبالتالي خروجها من دائرة الاستثمار الزراعي، فعشرات المزارعين باتوا غير قادرين على فلاحة وزراعة أراضيهم من جراء غمرها بهذه المياه وهذه حقيقة لا مفرّ منها، وباتت في متناول كل معنييِّ المحافظة، بينما المسألة الأكثر خطورة، والتي أصبحت مثار قلق واستياء عند الكثيرين من أبناء السويداء، هي قيام عدد من المزارعين ضعاف النفوس و اللاهثين وراء الأرباح المادية السريعة بإرواء مزروعاتهم الصيفية، بدءاً من البندورة وانتهاء بالبطيخ، ووصولاً إلى أشجار الزيتون من هذه المياه، ومن ثم طرحها في الأسواق المحلية، وكلنا يعرف ما تحمله هذه الخضار المروية من المياه العادمة من أخطار على صحة الإنسان.
ولسان حال الأهالي يسأل: ما دامت مشروعات الصرف الصحي، التي أنفقت على تنفيذها مئات الملايين من الليرات، لا تحقق الغاية المرجوة منها، فلماذا إذاً تم إنجازها وإغفال الخطوة المتممة لها، ألا وهي تنفيذ محطات المعالجة؟ فتنفيذ هذه المشروعات من دونها كالمحرس بلا حارس، لذلك تبقى خطوة منقوصة ما لم تستكمل بالمحطات.
محطات على الورق
بالرغم من إدراج محطات مدن “السويداء- شهبا- صلخد” في التنفيذ ضمن الخطط الوزارية منذ أكثر من 15 عاماً، إلّا أنه لتاريخه لم تبصر النور، من جراء عدم قيام وزارة الموارد المائية حالياً، ومن قبلها وزارة الإسكان والأشغال سابقاً، لكون تنفيذ هذه المحطات كان منوطاً بها، بإحداث هذه المحطات، علماً، ووفق رؤساء مجالس هذه المدن السابقين واللاحقين، أن أضابير هذه المحطات “أكلها الغبار”، ولاسيما أنها مودعة لدى أرشيف وزارة الإسكان سابقاً منذ سنين عدة، ليبقى التنفيذ العملي لهذه المحطات “على الوعد يا كمون”. ليضيفوا : إن عدم إنشاء هذه المحطات التي تم إحداثها ورقياً منذ أكثر 15 عاماً مع شطبها عملياً على أرض الواقع أحدث خللاً بيئياً لدى هذه المناطق، كيف لا ولغة المياه الآسنة باتت هي المعتمدة، وما شكاوى المواطنين المتكررة إلّا أكبر دليل على ذلك.! والمسألة التي من غير الممكن إغفالها، أن تكلفة إنشائها حالياً تفوق أضعافاً مضاعفة ما كانت تبلغ تكلفتها سابقاً.
“يا فرحة ما تمت”
يبدو أن أمل التخلص من التلوث البيئي الذي راود أهالي قرى “ملح- سالة- نمرة” لسنوات، ولاسيما بعد أن بدئ بتنفيذ محطات معالجة في قراهم، سرعان ما أذرته الرياح، بعد أن جُمّد العمل بالأعمال البنائية والإنشائية لهذه المحطات منذ عام 2012، قبل أن تمهر هذه الأعمال بنهاية إيجابية، نتيجة إحجام المتعهدين عن إكمال الأعمال بها، بذريعة عدم صرف فروقات الأسعار لهم من محافظة السويداء، وارتفاع أسعار مستلزمات البناء غير المتوافقة مع الأسعار العقدية لتلك المحطات.
أغلبية الأودية تحولت إلى مصب للصرف الصحّي
ما ذكر آنفاً أبقى نسب التنفيذ بهذه المحطات لا يتجاوز سقفها الـ20 بالمئة، والمتتبع لواقع الأعمال المنفذة سيلحظ أنها لن تتوقف عند ذلك السقف في قادمات الأيام، نتيجة تعرضها إلى التخريب وسرقة موجوداتها لخلوها من الحراس، ما يفرض على صاحبة المشروع إعادة الأعمال التي تعرضت للتخريب، وهذا يحتاج إلى اعتمادات مالية إضافية، وهذا غير ممكن لكون تلك الأعمال تم دفع تكاليفها سابقاً.
بحاجة إلى حلول جذرية
مدير عام شركة الصرف الصحي في السويداء المهندس جهاد زين الدين أوضح لـ”تشرين” أن محطات المعالجة لهذه المدن تم إدراجها في خطة وزارة الموارد المائية للأعوام السابقة، ومازالت تدرج، وتنفيذ المحطات سيكون وفق الأولوية وتوافر الاعتمادات المالية اللازمة لتنفيذها، ولفت إلى أن تنفيذها بات ضرورة ملحة بغية رفع التلوث عن الأودية والأراضي الزراعية. وبالنسبة للمحطات المتوقف العمل بها، أصبحت بحاجة إلى حلول جذرية من محافظة السويداء، التي من المفترض بها اتخاذ إجراءات قانونية بحق متعهدي الأعمال، ومتابعة الأعمال المتوقفة بتلك المحطات من الموازنة المستقلة للمحافظة.
التأخّر سينعكس سلباً على البيئة
مدير شؤون البيئة المهندس رفعت خضر أشار إلى أن هناك عملية غير انضباطية للمياه الآسنة، من جراء خلو ساحة المحافظة من محطات معالجة، وقد قامت مديرية البيئة بقطف عينات بعض سدود المحافظة وتحليلها مخبرياً. إذ بيّنت النتائج أن المياه ذات نوعية جيدة، ولا توجد مؤشرات تدل على تلوثها بمياه الصرف الصحي. مضيفاً أنه من أجل حماية المسطحات المائية في المحافظة يجب متابعة العمل مع الجهات المعنية للإسراع بتركيب محطات معالجة لمياه الصرف الصحي ولاسيما لمدن شهبا وصلخد والسويداء، لكون التأخّر بإنشاء محطات المعالجة ستكون له انعكاسات سلبية على البيئة بشكل عام، وعلى الأودية بشكل خاص، وقد تؤدي مياه الصرف الصحي إلى تلويث المياه الجوفية، إضافة للأراضي الزراعية،
ضعاف النفوس استغلوا فيضان المياه الآسنة بسقاية المزروعات
إذ إن إرواء التربة بمياه آسنة من الممكن أن تعطي محاصيل تحمل أخطاراً مضرّة بالصحة، ولتفادي مشكلة الصرف الصحي المتفاقمة، من المفترض إحداث محطات معالجة قبل البدء بتنفيذ خطوط الصرف الصحي، فمن دون المحطات تبقى مشروعات الصرف الصحي بلا أيّ فائدة، لذلك يجب الإسراع بتنفيذ محطات معالجة في المناطق الأكثر تضرّراً من مياه الصرف الصحي، ولاسيما المنطقة الواقعة إلى الغرب من مدينة السويداء.
أخيراً
إذاً مما عُرض نستنتج أن حماية الأودية والسدود، وحتى الأراضي الزراعية، مرهونة بإحداث محطات المعالجة، لكون مشروعات الصرف الصحي وجدت فقط لحماية القرى من تلوث الجور الفنية، ولكن مصبات هذه الخطوط كانت وما زالت نهايتها الأودية، وهنا يكمن بيت القصيد. فتنفيذ العديد من المشروعات ما هو إلّا هدر للمال العام، لكونها خطوة غير مكتملة، ما دامت متمماتها، ألا وهي المحطات، غائبة حتى هذا التاريخ عن ساحة المحافظة، ليبقى السؤال الملّح : ما دامت هذه المحطات لُحظت منذ سنين فلماذا لم تنفذ حتى الآن؟!