البروفيسور «باولو ماتييه»..اسمٌ منقوشٌ في قلوب وذاكرة الآثاريين السوريين

تشرين- سامر الشغري:
هل جزاء الوفاء إلا الوفاء، وما جزاء الذين كانوا مخلصين لهذه البلد زمن محنتها إلا التقدير والعرفان، وما باولو ماتييه إلا أحد هؤلاء الذين عرفوا سورية وعشقوها ونافحوا عنها، فاستحق على ذلك أن يتقلد أرفع أوسمتها.
ماتييه عالم الآثار الإيطالي الذي اكتشف موقع إيبلا قبل نحو نصف قرن من الزمان، ظل يؤكد لكل من يسأله أن مملكة إيبلا هي التي اكتشفته، فهو كان قبلها شاباً مجهولاً وبعدها صار علماً يشار له بالبنان، وما هذا إلا من تواضع العالم.
ولعلاقة ماتييه بإيبلا حكاية يرويها رفيقه وساعده الأيمن عالم المسماريات الإيطالي ألفونسو آركي، بدأت سنة 1962 عندما زار ماتييه المنطقة كسائح، إذ شاهد في متحف حلب دمية فخارية معروضة في خزانة زجاجية، وقرأ عليها تاريخها، ولكنه لم يعجبه وشعر بأنه غير دقيق، وعندما علم بأنها وجدت في منطقة تل مرديخ في محافظة إدلب، ذهب إلى التل وأغراه شكله وعثور بعض المزارعين في المنطقة على فتات فخار أثناء عمليات الفلاحة، لإطلاق عمليات التنقيب التي بدأت سنة 1964، إذ استغرق منه العمل هو وفريقه أربعة أعوام قبل أن يعثروا على نقش للاسم القديم لتل مرديخ وهو إيبلا.
ومن أحسن ممن عمل مع ماتييه وعرفه عن كثب ليحكي عنه مثل علماء الآثار السوريين، فالباحث الدكتور محمود حمود يصفه بالصديق والعاشق لسورية، لأنه باكتشافه لإيبلا أحدث نقلة نوعية في نظرة الآثاريين لسورية القديمة، والتي كانت بدورهم مجرد تابع ومنطقة تنازع للممالك المتجاورة.. ويؤكد الدكتور حمود أن المعطيات الأثرية التي عثر عليها في موقع إيبلا وخاصة أرشيفها الملكي، تخبرنا أن ملوك مصر وبلاد الرافدين كانوا يتبادلون الهدايا مع ملكها. ويستذكر الباحث حمود عندما كان مديراً عاما للآثار والمتاحف، كيف زاره ماتييه في مكتبه بعد غياب طويل من جراء الحرب، وعيناه مغرورقتان بالدموع، كالطفل الذي عاد لأمه بعد أن نجت من الموت.
ويتابع حمود «لا ننسى أبداً موقف ماتييه المشرّف منذ بداية الأحداث وتبنيه موقف الدولة ضد الإرهاب، والأنشطة التي أقامها في إيطاليا وأوربا وشاركته في بعضها لتعريف الجمهور الإيطالي والعربي بما تعرضت له سورية من ظلم وما يطول تراثها الثقافي من تعديات من قبل المجموعات المسلحة في كل المواقع، فكان له فضل كبير في تعريف الجمهورين الإيطالي والأوروبي، وتعاطف هذه الشعوب معنا منذ البداية وكان لها موقف مغاير لمواقف حكوماتها».
ويتمنى حمود في ختام حديثه أن نمنح اسم ماتييه لأحد الشوارع تقديراً لإسهاماته الكبيرة وفضله الذي لا ينسى، ومساهمته الكبيرة في تثبيت مكانة سورية في خريطة السياحة العالمية وزيادة عدد السياح.
أما الباحث الدكتور جمال حيدر الذي عمل مع ماتييه فترة طويلة، فضلاً عن عمله مع غيره من الآثاريين الأجانب، فيجد أن هذا الآثاري الإيطالي جزء من موكب ضم نخبة من علماء الآثار الذين شغفتهم سورية، من الفرنسي أرنست رينان الذي وثق للتاريخ السوري الفينيقي، والألماني ماكس فون أوبنهايم وأنطون موتكارت والفرنسي كلود شيفر مكتشف حضارة أوغاريت، وأندريه بارو مكتشف حضارة ماري، وجاك كوفان وأعماله في تل المريبط واكتشاف حضارة النيوليت، والبروفيسور تاكيرو أكازاوا من اليابان الذي عمل مع سلطان محيسن لاكتشاف هياكل النياندرتال على الأرض السورية، وهو كشف يصفه حيدر بالخارق للمألوف.
ومن الأسماء التي يتذكرها الدكتور حيدر أيضا البروفيسور أكيرا تسونيكي من اليابان وبعثتنا المشتركة التي كان حيدر مديرها عن الجانب السوري، والاكتشافات المهمة التي تحققت على يد البعثة في موقع تل الكرخ، واكتشاف قرية تعود للعصر الحجري الحديث، استطاع الإنسان السوري فيها الانتقال إلى مجتمع منظم ومركب تحكمه علاقات اجتماعية واقتصادية وقانونية معقدة.
ويتحدث حيدر بإسهاب عن ماتييه الذي كان له الفضل الكبير في تسليط الضوء ساطعاً على حضارات تاريخ الشرق القديم في سورية، من خلال اكتشافه مملكة إيبلا التي احتوت على القصر الملكي وأرشيف ومكتبات ونصوص قديمة كتبت باللغة المسمارية الإبلائية والأكادية، وكان له الفضل في إضافة صفحات مشرقة لتاريخ سورية خلال عصور البرونز مابين الألف الرابع وحتى الألف الأول قبل الميلاد، مؤكداً أن ماتييه هو من أعطى إيبلا شهرة واسعة، واكتسب منها أيضاً شهرة كبيرة على مستوى العالم كعالم آثار ومكتشف لحضارة براقة، كانت موئلاً للملاحم والأساطير والأبطال، ليستحق التكريم اليوم على جهوده الخيرة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
إصابة مدنيين اثنين جراء عدوان إسرائيلي استهدف منطقة القصير بريف حمص (وثيقة وطن) تكرم الفائزين بجوائز مسابقة "هذه حكايتي" لعام 2024..  د. شعبان: هدفنا الوصول لحكايا الناس وأرشفة القصص بذاكرة تحمل وطناً بأكمله معلا يتفقد أعمال تنفيذ ملعب البانوراما في درعا ويقترح تأجيل الافتتاح بسبب تأثر المواد اللاصقة بالأمطار الوزير الخطيب: القانون رقم 30 يهدف إلى حماية بنية الاتصالات من التعديات الوزير صباغ: إمعان الاحتلال في جرائمه ضد الشعب الفلسطيني يعبر عن سياسات إرهابية متجذرة لديه سورية تترأس اجتماع الدورة السادسة للمجلس العربي للسكان والتنمية في القاهرة الجلالي يبحث مع أعضاء المجلس الأعلى للرقابة المالية صعوبات العمل ووضع حد لأي تجاوزات قد تحدث طلاب المعهد الصناعي الأول بدمشق يركّبون منظومة الطاقة الشمسية لمديرية التعليم المهني والتقني أجواء الحسكة.. عجاج فأمطار الأضرار طفيفة والمؤسسات الصحية بجهوزية تامة لمعالجة تداعيات العجاج انطلاق فعاليات أيام الثقافة السورية في حلب بمعرض للكتاب يضم ألف عنوان