الاحتفاء بالراحلين أكثر من الأحياء… ذلك التقليد المشرقي الأصيل

تشرين- سامر الشغري:

يكشف مشهد في مسرحية ناس من ورق للأخوين رحباني بصورة لاذعة نظرة المجتمعات الشرقية للأموات واحترامها لهم أكثر من الأحياء، من خلال هذا الحوار بين مدير فرقة ماريا الاستعراضية /الفنان الراحل نصري شمس الدين/ عندما يشتكي لشاويش المخفر /الفنان الراحل زكريا عراداتي/ تهديدات أحد أزلام المتنفذين:
_هددونا.
_ التهديد حكي، ونحنا ما منتدخل بالحكي.
_ وإذا قتلونا.
_ وإذا قتلوكم ساعتها منتدخل.
ونجد هذه النظرة المتعاطفة مع الأموات أكثر من الأحياء راسخة حتى في المنطوق الشفهي والقول المأثور، ذلك إنّ هذه المجتمعات فسرت مقولة (اذكروا محاسن موتاكم) على طريقتها، فالإنسان عندما يرحل عن عالمنا يجب الامتناع عن اغتيابه والتعرض له سلباً، ببنما يمكننا أن نقول عنه ما نشاء وهو حي.
ومن هنا خرجت فكرة تكريم المبدعين بعد رحيلهم وأخذت طابعاً يكاد أن يكون رسمياً، بعد أن كان في الموروث الاجتماعي والشعبي، ولقد حضرت نقاشاً دار بين مثقفين كبيرين في تخصصهما مع إحدى الشخصيات المسؤولة في القطاع الثقافي، حول تكريم أحد المبدعين الكبار بعيد رحيله، وهكذا كان إذ تم الاحتفاء به وباحتفال كبير، وللمرة الأولى محلياً، بعد أن كان قد نال الكثير من التقديرات الدولية وهو حي.
وانتقلت هذه النظرة للإعلام وهيمنت على عقلية الكثير من المشتغلين فيه، وأذكر في هذا الصدد أني أعددت مقالاً عن الراحل صباح فخري قبل أن يتوفى بنحو عام، ولكن الشخص القيم على النشر أعاده لي ورفض نشره، بدعوى أنه لا تصح الإشادة بصباح وهو حي، ولكننا يمكننا التحدث عنه بعد أن يموت.
ولقد انتبهت الدراما السورية بدورها لهذه المفارقة، وقدمتها بصورة ساخرة، فقدمت سلسلة (بقعة ضوء) لوحة أبطالها مبدعون عجائز في غير اختصاص، ويتم أخذ قرار رسمي بتكريمهم دفعة واحدة، ولكن المنية تعاجل الجميع، فبعضهم يجيء به للتكريم وهو على النقالة، وآخر بعد أن لفظ أنفاسه الأخيرة ورحل عن عالمنا.
وأيضا انتقدت الدراما لدينا احتفاء الإعلام ورجال الصحافة بالراحلين، ففي إحدى لوحات سلسلة (مرايا) للفنان القدير ياسر العظمة التي حملت عنواناً طريفاً هو (صحفي المراثي).. نجد العظمة يؤدي دور كاتب يشتغل في إحدى الجرائد، وعمله مقتصر على تدبيج مقالات المديح والثناء في المبدعين بعد رحيلهم وبمختلف الاختصاصات، حتى يُعرف بين زملائه بصحفي المراثي، والمفارقة أنه عندما يرحل عن عالمنا بدوره ويكلف رئيس التحرير أحد زملائه بكتابة مقال عنه، ينتبه إلى أن المقال مكتوب بطريقة تشابه أسلوب ذلك الصحفي الراحل، وعندما يستفسر عن ذلك يقال له إن صحفي المراثي كتبه بنفسه قبل موته.
على أن التوعية بتكريم المبدع وهو حي يجدر ألا تكون مقتصرة على لوحات كوميدية أو ساخرة، بل هي أكثر جدية من ذلك وهي في صلب العملية الإبداعية، فلماذا يقدم هذا الإنسان عصارة جهده وجلّ سنوات عمره إن لم ينظر بعين التقدير له وهو حي، وماذا سينفعه قولنا عنه بأنه كان عظيماً بعد رحيله.
تغيير هذه الثقافة الراسخة فينا ليس بالأمر السهل ذلك بأنها متوارثة عبر مئات السنين، حتى صرنا لا ننتبه إلى خطئها ونعدّها من المسلمات، ولكن آن الأوان لتغييرها وبناء نظرة جديدة حول المبدع الحي وعلى مختلف المستويات، بدءاً من صفحات الجرائد ومسارح التكريم.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
في ذكرى تأسيس وزارة الثقافة الـ 66.. انطلاق أيام الثقافة السورية "الثقافة رسالة حياة" على سيرة إعفاء مدير عام الكابلات... حكايا فساد مريرة في قطاع «خصوصي» لا عام ولا خاص تعزيز ثقافة الشكوى وإلغاء عقوبة السجن ورفع الغرامات المالية.. أبرز مداخلات الجلسة الثانية من جلسات الحوار حول تعديل قانون حماية المستهلك في حماة شكلت لجنة لاقتراح إطار تمويلي مناسب... ورشة تمويل المشروعات متناهية الصغر ‏والصغيرة تصدر توصياتها السفير آلا: سورية تؤكد دعمها للعراق الشقيق ورفضها مزاعم كيان الاحتلال الإسرائيلي لشنّ عدوان عليه سورية تؤكد أن النهج العدائي للولايات المتحدة الأمريكية سيأخذ العالم إلى خطر اندلاع حرب نووية يدفع ثمنها الجميع مناقشة تعديل قانون الشركات في الجلسة الحوارية الثانية في حمص إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه ‏الملاحة البحرية.. بسبب سوء الأحوال الجوية صباغ يلتقي بيدرسون والمباحثات تتناول الأوضاع في المنطقة والتسهيلات المقدمة للوافدين من لبنان توصيات بتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتفعيل نافذة الاستثمار في الحوار التمويني بدرعا