من «الألم إلى الأمل»… مبادرة دعمت نفسياً أكثر من 44 ألف مواطن متضرر في مراكز الإيواء في حلب
تشرين – رحاب الإبراهيم:
تركت كارثة الزلزال آثاراً سلبية يصعب أن تمحى بسهولة على مدينة حلب المنكوبة وأهلها، فبمعزل عن تداعياتها اقتصادياً واجتماعياً، لكنها أيضاً خلّفت جانباً نفسياً عند العائلات المتضررة، التي احتاجت دعماً كبيراً حتى تستطيع تجاوز محنتها ومعاودة حياتها بشكل طبيعي، ومن هنا تأتي أهمية مبادرة الدعم النفسي “من الألم إلى الأمل” التي أطلقتها الهيئة العامة لمستشفى ابن خلدون، بالتعاون مع مديرية صحة حلب منذ وقوع كارثة الزلزال، لمساعدة المتضررين في مراكز الإيواء المؤقتة، بمن فيهم الأطفال لتجاوز نتائجها العصبية وتقديم الدعم النفسي المطلوب.
مبادرة الدعم النفسي، التي تقدم خدماتها الطبية بما فيها تأمين الأدوية بشكل مجاني، لم تقتصر على زيارة مراكز الإيواء، حيث أنشئت بعد تخطي صدمة الزلزال عيادات نفسية في ثلاثة مراكز، كمركز صلاح الدين الصحي، الذي يقدم خدماته يوم الإثنين من كل أسبوع بدءاً من الساعة 9 صباحاً حتى الساعة الواحدة ظهراً، ومركز الملك الضاهر في حي الميدان يوم الأربعاء ومركز بستان القصر الصحي يوم الخميس، إضافة إلى نقاط طبية متنقلة في أحياء مدينة حلب وريفها، حيث أخذت الهيئة العامة لمستشفى ابن خلدون بالحسبان ظروف المواطنين بعد الزلزال وصعوبة الوصول إلى مركزها.
19 ألفاً استفادوا من الخدمة الدوائية مجاناً
خدمات بالمجان
«تشرين» استفسرت من القائمين على مبادرة “من الألم إلى الأمل” عن المستفيدين من خدماتها واستمرار تقديم الرعاية النفسية للمتضررين من الزلزال وغيرهم من المواطنين، الذين أصبح أغلبيتهم يحتاجون دعماً ورعاية نفسية، ليؤكد أحمد عمران رئيس قسم الإرشاد النفسي والاجتماعي في الهيئة، أن المبادرة مستمرة بتقديم خدماتها، التي تشمل (تقييماً أولياً نفسياً ومشورة نفسية ومتابعة دوائية)، مع تأمين الدواء مجاناً، ويتم ذلك في مراكز الإيواء المؤقتة، إضافة إلى العيادات المتخصصة الثلاث والفرق الجوالة، التي شملت أحياء مدينة حلب وريفها أيضاً، ففي المدينة مثلاً أقيمت نقطة ثابتة في ساحة سعد الله الجابري خلال عطلة العيد، أما الريف فتوجه الفريق الطبي إلى منطقتي دير حافر و السيفرة ، كما زار المتخصصون مدينة خان شيخون، مع إمكانية التوجه قريباً إلى مدينة حماة واللاذقية، فمشفى ابن خلدون كما هو معروف يغطي احتياجات سبع محافظات.
وعند السؤال عن الأشخاص الذين استفادوا من العلاج النفسي بيّن أن العدد تجاوز 44 ألف شخص ضمن مراكز الإيواء، إضافة إلى زيارات منزلية بناء على اتصال مسبق من ذوي المريض، عدا عن متابعة الحالات السابقة التي كانت تراجع المشفى، مشيراً إلى وجود العيادات والنقاط الطبية ما سهّل وصول الخدمة إلى المرضى وتخفيف التكاليف المالية عليهم، لافتاً إلى أن عدد المستفيدين من الخدمة الدوائية تجاوز 19 ألف شخص تلقوا الخدمة الطبية والدوائية.
وأكد عمران أن خدمات الرعاية النفسية شملت الأمهات والأطفال عبر تقديم جلسات للدعم النفسي الجماعي.
سرية تامة لمن تلقى خدمة الرعاية النفسية والدوائية
سرية تامة
عماد كوكه المنسق الإعلامي للمبادرة تحدث عن السرية التامة للمرضى المستفيدين عبر الحفاظ على خصوصيتهم، حيث لا تعطى أي معلومة عن أي مريض إلّا في حالة واحدة عند طلب القضاء هذه المعلومات بشكل قانوني وموثق.
وبيّن كوكه استمرار تقديم خدمات المبادرة من الدعم النفسي والخدمة الطبية والدوائية حتى نهاية شهر أيار، مشدداً على مجانية الخدمات كلها بالتعاون مع مديرية الصحة التي أولت هذه المبادرة كل الاهتمام.
وفيما يخص معرفة المريض بالمبادرة والاستفادة من خدماتها، أكد كوكه أن الهيئة تعرض عبر صفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي كل ما يتعلق بالمبادرة وكيفية الاستفادة منها، لكن الدور الأهم برأيه يعود إلى وسائل الإعلام في تعريف المواطنين المحتاجين بها وبخدماتها المجانية بالمطلق.
فريق طبي مختص
وبهدف الاطلاع على الخدمات التي تقدمها مبادرة من “الألم إلى الأمل” على أرض الواقع جالت «تشرين» مع الفريق الطبي المتخصص على عدد من المراكز والعيادات النفسية، حيث التقينا في العيادة النفسية في حي الميدان الدكتور أحمد دقاق مسؤول فرع العيادة النفسية لفريق الاستجابة الطارئة للهيئة، الذي أكد أن الفريق الطبي المختص يتألف من طبيب ومرشد نفسي وباحث اجتماعي وممرض نفسي وإداري حالة بتقديم الاستشارة الطبية النفسية، للحالات التي لا تستطيع الوصول إلى المستشفى بشكل مجاني، مبيناً أن العيادات النفسية تستقبل المتضررين من الزلزال، وغيرهم من المواطنين المحتاجين إلى الرعاية الصحية النفسية، إضافة إلى المرضى الذين يملكون بطاقة معالجة خاصة بالهيئة، من أجل إعادة تقييم الحالة أو تقديم الدواء اللازم، حيث تقدم هذه الخدمات من الساعة التاسعة صباحاً إلى الساعة الواحدة، ليتابع بعدها الفريق جولاته إلى مراكز الإيواء المؤقتة والنقاط الجوالة.
وشدد دقاق على أهمية الخدمات المقدمة خلال المبادرة، وخاصة لجهة تأمين الدواء مجاناً، في ظل ارتفاع أسعاره وعدم توافره في أحيان كثيرة في الصيدليات، وخاصة أن الفريق الطبي يقدم الدواء لمن لا يملك بطاقة معالجة سابقة بعد المعاينة الطبية والاستشارة النفسية اللازمة.
مساعدة كبيرة
كما زارت «تشرين» أيضاً مع الفريق الطبي المتخصص الذي يقدم خدمات الرعاية النفسية أخوية “إيمان ونور” في كنيسة مار جرجس بحلب، ورصدت عن قرب تقديمه خدمات الفحص الطبي، والتقييم الأولي والدعم النفسي والخدمة الدوائية لـ65 مستفيداً من ذوي الاحتياجات الخاصة والمرضى النفسيين، كما شارك المستفيدون خلال هذه الزيارة بالأنشطة التفاعلية والحركية تحت إشراف مدربين اختصاصيين، وبعد ذلك تم توزيع بروشورات توعوية مع تقديم الأدوية لبعض الحالات على أن تتم متابعتهم بزيارات أخرى.
وعن أهمية الزيارة التي قام بها فريق مبادرة “من الألم إلى الأمل”، والخدمات المقدمة للمستفيدين، أكدت جينا حسكور منسقة أخوية “إيمان ونور” المساعدة الكبيرة التي حظى بها 65 مستفيداً من خدمات هذه المبادرة المهمة، لناحية الدعم النفسي وتوفير الدواء، وخاصة في ظل ارتفاع تكاليف المعاينة الطبية، وغلاء أسعار الدواء بعد ارتفاع أسعاره مؤخراً، مشيرة إلى أن المبادرة حلّت مشكلات المستفيدين الذين في أغلبهم هم من ذوي الاحتياجات الخاصة، والمرضى النفسيين عبر تأمين الدواء مجاناً بعد المعاينة الطبية والاستشارة النفسية اللازمة من قبل الفريق الطبي المتخصص، إضافة إلى طرح إمكانية الزيارة المنزلية لمن لم يستطع الحضور والاستفادة من خدمات المبادرة.
ت – صهيب عمراية