الاستثمارات لم تنشط رغم انتهاء الحرب.. 50 مشروعاً خلال عامين ومدير “الاستثمار” يعلن جذب الأموال العربية وتوظيفها كأولوية متقدمة
تشرين- يسرى ديب:
نعم للمعوقات الخارجية تأثير على وصول الاستثمارات إلى بلدنا، ولكن الظروف الداخلية لا تقل تأثيراً.
وإذا كانت البلد تجاوزت مرحلة الحرب، وأصبح بالإمكان العمل على جذب استثمارات بشتى الطرق تسهم في إحياء الإنتاج والحياة الاقتصادية، فإنّ حيثيات الواقع لا تشير إلى ذلك رغم صدور قوانين من هنا وتعديلات من هناك؟
منحى إيجابي
مدير عام هيئة الاستثمار السورية مدين دياب يؤكد لـ”تشرين” أن المناخ الاستثماري في سورية بدأ بالتحسن بعد انتهاء الحرب، وأخذ منحى أكثر إيجابية بعد صدور قوانين وتشريعات محفزة وضامنة للمستثمر، أهمها قانون الاستثمار رقم 18 لعام 2021، إلى جانب بذل جهود حكومية حثيثة لتطوير الآليات المؤسساتية الحاضنة للاستثمار.
دياب: معظم المعوقات خارجية تتعلق بالعقوبات الأمريكية على سورية
وتداعياتها إلى جانب عدم الاستقرار في سعر الصرف
وأن عدد المشاريع منذ عام 2022 وحتى تاريخه 50 مشروعاً بتكلفة تقديرية تتجاوز تريليون ليرة سورية، ومن المتوقع أن تحقق 4250 فرصة عمل جديدة.
وأكد أن جزءاً كبيراً منها دخل مرحلة الإنتاج الفعلي، فيما اتخذت البقية إجراءات تنفيذية فعلية متقدمة على الأرض.
مشاريع متنوعة
وعن أسباب اقتصار أغلبية المشاريع على التخصص بإنتاج المواد الخفيفة كالبسكويت والعلكة بيّن دياب أن من يتابع أخبار هيئة الاستثمار سيجد أن الهيئة لديها سلة هامة من الاستثمارات النوعية في جميع القطاعات الاقتصادية: الصناعات الكيمائية (الأسمدة الفوسفاتية – إنتاج المذيبات والمواد الأولية للمبيدات الحشرية والدهانات والأحبار وغيرها في محافظة ريف دمشق)، الصناعات النسيجية (إنتاج وغزل خيوط أكريليك وخيوط ممزوجة وخيوط مفننة في محافظة اللاذقية، الصناعات الغذائية ( إنتاج حليب الأطفال – إنتاج الزيوت والسمنة والزبدة النباتية وتعبئتها بعبوات بلاستيكية – إنتاج الكونسروة – إلى جانب مشروع إنتاج البسكويت)، والصناعات المعدنية إلى جانب عدد كبير من مشاريع توليد الكهرباء بالاعتماد على الطاقات المتجددة، والمشاريع السياحية.
وأنهم يعملون على التوسع بالعملية الإنتاجية، بما فيها المشاريع ذات الأولوية الزراعية والتصنيع الزراعي وتوليد الكهرباء بالطاقات المتجددة.
مسؤولية جماعية
وعن خطة الهيئة لتشجيع الاستثمارات وخاصة العربية منها بعد تحسن العلاقات؛ أوضح دياب أن الهيئة ترى أن جذب هذه الأموال العربية وتوظيفها، هو جوهر عملها خلال هذه الفترة، وأن هذه مسؤولية جماعية تقع على عاتق الهيئة والوزارات والجهات المعنية بالاستثمار.
وأن الهيئة تسعى لتوحيد الجهود التي تبذلها كل الأطراف وقيادتها وتجسيدها خطوات حقيقية بدءاً من تطوير النصوص التشريعية مروراً بتحديث الآليات التشجيعية وصولاً إلى رفع كفاءة وفاعلية البنية المؤسساتية المشرفة على الاستثمار، لتسهيل دخول هذه الأموال إلى الاستثمار بمختلف قطاعاته، ومنح المستثمرين الضمانات والحماية لمصالحهم في المرحلة المقبلة.
وأنهم يسعون للتشارك مع المستثمرين العرب أصحاب الخبرات الفنية، والإمكانات المادية الكبيرة في مجال التجارة والاستثمار، إلى تكوين قاعدة إنتاجية كبيرة بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي وصولاً إلى التصدير وتخفيض فاتورة الاستيراد وتوفير فرص عمل جديدة للكفاءات والخبرات الشابة.
بدائل المستوردات
وعن خطة الهيئة للترويج لصناعات بدائل المستوردات، تحدث دياب عن عدد من النقاط منها: تطوير الآليات المؤسساتية لتسيير معاملات المستثمرين واستكمال إصدار الأدلة الإجرائية، وإطلاق خريطة الاستثمار الخاص 2023.
وتنفيذ المرحلة الأخيرة من مشروع الربط الشبكي، وتعزيز الأداء التشغيلي لمركز خدمات المستثمر وتطوير بيئة الأعمال.
وعن أبرز معوقات الاستثمار في سورية برأي دياب قال إن معظم المعوقات خارجية تتعلق بالعقوبات الأمريكية على سورية وتداعياتها، إلى جانب عدم الاستقرار في سعر الصرف وارتفاع تكاليف إقامة المشاريع.
ليست مشجعة
الأستاذ الجامعي في كلية الاقتصاد بدمشق الدكتور شفيق عربش قدّم قراءته لـ”تشرين” حول واقع الاستثمار في سورية بالتأكيد أن بيئة الأعمال ليست مشجعة.
وأن عزوف المستثمرين العرب وغير العرب يعود لسببين أساسيين، الأول يتعلق بالوضع الداخلي وما له من تشعبات الإجراءات الحكومية أو بيئة الأعمال.
والثاني يتعلق بالوضع الخارجي، مثل تخوف المستثمرين من عقوبات أمريكية قد تفرض عليهم إذا قاموا بالاستثمار في سورية، وحتى إذا غضت الولايات المتحدة وحلفاؤها النظر عن عملية الاستثمار فهناك مشكلة لدى المستثمر في تحول أرباحه إلى الخارج، وتأمين ما يلزم من مستلزمات.
وأشار إلى أن هذه قضية جداً مهمة، ينظر إليها المستثمر حتى وإن كانت بعض الاستثمارات يمكن أن تأتي بأسباب سياسية، لكن الرأسمال الخاص ينظر إلى مصلحته أولاً وهذا من حقه.
العوامل الداخلية
بالنسبة للعوامل الداخلية، هناك مجموعة من الأزمات والمشكلات الاقتصادية التي تراكمت على مدى سنين، لأسباب عديدة إحداها، ولكن ليس كلها، هي العقوبات، رغم أن الحكومة تتذرع بالعقوبات، والحقيقة أن هناك مجموعة من الأزمات، قد يكون للعقوبات أثر فيها ولكن ليست العقوبات هي المشكلة.
عربش: بيئة الأعمال ليست مشجعة..فالسوق السورية ضعيفة
والقدرة الشرائية منخفضة، أما فائض الإنتاج فهناك صعوبة في تصديره
إنّ تقييم المستثمر غير السوري لفعالية رأسماله الذي يرغب باستثماره في سورية ضعيفة، أو سلبية لأنه لا توجد رؤية لحل الأزمات والمشكلات في المدى المنظور.
إضافة إلى ذلك، هناك تنافس حاد الآن في المنطقة والإقليم على جذب الاستثمارات الأجنبية لتعمل في مناخات اقتصادية أفضل بكثير من المناخات المتوافرة في سورية، ومؤشرات الاقتصاد السوري على المستوى العالمي سلبية، وبيئة أعمال غير جاذبة، والحكومة (حكومة المفاجآت) دوماً تفاجئنا بأشياء تولد حالة من القلق الدائم وعدم الاستقرار.
استقرار غير موجود
أضاف عربش: إن الاستثمار بحاجة إلى استقرار قانوني وأمني واقتصادي، وهذا أغلبه غير موجود، وهناك تذبذب سعر الصرف بشكل كبير، وهذا عامل منفر وطارد للاستثمار غير السوري.
أيضاً المستثمر يريد أن ينتج، لكنه يخشى من تصريف منتجاته، فالسوق السورية ضعيفة والقدرة الشرائية منخفضة، أما فائض الإنتاج فهناك صعوبة في تصديره، ويأتي ذلك بشكل أساسي من انخفاض مؤشر تنافسية المنتج السوري، والحقيقة أن سبب ذلك يعود للإجراءات الحكومية غير المفهومة وغير المبررة التي أدت إلى أن تصبح تكلفه الإنتاج في سورية، وبالتالي أسعار المنتجات فيها، أعلى بكثير من دول الجوار، لا بل إن أسعار بعض السلع في سورية تصل في بعض الأحيان إلى ضعفي مثيلاتها في بعض دول الجوار، وهذا في الواقع يشكل عائقاً كبيراً أمام التصدير..
مهددة بالانهيار
هناك أيضاً ضعف البنية التحتية، طرقات، شبكات صرف صحي.. ودائما يُعلق التقاعس، والترهل في العمل على شماعة العقوبات، وهو ما أدى إلى أن تصبح البنية التحتية في معظم الوزارات الخدمية مهددة بالانهيار في أي لحظة حسب عربش.
وهناك أيضاً نقص العمالة الماهرة، إذ إن سورية فقدت مكوناً من أهم مكونات قوتها وهي عمالتها الماهرة التي هاجر معظمها خارج البلد.
يضاف إلى ذلك الفساد والمحسوبية، والمستثمر لا يعرف ما الجهة التي يفترض أن تكون مرجعية له.
ويختصر عربش بالقول: الاستثمار بحاجه إلى استقرار وإلى مؤشرات إيجابية، وكلاهما غير متوافر في بلدنا، لذلك وفي ظل هذه الظروف الراهنة ستبقى سورية طاردة للاستثمار وللمستثمرين وليست جاذبة لهم.
عقبات ومعوقات
ويوجز الخبير الاقتصادي جورج خزام أهم العقبات التي تواجه الاستثمار بنقاط عدة منها: بتقييد حرية نقل البضائع وتقييد حرية سحب و نقل الأموال، وقرار تعهد التصدير وقرار الكشف عن مصدر تمويل المستوردات وقرار إلزام المستوردين بالتمويل من منصة تمويل المستوردات البطيئة وكذلك تجريم التعامل بالدولار.
خزام: هل يعقل عدم وجود صناعي قادر على تأسيس معمل
لتجميع ألواح الطاقة الشمسية رغم كل الطلب الكبير عليها؟!
ويرى أن تدخل التمويل بفرض نسبة ربح قليلة عن طريق تقديم بيان تكلفة جعل فترة استرداد رأس المال الافتتاحي طويلة، ومعه عدم جدوى الاستثمار الصناعي.
عقبات إدارية
وأشار خزام إلى العقبات الإدارية للتراخيص التي تعترض من يفكر بتأسيس مشروع جديد، وأنه يجب أن يكون تقديم طلب تأسيس مشروع جديد واحد لدى وزير الصناعة والموافقة عليه مقبولة مباشرة من دون أي موافقات ومراجعات لأي جهة.
أماكن بعيدة
ولفت خزام إلى أن إلزام المستثمرين بالعمل حصراً داخل المدينة الصناعية البعيدة وعدم السماح لهم ببناء المصانع في الأرياف لإنعاش الريف وتقليل تكاليف نقل العمال والمواد الأولية والبضائع المصنعة، جعل مصاريف النقل تزيد من تكلفة الإنتاج.
وأن التقلب السريع في سعر الصرف جعل التاجر والصناعي يقع بالخسارة السريعة من قبل المضاربين، كما أن انقطاع الكهرباء وارتفاع أسعار المحروقات في السوق السوداء جعل تكاليف الإنتاج مرتفعة.
وأن تصدير البضائع للدول المجاورة أمر صعب جداً بسبب ارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج والرسوم والضرائب.
البسكويت والعلكة
وبيّن خزام أن المشاريع التي تحقق جدوى اقتصادية أكبر وحركة سريعة لرأس المال هي مشاريع الصناعات الاستهلاكية الخفيفة مثل البسكوت والعلكة والمحارم والشيبس وغيرها، رغم أنها مشاريع منتجة وتؤدي لتشغيل جزء من العاطلين عن العمل وتشغيل وتحقق دخولاً لسلسلة طويلة من الحلقات الوسيطة في السوق.
نفوذ المستوردين
إنّ أكبر عقبة أمام تأسيس مشروع صناعي استثماري ضروري للاقتصاد الوطني حسب خزام هو أن المستورد لن يسمح بنفوذه من خسارة أسواق مفتوحة لمستورداته، وكمثال يتساءل خزام: هل يعقل أنه لا يوجد في سورية صناعي قادر على تأسيس معمل لتجميع ألواح الطاقة الشمسية، رغم كل الطلب الكبير عليها؟!.