بوصلة مشتتة ووقوع في غواية العائدات الخلّبيّة… الاستثمار العقاري يستنزف السيولة وخبراء يحذّرون من الاستمرار بتجاهل الإنتاج
تشرين – رشا عيسى:
في ضوء عوامل متغيرة كثيرة على المستويين القانوني والاستثماري يؤمل أن تنعكس انفتاحاً وإنتاجاً في القطاع الاقتصادي عموماً، يبقى موضوع التطوير العقاري ووجود شركات تابعة للمصارف تنخرط بعملية التطوير العقاري محل تريث وفقاً لظروف المرحلة الحالية، حيث شبّه البعض من أهل الاختصاص الاتجاه نحو التطوير العقاري كمن لديه شخص مريض وبدل أن يعالجه من السقم وضع له مساحيق التجميل، في حين وجد البعض أن تحرير السيولة النقدية في المصارف وضخّها نحو التطوير العقاري يجب أن يقابل بعملية إنتاجية لأن الحاجة اليوم لإعادة إحياء العمليات الإنتاجية كأولوية مطلقة، أما تحرير السيولة النقدية في المصارف للمساهمة في التطوير العقاري من دون إنتاج فسيكون ذا انعكاس سلبي ويزيد التكلفة الاقتصادية، في حين لن يؤتي التطوير العقاري أكله ضمن القضايا الملحة التي نعيشها.
قيم مضافة
الباحث الاقتصادي الدكتور معن ديوب يرى أن موضوع التطوير العقاري والاستثمار بالعقارات لا يعطي قيماً مضافة التي يجب أن تكون بالاستثمارات المنتجة. ونحن بمرحلة حرجة حيث القطاعات الاقتصادية إنتاجيتها ضعيفة، والحاجة ماسة إلى استثمارات، والبنوك لكونها تمثل الأوعية التمويلية والادخارية التي تمتلك السيولة النقدية وتمتلك رؤوس الأموال يجب أن توجه كل الاستثمارات نحو القطاعات المنتجة سواء كانت في القطاع الزراعي أم الصناعي أو الخدمي ، بمعنى نحتاج إلى تدعيم القطاعات التي لها قيم مضافة كما يوضح ديوب.
ليس وقت الاستثمار في الرفاهية المصارف والتطوير العقاري خطان متلازمان لكن لمرحلة الرفاهية
وبين ديوب لـ«تشرين» أن التطوير العقاري يأتي في مرحلة أخرى، لأن التطوير العقاري شكل من أشكال الرفاهية ويأتي في مرحلة لاحقة عندما نصل إلى درجة من الإشباع الاقتصادي، لذلك نحن مطالبون بتأمين الحاجات الأساسية وأن نصل إلى مرحلة من مراحل التوازن الاقتصادي، أي توازن في ميزان المدفوعات، وتوازن في الموازنة، وترميم العجز والعجوزات، والحفاظ على سعر الصرف وهذه قضايا ملحة، أما التطوير العقاري فيأتي في مرحلة لاحقة وليس الآن، مؤكداً أن التطوير العقاري لن يؤتي ثماره ضمن القضايا الملحة التي نعيشها.
أولوية الإنتاج
أما الباحث الاقتصادي الدكتور مجدي الجاموس فوجد أن فكرة دخول المصارف على خط التطوير العقاري من خلال شركات تابعة لها ليست فكرة جديدة، بل موجودة في الكثير من الدول، لكن ضمن عمل وآلية وتأسيس المصارف وخاصة الإسلامية منها، أي في مجالات المرابحة والمشاركة وعقود الإيجار الطويلة الأجل والبيع بالتقسيط، ودخول المصارف الخاصة بهذا القطاع ليس دخولاً جديداً وهي من آلية عملها، لكن مع وجود قانون التطوير العقاري وتشميله بقانون الاستثمار رقم 18 لعام 2021 فهذا يعد تحفيزاً أكبر لدخول البنوك أو لتفعيل عملية المشاركات في التطوير العقاري.
اليوم أولويتنا هي الإنتاج والتشجيع على الإنتاج بأي شكل من الأشكال وبالقطاعات كلها بما فيها القطاع العقاري إلى جانب القطاعين الزراعي والصناعي لأنّ ما نعانيه اليوم هو قلة الإنتاج كما يشرح الجاموس.
ويرى أن سياسة حبس السيولة أثرت بشكل كبير جداً في قيمة الليرة وسعر الصرف، وحتى يتم ضخ هذه السيولة وتجنب حصول تضخم يجب أن تقابل هذه السيولة بعملية إنتاج .
ويؤكد الجاموس لـ«تشرين» أنه أينما وجد قطاع مالي قوي وجد اقتصاد قوي، والقطاع المالي القوي هو الأساس في العمليات الاقتصادية، فهو مكون من مصارف وشركات تأمين وشركات الوساطة المالية وغيرها، وعندما تكون قوية، تلقائياً تؤمّن القاعدة الأساسية لتشجيع عملية الاستثمار .
مشروعات رابحة
يمتاز القطاع العقاري بأنّ مشروعاته دائماً رابحة لأن هنالك طلباً دائماً على الإسكان وعلى العمليات التجارية وعلى المحال التجارية، ويتوافق أيضاً مع زيادة في معدل السكان والرغبة بعمليات الاستقلال بشكل شخصي وسكني، وهذا موجود في كل دول العالم أي هناك طلب على القطاع العقاري الذي يعد قطاعاً رابحاً، لذلك نشجع البنوك بهذا المجال والاستفادة من مزايا قانون التطوير العقاري وقانون الاستثمار، لكن بشرط عندما تتخلى البنوك عن سيولتها أو السيولة المكتنزة لديها لكي يكون هناك إنتاج مضمون، مشيراً إلى أن القطاع العقاري من المشروعات الآمنة التي تحقق الأرباح، مشجعاً على أن تتخلص المصارف من السيولة المكتنزة لديها وأن تقابل السيولة الممنوحة من المصارف بعمليات إنتاجية .
شركات موجودة
بدوره، المهندس المدني منتجب عبد العزيز سلوم وجد أن من الأمور المطروحة على الطاولة والجدية هي شركات تطوير عقاري تابعة للبنوك تدخل على خط إعادة الإعمار، لافتاً إلى أنها شركات شائعة وموجودة في بقية الدول كالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وغيرهما من الدول التي لها باع طويل في مجال التطوير العمراني والرؤى الجديدة، حيث تعد البنوك مرشحة قوية لمثل هذه الشركات الهندسية لما تملكه من قاعدة بيانات هائلة وضخمة للمستثمرين والمودعين، وبالتالي سهولة التعامل النقدي والمالي مع كل الجهات والأفراد، وأيضاً الملاءة الماليه الكبيرة لها تخولها لتقوم بهذا الدور بشكل كبير، لاسيما أن آلية عمل البنوك تتفق مع هذا النمط من الأعمال حيث إن الكثير منها تستثمر في مشروعات عمرانية وبنى تحتية ومشروعات أخرى وهناك الكثير من الأمثلة الرائجة والناجحة لشركات تابعة لبنوك استثمارية.
ميزات متعددة
ومن ميزات الشركات التابعة للبنوك، كما شرح سلوم لـ«تشرين» أنها تقدم الخدمة العقارية المناسبة للعميل بما يتوافق مع رصيده وإيداعاته مهما كانت كعقار أو سندات أو أموال نقدية، كذلك القدرة على إنشاء وحدات عقارية كبيرة وجيدة للإيجار الشهري والسنوي بحيث يسهل على المستثمر الاستفادة منه.
إلى جانب ذلك أيضاً، حسب سلوم، القدرة على مبادلات العقارات بما يتناسب مع قيمتها السوقية بين جميع الأماكن وتقديم الخدمة الأنسب للعميل، وتقديم خدمات الرهن العقاري بين العملاء بشكل أفضل وبصورة وسيط يمتلك قاعدة البيانات الشاملة لكل الأطراف، إضافة إلى تقدير وتقديم القروض العقارية بما يتناسب مع قاعدة العملاء ومراحل العمر الاستثماري في منشآتهم، ناهيك بالقدرة على تأسيس شركات عقارية ذات رؤى هندسية واسعة بميزات معمارية أرقى وأفضل، وكذلك إدارة العقارات التابعة للمستثمرين بصورة أوضح بما يشمل الإيجار والملكية سوا ء لأفراد أم لجهات حكومية أو خاصة.
اقتصاديون يوضحون: تحرير السيولة النقدية المصرفية مقابل عمليات إنتاجية تجنباً للمزيد من التضخم
ومن ميزاتها أيضاً، وفقاً لسلوم، القدرة على عمل شركات هندسية متطورة بفضل قاعدة بياناتها، حيث لديها الكثير من البيانات عن العملاء من مختلف الجهات الخاصة والعامة والأفراد، وكذلك إمكانية التعامل مع كل البنوك الأخرى في حال التعثر أو حتى الاندماج، لذلك نرى أنه من الجيد قيام هذه الشركات وإعطاء الضوء الأخضر لها من الجهات الحكومية أسوة ببقية الدول المتقدمة عمرانياً والحاجة الملحه لعدة أطراف لاستكمال مرحلة إعادة الإعمار والمساهمة فيها بشكل فعال حتى تعود الأمور إلى ما كانت عليه سابقاً.
وأشار سلوم إلى أن بلدنا يحتاج إلى عشرات السنين كمدة زمنية لإعادة إعمار ما دمرته الحرب، إضافة إلى الكارثة التي منينا بها بفعل الزلزال الأخير، الذي وفق البنك الدولي، تحتاج سورية إلى ٨ مليارات دولار لإعادة إعمار ما تخرب بفعل الزلزال، عدا التكلفة الهائلة لإعادة تأهيل وإعمار ما دمرته الحرب والتي تقدر بمئات مليارات الدولارات وهذا الأمر يتطلب الكثير من الخطوات المهمة والضرورية والجريئة من الحكومة والجهات المعنية بهذا الأمر.
ولم يخف سلوم أنه في الفترة الأخيرة تم ترخيص لسبعين شركة تطوير عقاري في خطوة تعد جيدة وتقدم التسهيلات، مضيفاً: إن أغلبها لم يقدم رؤية واضحة على مستوى شركة، لكنها قامت بالتصرف على مستوى أفراد، وهذا لا يناسب الوضع القائم في بلدنا، لذلك نحتاج الى بديل قادر على المنافسة وتحريك هذه العجله إلى الأمام.