راقبوا تجليات الظاهرة في مؤسساتنا إن وجدت…«الاحتراق الوظيفي» يُهدّد الموارد البشرية و قطاعات العمل
تشرين- بارعة جمعة:
“لا تحاول أن تلعب دور البطولة وترهق نفسك وتصل إلى مرحلة الاحتراق الوظيفي، معظم من حولك لا يهتمون بحقيقة أنك موظف مثالي أو كفاءة مميزة”، توصيات أطلقها علم الصحة النفسية لتفادي ظروف العمل التي جعلت من أغلب الموظفين تحت وطأة الضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية الناتجة عن بذل الجهد من دون الحصول على النتيجة المرجوّة منه، كما أكدت الدراسات الحديثة أن كل واحد من ثلاثة موظفين يعاني الاحتراق الوظيفي، الأمر الذي انعكس بشكل مباشر على انخفاض إنتاجيتهم ضمن مؤسسات ستواجه حتماً مشاكل اقتصادية كثيرة فيما لو لم يتم التعامل مع هذه الحالات منذ بدايتها.
مؤشرات سلبية
إحساس بتراجع الإنتاجية وفقدان الهوية الشخصية، ينطوي تحتها إرهاق عقلي أو عاطفي أو جسدي مصحوب بالشعور باليأس والتشاؤم وقلة الحس الإبداعي، علاماتٌ تؤكد أنك ضمن حالة الاحتراق كرد فعل على عدم الرضا، وبالتالي كره الوظيفة وفق توصيف الدكتور في علم الاقتصاد في جامعة دمشق زكوان قريط لواقع الحالات ضمن بيئة العمل، التي تفقد في كثير منها ضعف الرؤية المستقبلية من قبل الشركة أو المؤسسة في القطاعين العام والخاص لمسار تطور الموظف لديها، وضبابية الرؤية فيما يمكن الحصول عليه من ترقيات وتقدم فكري له ضمن مستوياته الوظيفية المسموح بها ضمن اختصاصه، والتي غالباً ما يطغى عليها ضغط الوقت غير المعقول وقلة التواصل أو الدعم من المدير وعدم وضوح الدور وغياب الهدف المنشود، يضاف إلى ذلك المعاملة غير العادلة التي ستؤدي حتماً إلى ضعف السيطرة وعدم التحكم في القرارات التي تؤثر في العمل.
الدراسات الحديثة تؤكد أن كل واحد من ثلاثة موظفين يعاني الاحتراق الوظيفي
هنا سيكون تغيير العمل ضرورياً وفق رؤية الدكتور قريط، لوضع حدّ للإرهاق الذي لابدّ من مواجهته عبر الرعاية الذاتية بتخصيص وقت من قبل الموظف للترويح عن النفس، وممارسة الرياضة وتنظيم عادات النوم والحصول على المساعدة من خلال التواصل مع الأصدقاء المقربين أو عبر إخبار المشرف بالمشاكل المرتبطة بالعمل، لأحداث تغييرات وإيجاد بيئة عمل صحيّة، فالاحتراق الوظيفي هو مرض عصري برأي الدكتور في إدارة الأعمال زكوان قريط، ظهر في القطاعين الخاص والعام ويحتاج إلى العلاج الفوري، لما له من تأثير على إنتاجية العامل والأداء المؤسساتي، التي لابدّ من النظر إليها من زاوية تحسين المناخ التنظيمي وبيئة العمل المادية إضافة إلى تحسين بيئة العمل المعنوية، والحد من امتداد هذه الظاهرة التي ستؤثر سلباً على سمعة المؤسسات.
د. قريط: لا بدّ من النظر للعلاج من زاوية تحسين المناخ التنظيمي وبيئة العمل المادية والمعنوية تفادياً للأثر السلبي على المؤسسات
اضطراب وظيفي
تعاني الأغلبية من الموظفين من عدم القدرة على التمييز بين نوعين من الاضطرابات في العمل وهي الاحتراق الوظيفي وعدم الرضا الوظيفي، حيث إن للأول انعكاسات خطيرة على صحة الفرد النفسية وقد تم تصنيفه وفق منظمة الصحة العالمية تحت مسمى المرض حسب تأكيدات الدكتور والمعالج في مجال الصحة النفسية عبد الفتاح الحميدي، ينتج عن تطور ثلاثة أمور: بيئة العمل وسلوك وساعات العمل، كما أنه من الممكن أن تتركز المشكلة في شخصية الفرد نفسه بحدوث اضطرابات بالصورة الذاتية لديه والخوف من العمل والمواجهة، خاصة إن كان ميدان العمل قائماً على التحدي كالعمل الصحفي وعمل الأطباء والممرضين.
د. الحميدي: منظمة الصحة العالمية صنّفت الاحتراق الوظيفي كمرض عصري سببه ميادين العمل القائمة على التحدي
تلعب مشاكل الأسرة دوراً كبيراً في تطور الحالة برأي الدكتور الحميدي، في حال لم يمتلك الموظف القدرة على الفصل بين أموره الشخصية وأمور العمل، لتتطور الحالة إلى مشاكل جسدية مثل الكولون العصبي واضطرابات ذهنية كالتشتت وصعوبة ضبط النفس، هنا لابدّ من النظر لمثلث المشكلة القائم على الضحية والجلد والمنقذ وفق توصيف الحميدي لمراحل العلاج النفسي، لتأتي الرعاية الذاتية كالمنقذ للموظف عبر الحوافز والمكافآت والرحلات الترفيهية والعناية بالشخص نفسه.
الاقتصاد المنزلي
التشاركية والتعاون بين أفراد الأسرة تخفف من آثار الاحتراق الوظيفي للرجل والمرأة ضمن بيئة العمل، هذا ما أكدته الباحثة الاجتماعية الدكتورة غالية البغدادي عبر توصيفها للمجتمع وما يعانيه من جراء التربية الخاطئة للأبناء، والذي يستوجب برأيها نشر الوعي بينهم بضرورة توفير النفقات في الأزمات الاقتصادية للأسرة بتوزيعها عبر الزمن وضمن خطة موضوعة لكل شهر، مع التركيز على تنمية ثقافة الاعتماد على الذات في وقت مبكر، بتعليم
الأبناء مهناً تجلب المال والخبرة لهم في أوقات الفراغ كالعطلة الصيفية، يضاف إلى ذلك زرع ثقافة اقتصاد المنزل لديهم وطرق تدوير المال عبر تحديد جدول بين الأشياء المهمة والأكثر أهمية وتوزيع المهام فيما بينهم، بما يسهم برفع دخل الأسرة والأبناء.
عوامل خارجية
لم يكن مرور حرب الاثني عشر عاماً أمراً سهلاً على المستوى الاقتصادي للفرد والدولة، بل حمل معه الكثير من الدمار للحجر والبشر، ظهر جليّاً في فقدان الكثير من كوادرنا البشرية إمّا بالهجرة أو العوز الاقتصادي، فيما الأثر النفسي حديث آخر برأي الدكتور في علم الموارد البشرية في الجامعة الافتراضية السورية هاني حداد، نظراً لتغير السلوك لدى الأفراد وتحوّله إلى عدائي وإن كان غير ظاهر، ما جعل الأفراد عاجزين عن القيام بعلاقات بين الأشخاص لغياب التحفيز.
كلمة “شكراً” تدفع الموظف للاطمئنان وهو ما فقدناه اليوم للأسف، فالاطمئنان يعني المعاملة الجيدة والانتماء لعائلة العمل والدخل التي باتت مغيبة بأكملها بعد الحرب برأي حداد، هنا يلجأ الموظف للبحث عن فرصة أفضل.
د. البغدادي: التشاركية بين الأسرة تخفف آثار الاحتراق الوظيفي كما لثقافة الاقتصاد المنزلي الدور الأكبر في علاجه
السلوك الإيجابي يدفع للاستمرار نتيجة التقدير الذي يغطي مساوئ الدخل أيضاً، بينما لفقدان الميزات الوظيفية الدور في الوصول لمرحلة الاحتراق الوظيفي التي لا تأتي فجأة بل نتيجة تراكمات وصدامات واختناقات مادية ومعيشية تواجه الموظف، إلّا أن الأمر لم يقف عند العزوف عن العمل وإفراغ الشخصية الوظيفية، بل امتد ليصيب المؤسسات بالفراغ ضمن الهيكلية المؤسساتية التي طغت عليها الأجيال الجديدة على حساب القديمة التي فقدت الأمل بالتطور ضمن المكان، ليبقى المحيط هو السبب المباشر لزيادة هذه الظاهرة أو تناقصها والتي سجلت قبل الحرب وفق تأكيدات الدكتور حداد نسبة 5% بينما اليوم تتراوح النسبة بين 60 و 80% وهو دليل تراجع الخبرات والكفاءات في البلد، فالمجتمع بأسره يعاني اليوم الاحتراق الوظيفي لكن بدرجات حسب طبيعة كل شخص.
د. حداد: الحرب أدت إلى تغير السلوك وقد يكون الاحتراق الوظيفي مفيداً للموظف بترقيته في مؤسسة ثانية
وصفات علاجية
ينبع من الفرد عبر التواصل الإيجابي منه للشعور بالارتياح والبعد عن التوتر الذي ينعكس على علاقته مع محيطه، هي أولى خطوات العلاج برأي الدكتور في إدارة الموارد البشرية هاني حداد، ومن ثم التحول إلى فتح شركات جديدة وتحسين المعيشة للتقليل من الظاهرة ونشر التفاؤل لدى الموظف اقتصادياً، لتبقى المعالجة على المدى الطويل بعلاج سلوك الأفراد داخل المنظمات والمؤسسات.
وبعد الخوض في تفاصيل صعوبات ومعوقات استمرارية الموظف في عمله ضمن هذه الظروف، يعود الدكتور حداد ليؤكد بأن الاحتراق الوظيفي مفيد للموظف بترفيعه في مؤسسة ثانية، حيث من الممكن أن يجد فائدته الشخصية هناك وإن تضررت مؤسسته.