على خُطا «عزيز نيسن» «وعدت نديم تور» يُلون المسرح بوشاح السخرية
تشرين- راوية زاهر:
إذا كان الكاتب التركي عزيز نيسن أطلع الكثيرين في مغرب هذا العالم وشرقه على صنوف من أساليب القص الساخر، فإنّ «وعدت نديم تور» من موطن نيسن، يُرخي بأساليب السخرية على النصوص المسرحية، وإن كانت بالمضمون والشواغل نفسيهما في القصة والمسرح.. هذا نصه المسرحي اليوم (الأبطال المزيفون) الصادرعن الهيئة العامة السورية للكتاب بترجمةٍ جوزيف ناشف، ومراجعة أحمد الإبراهيم، تؤكد هذه الأسلوبية حيث تصنّف المسرحية على أنها كوميديا خفيفة الظل وبأسلوبٍ ساخرٍ، وهو أسلوب التي لا يطوله سوى القلة.. ومسرحية (الأبطال المزيفون)؛ مؤلفة من ثلاثة فصول منسّقة، تدورُ أحداثُها حول رغبة السلطان بالتخفي والعيش بين الناس.. إذ تسلط المسرحية الضوء على مجموعةٍ من المشردين الأذكياء يحلون ضيوفاً على قريةٍ تتحكم بها مجموعةٌ من الفاسدين.. ويأتي المكان متمثلاً بالمسرح، بخشبته، هو مقهى له حديقة، نجدُ أمامه وفي الجهة اليمنى باب مطبخ المقهى وتجهيزاته.. وفي الحديقة عدد من الطاولات والكراسي موزعة في المكان.. هذا المكان الذي ينتمي إلى قريةٍ في منطقة الأناضول.
بينما الشخصيات تمثلت بالكثرة، إذ شملت المسرحية كل المكوّن الحيّ للقرية، فكان المختار المراوغ، والفاسد صاحب المقهى ونادله.. أما الشخصيات الرئيسة فتمثلت بالمشردين الثلاثة الذين قصدوا المقهى، والتبس أمرهم على المختار وصاحب المقهى واعتقدوهم: الملك، والوزير، والباش كاتب، جاؤوا مُتنكرين بأزياء المشردين، وحاولوا إثبات الحقيقة لكنهم فشلوا، فتقمصوا الشخصيات، وانخرطوا في اللعبة حتى النهاية بحكم ذكائهم وشدة حنكتهم.
المسرحية بكاملها اعتمدت الحسّ الفكاهي والكوميدي، ولكن ما لم يكن في حسبانهم حضورالسلطان الحقيقي ووزيره وكاتبه ليحضروا الاستحقاق، ويتعلم الملك دروساً في المُلك والتعامل والوصول إلى تفاصيل الناس من دون عناءٍ بمجرد حضوره تفاصيل المسرحية المزيفة التي كان أبطالها المشرّدين بكامل هيبتهم، وفرض سلطانهم، واكتشاف السلطان الحقيقي معاناة الشعب، وخيانة وزيره الكاذب.
واللافت في هذه المسرحية استخدام الجوقات الغنائية على خشبة المسرح، ما أعطى الأحداث أبعاداً ترفيهية وبدأت بجوقة (أغنية المشردين ١و٢)
الله.. الله
الحياة جميلة
نشرب الشاي
نرشفها بصوتٍ عالٍ..
….
شينناي أيضاً شينناي
واي واي.. واي واي.
وكذلك ثمة حضور جاذب لعنصر الأنسنة متمثلاً بالثور بعد معاناة المشردين من استنطاق الشعب عن أحوالهم ومطالبهم، فقد استطاع المشرد الأول استنطاق الثيران والحمير والقطط والكلاب، بجوقات غنائية تبعث على المتعة والدهشة.. ففي الفصل الثاني:
المشهد المسرح ذاته: الشعب يحتل خلفية المسرح بصفوفٍ منتظمة، نسمع صوت موسيقا شعبية كخلفية، ويبدأ استنطاق كل طبقات الشعب من دون جدوى، لتبدأ جوقة الثيران بالتنصل من الشعب ومحاولة تذكيره بماضيه وإعطاء مكانة مميزة للثيران:
أنتم البشر في عصرٍ ما
كنتم تعبدون الثيران
حذار لا تغضبوا
لا تفهموا خطأ
لنا.. لنا
نحن الثيران
لا نزال نرى
بعيوننا الواسعة
المكحلة
كل الدناءة
كل الوقاحة…
ونتيجة خوف الشعب يستمر الحيوانات في النطق، فتحضر جوقة الحمير وهكذا.. حتى استطاع السلطان المزيف استنطاق البشر، وإيجاد حلول تناسبهم، ليكون كلّ ما يحصل درساً مجانياً للسلطان الذي حاول وزيره أن يخرّب الخطة خوفاً على رأسه المهدد بالقطع لحدة فساده وكذبه.
قام الحوار بكلِّ شفافية وإبداع، وكان شائقاً قصيراً معبراً فكاهياً يثير الدهشة والمتعة.
(يأتي مميش آغا مع حماره)
المشرد : من يكون هذا؟
المختار: إنه مميش آغا ياسيدي.
المشرد١: وماذا يشتغل مميش آغا هذا؟
المختار: إنه يشتغل حمّالاً مع حماره.
المشرد١: وهل هذا هو الحمار الذي أراد الكلام؟
مميش: نعم يا سيدي.. هذا حماري… لقد نصحته كثيراً، ولكني لم أستطع إقناعه، وفي النهاية لم يتحمّل.
لتنتهي المسرحية بتلبية طلبات كلِّ فئات الشعب من مومسات القرية، ورجال يرغبون في تعدد الزيجات، وبنات يرغبن في إلغاء المهور، وكبار في السن يرغبون في إغلاق المدارس حتى لا يتطاول أولادهم عليهم.. وهكذا….تنتهي المسرحية بصوت الشعب عا.. عا… عا.. عا… ش مختارنا طويلاً
(يذهبون … يسمع صوت نهيق حمار من خلفية المسرح).
لتبقى النهاية مفتوحةً، وعلى مسمع السلطان في انتظار تحقق كل المطالب.