العمل الثاني والفرص الهامشية خيار يتصدّر تدابير شريحة واسعة للانتصار على التحديات المعيشية.. خبراء يشخصون الداء ويصفون الدواء

تشرين- بادية الونوس:
لا نريد أن نجمّل الواقع، ومن دون رتوش، نعم واقع الأغلبية من الناس متشابه من حيث الظروف المعيشية الصعبة، الأمر الذي يدفعهم للعمل على جبهات عمل متعددة لتأمين متطلبات ما يشبه الحياة.
الباحث الاقتصادي عامر شهدا يحمّل الحكومات السابقة تدهور الوضع المعيشي وقيمة الدخل، بسبب قصور سياساتها الاقتصادية في بعض المطارح، إضافة إلى خطورة غياب الأرقام والإحصائيات ما بين المعلن والحقيقة، ناهيك بالتبعات الاجتماعية.
في حين يؤكد الباحث الاجتماعي حسام الشحاذه أن سبل الحل متاحة وتحتاج إلى تنظيم ورقابة بالتوازي مع إعادة توزيع الموارد المادية بما يحقق العدالة الاجتماعية.

من الواقع
تبدو وتيرة الأيام أشبه بماراثون لتأمين أدنى متطلبات الحياة اليومية بالنسبة لـ«سامر»، الموظف والمعيل لأسرة مؤلفة من خمسة أفراد.
يقول: بالتأكيد الراتب لا يكفي أجور المواصلات، فكيف يكفي مصاريف أسرة، في وقت تعيش فيه الأغلبية العظمى على ما يسدّ كفاف عيشها؟ مضيفاً: بعد دوامي أتجه للعمل في مشفى خاص، أعود إلى منزلي في ساعة متأخّرة من الليل، وكذلك زوجتي تعمل ما يتسنّى لها في محل خياطة، ومجموع ما نؤمّنه بالكاد يكفي لتأمين الحدّ الأدنى من متطلبات ما يشبه الحياة لأبنائنا.

سواسية أمام لقمة العيش
لأننا في ظروف قاسية جداً وخاصة، أقسى من فترة سنوات الحرب التي كانت فيها متطلبات الحياة أكثر يسراً، فالحرب الاقتصادية والغلاء في كل تفاصيل الحياة، كل تلك العوامل أذابت الفوارق الاجتماعية، وأصبح الجميع سواسية أمام لقمة العيش، فلم تعد الشهادة تمنع حاملها من العمل في أي شيء. على سبيل المثال (أحمد) يحمل شهادة الحقوق، يعمل في الساعات الأولى بمؤسسة كعقد مؤقت، ومن ثم يعمل في سوق الهال بتحميل الصناديق، يبيّن أن ما ينتجه في يومين يساوي راتب شهر كامل، وأن ما يهمّه في هذه الظروف تأمين مستلزمات التفاصيل الحياتية.
متاعب تتكبّدها المهندسة (زينة)، الشابة الطموحة العاملة في إحدى الوزارات، فهي تعمل في التدريس بالمعاهد الخاصة، وكذلك إخوتها الذين يعملون فيما تيسّر لهم مع دراستهم لتأمين أجرة بيت ومستلزمات يومية، توضح ملخّصة الواقع: الراتب هزيل جداً، ومتطلبات الحياة لا ترحم وانتظار الزيادة غير مجدّ أمام الغلاء الذي يلتهم كل ما ننتجه يومياً.
هذه حال الأغلبية العظمى من المواطنين، وخاصة من يعمل في القطاع الحكومي، هذه الشريحة التي تضرّرت طوال سنوات الحرب من كل التفاصيل، لترغمها الظروف على العمل على جبهات متعددة واتباع سياسة التقشّف لتأمين متطلبات الحياة، فكيف لموظف أن يحيا وأسرته من خلال راتب هزيل أشبه بقروش وتكاليف الحياة تحدّد وفق سعر الصرف، في وقت بات فيه من يعمل في مطعم فلافل أفضل دخلاً من أي موظف؟!

قصور السياسات
يعزو الباحث الاقتصادي عامر شهدا أسباب تدهور قيمة الدخل الذي لم يعد يكفي لأيام قليلة، إلى قصور السياسات الاقتصادية السابقة، واتباع التفكير التقليدي (غير القادر على الإبداع )، التي هي أول الأسباب التي أدّت إلى تدهور قيمة القدرة الشرائية وتالياً قدرة الدخل للاستهلاك، مضيفاً: إن عدم التفكير باستثمار المتاح من الموارد منذ سنوات، وإهمال سياسة تشجيع الإنتاج والزراعة، كل تلك العوامل مجتمعة أدّت إلى تدهور القوّة الشرائية، إضافة إلى تأثير العقوبات ..لكن هذا الأخير بقي بحدود لم تتجاوز ٣٠%.

شهدا: قصور في السياسات الاقتصادية السابقة وغياب الأرقام والإحصاءات الدقيقة بين المعلن والاحتياج الحقيقي

وأضاف: من خلال نظرة على السنوات الماضية منذ ٢٠١٨ حتى ٢٠٢٢ يلاحظ أنه تم نقل الثروات من خزائن العام إلى خزائن التجار، وتالياً عندما تنتقل القوة المادية إلى شريحة معينة من المجتمع يبدو التاجر كأنه أقوى من الحكومة وهو من يتحكّم بلقمة المواطن، ناهيك بالفساد المستشري والنتيجة تدهور الوضع المعيشي.
أين دقة الأرقام؟
يؤكد الخبير شهدا أهمية دقة الأرقام، التي كثيراً ما تتناقض بين المعلن عنها وبين حقيقتها على أرض الواقع، إذ يبيّن أن التبعات الناجمة عن الضغط المعيشي عديدة وخطرة، أولها التسرّب الوظيفي وهجرة هذه القوة، متسائلاً عن الجهة الحكومية التي اهتمت بقوة العمل المهاجرة خارج سورية؟ وما مقدارها؟ وما تأثيرها في الاقتصاد وسوق العمل؟ وخطورة إهمال الكادر البشري الذي هو أهم عنصر في عملية البناء وإحياء الاقتصاد، ولاسيما اليوم، إذ لا توجد إحصائيات عن أعداد الأطباء والمهندسين والمهنيين.. إلخ.
والنقطة الأهم أنه لا توجد الجهة القادرة على القيام بعملية إحصائية صحيحة، لذلك ووفق الباحث الاقتصادي شهدا كل الخطط الموضوعة مغلوطة، مستشهداً بموضوع الخطط الاقتصادية الموضوعة لعشرين مليون نسمة على اعتبار أن هذه الخطط تتعلق بالتكلفة، فكلما ازداد عدد السكان ازدادت التكلفة وعلى سبيل المثال احتياجاتنا من القمح، إذا ما أخذنا عدد السكان المعلن عنه هو ١٨ مليون نسمة، بينما المكتب المركزي للإحصاء أعلن أن العدد ٢١ مليون نسمة والفرق يعني فرقاً بين الاحتياج المعلن عنه وبين الاحتياج الفعلي وهو فرق يدفعنا للتشكيك بعجز الموازنة، وهذا ما ينسحب على قضايا كثيرة كموضوع المهاجرين وما نجم عن ذلك من استنزاف للقوة البشرية، فالرقم المعلن عنه لمجموع المهاجرين في العديد من دول العالم يختلف عن الرقم الحقيقي، والنتيجة ما نجم عنه من خلل ديموغرافي، ومشكلة قوة العمل المهاجرة، مشيراً إلى أنه إذا ما عادت الأراضي السورية للاستثمار فلا تتوفر فيها قوة عاملة تعمل فيها، وتساءل: كيف ندعو للاستثمار في ظل غياب المستهلك وعدم توفر مقومات الطاقة والبيئة التشريعية المناسبة؟

اقتراحات
لا نريد أن نتجمّل، إذاً هذا هو الواقع. يتحدث الباحث شهدا بلغة العارف وبشفافية أن المشكلة تكمن بغياب الأرقام والمعطيات وكم هي نسبة القوة العاملة بالنسبة للقطاعات الاقتصادية، وما هي الموارد؟ وفي حال زادت الرواتب يعني- من وجهة نظره- زيادة في التضخّم، وهل توجد لدى المكتب المركزي سياسة لامتصاص هذا التضخم؟ مختتماً حديثه بأن السياسات الخاطئة والخطط هي السبب فيما وصلنا إليه من تدهور وإضعاف للقوة الشرائية ولا بد من إعادة النظر فيها.

الشحاذه: إعادة توزيع الموارد المالية بما يحقق العدالة الاجتماعية

تبعات نفسية
عوامل عدة، منها الارتفاع غير المسبوق للأسعار إضافة لأسباب اقتصادية واجتماعية وغيرها، كل تلك العوامل جعلت شريحة ذوي الدخل المحدود أو التي تصنّف في الطبقة الوسطى مهددة لعدم تحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي اتساع دائرة الفقر والبطالة. ووفق الباحث الاجتماعي د. حسام الشحاذه فإن لهذا الواقع تبعات نفسية، منها الشعور بالعجز واليأس لعدم قدرة الأغلبية على تأمين متطلبات الحياة لأبنائهم، والخوف والقلق من مستقبل غير واضح المعالم لهذه الطبقة، التي تعدّ قاطرة النمو الاقتصادي، إضافة إلى التفكك الأسري والتهجير، وكل تلك التبعات قد تبقى في العقل اللاواعي لتظهر لاحقاً بصورة مشاعر هدّامة، وأيضاً من التبعات زيادة عدد السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر بنسبة كبيرة.

غياب التخطيط
يرى الشحاذه أن في مقدمة الأسباب التي أدّت إلى هذا الواقع غياب التخطيط الحكومي “الاقتصادي والاجتماعي” ووضع الحلول المتوازنة وغياب المشروعات التنموية الجدّية.

حلول
أهم سبل مواجهة هذا الواقع تضافر الجهود بين القطاع الحكومي والأهلي والخاص، فعلى المستوى الحكومي لا بدّ من تنظيم خريطة إحصائية وطنية قابلة للتحديث لرصد نسبة الفقر والعوز، ولهذه الخريطة دور في تعزيز توزيع الموارد المالية والبشرية للحدّ من ظاهرة الفقر، مع تفعيل القطاع الخاص لأخذ دوره المطلوب.
وختم بأن هذا الواقع يحتاج إلى تنظيم ورقابة، بالتوازي مع إعادة توزيع الموارد المالية بما يحقق العدالة الاجتماعية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
(وثيقة وطن) تكرم الفائزين بجوائز مسابقة "هذه حكايتي" لعام 2024..  د. شعبان: هدفنا الوصول لحكايا الناس وأرشفة القصص بذاكرة تحمل وطناً بأكمله معلا يتفقد أعمال تنفيذ ملعب البانوراما في درعا ويقترح تأجيل الافتتاح بسبب تأثر المواد اللاصقة بالأمطار الوزير الخطيب: القانون رقم 30 يهدف إلى حماية بنية الاتصالات من التعديات الوزير صباغ: إمعان الاحتلال في جرائمه ضد الشعب الفلسطيني يعبر عن سياسات إرهابية متجذرة لديه الجلالي يبحث مع أعضاء المجلس الأعلى للرقابة المالية صعوبات العمل ووضع حد لأي تجاوزات قد تحدث طلاب المعهد الصناعي الأول بدمشق يركّبون منظومة الطاقة الشمسية لمديرية التعليم المهني والتقني أجواء الحسكة.. عجاج فأمطار الأضرار طفيفة والمؤسسات الصحية بجهوزية تامة لمعالجة تداعيات العجاج انطلاق فعاليات أيام الثقافة السورية في حلب بمعرض للكتاب يضم ألف عنوان أين وصلت عمليات الترميم والتأهيل لمتحف معرة النعمان وماذا عن متحف حماة وقلعتها؟ بسبب العاصفة.. أضرار مختلفة في الشبكة الكهربائية باللاذقية