في عاديات طرطوس «أثر التغيّرات البيئيّة الإيكولوجية في انهيار الحضارات»
تشرين- ثناء عليان:
بدعوة من جمعية العاديات في طرطوس ألقى الباحث الدكتور محمد محمود سليمان في مركز الشعلة للأداء المتميز محاضرة بعنوان «أثر التغيرات البيئية الإيكولوجية في انهيار الحضارات» تحدث فيها عن الحضارات التي نشأت وازدهرت واستمرت فترة من الزمن، لافتاً إلى أن علم الآثار البيئي حظي باهتمام كبير في الفترة الأخيرة، نظراً لأهميته وأهمية النتائج التي توصل إليها في دراسة التغيرات البيئية في مناطق مختلفة من العالم، وآثارها على البيئة الجغرافية ومكوناتها، بما في ذلك آثارها على الإنسان والمجتمع البشري، وعلى تطور الأنظمة البيئية الطبيعية الاجتماعية والاقتصادية، مبيناً أنه لا يمكن فهم حاضر ومستقبل أي منظومة بيئية جغرافية من دون معرفة تاريخها وماضيها.
وأخذنا الباحث في رحلة إلى بعض الحضارات التي تعرضت للانهيار: مثل حضارات بلاد الرافدين وبلاد الشام، والحضارات المصرية، وحضارة سبأ، وحضارات الخمير ووادي السند، وشبه القارة الهندية، وحضارات الأنكا والمايا والأزتك، وغيرها، لافتاً إلى أن هناك عشرات الحضارات التي مازال العلماء يختلفون في السبب الرئيس لسقوطها وانهيارها.. وأشار إلى أن حضارة «أور» في بلاد الرافدين كانت ذات يوم مدينة عظيمة، وتشكل إحدى حضارات العالم الأكثر قدماً في التاريخ قرابة 6000 سنة ق . م، وكانت مدينة محصنة، وقد ازدهرت بعد هطول المطر بوفرة، ولكن بعد ذلك بدأ الجفاف تدريجياً، وأصبحت المنطقة في وضع كارثي حاد، وحسب المعلومات فهذه أول مرة تندثر مدينة بأكملها في مواجهة كارثة بيئية.. كما كثرت المعلومات عن أسباب سقوط الدولة السومرية، فالبعض يرجع ذلك إلى تعرضها للحرق والنهب، أما علماء المناخ فقد توصلوا إلى أن الجفاف والعواصف الترابية كانت السبب في اختفاء الحضارة السومرية بصورة مفاجئة قبل 4200 سنة.. وفي حضارات وممالك بلاد الشام لفت الباحث إلى أن زيادة عدد السكان والجهل بقوانين الطبيعة واللجوء إلى الرعي الجائر وقطع أشجار الغابات في سورية وفلسطين ولبنان والقضاء على ما يسمى حزام البلوط والفستق، من الأسباب التي أدت إلى تدهور البيئة وحدوث أزمة خطيرة حدثت نحو 11000 قبل الميلاد في سلسلة من جفافات شديدة استمرت أجيالاً عدة، وتم الحصول على هذه المعلومات من سجلت الحفريات التي جرت في موقع قرية أبو هريرة في سورية.
وعن حضارات مصر بيّن د.سليمان أن الحضارات المصرية كانت متعددة ومتتابعة نشأت وتطورت في ظروف بيئية معينة ساعدتها على النمو والتطور، لكن أهم الأحداث التي أثرت في مصر القديمة –حسب العلماء- هو الجفاف الذي ضربها قبل 4200 سنة، وأدى لمجاعات ولعب دوراً في نهاية مملكة مصر القديمة.. وبلغت حضارة سبأ في جنوب اليمن درجة عالية من التحضر مكنتهم من التحكم في مياه الأمطار وبناء سد مأرب، ولكن السد لم يستوعب الأمطار الغزيرة التي هطلت على المنطقة، فحطمت السد وجرفته، وجرفت معها كل شيء، وأدى ذلك إلى تغيرات سلبية في النظام البيئي، اختفت معه هذه الحضارة العريقة.
إمبراطورية الخمير أو ما يعرف بحضارة الخمير وهي نتاج لإمبراطورية الصين القديمة، يمكن إرجاع اختفاء هذه الحضارة في أغلب الأحوال إلى سوء استخدام المياه والإسراف في بناء السدود وتغيير الوضع الهيدرولوجي في هذه البلاد، ما أًدى ألى فقدان التوازن التدريجي بين الإنسان وبيئته.. أما حضارة وادي السند في الباكستان: فيعتقد أن تغيرات المناخ دفعت الناس إلى ترك مبانيهم التي تعدّ أقدم المباني التي تم بناؤها على الإطلاق منذ نحو 4000 عام، وتالياً انهيار حضارة وادي السند القديمة حسب الدكتورة ليفيو جيوسان، وهي باحثة مشاركة في معهد «وودز هول» لعلوم المحيطات، ومن الحضارات والإمبراطوريات التي زالت لأسباب بيئية بالدرجة الأولى، حضارة الأزتك والمايا والأنكا، وهم هنود أمريكا الوسطى والجنوبية، إذ أظهرت أبحاث علم المناخ الجديدة أن الجفاف قام بدور شرير وأساس في ذلك.
ويختتم الباحث سليمان أنه يُمكن للتغيرات البيئية وانعكاساتها المختلفة أًن تؤدي إلى اختفاء حضارات وإمبراطوريات عظيمة من الوجود، وألا يبقى منها سوى تلك اًلأحجار والمعالم التي لا تندثر بسهولة، ولا بد من التذكير أن الكوارث الطبيعية مثل البراكين والزلازل وغيرها قد تكون عاملاً مهماً في انهيار الكثير من الحضارات.